في الوعي الزائف بالسلام صدمة الحقيقة

عبد الله راكز

1/ في تبكير التّسويغ ب»صفقة القرن»:
سبق وأن تنبّأنا في كتابات سابقة، وبناءعلى طبيعة التطورات الجارية بالمنطقة ولبنان، باحتمالية(غير قابلة للشك أوالريب) توقيع اتفاقيات خيانية مع بلدان عربية أخرى بالمحيط تَسْمح بفهم واعتبار(أيضا ومن دون تنجيم مُفتعل)أن المواجهة تتجدد على صعيد المنطقة من أجل تسويغ «’صفقة القرن» الهادفة عمقا واختصارا، مَحْو كل مكتسبات القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي والإنساني.
وها أن المحطة الثانية تأتي من البحرين وبسرعة مذهلة لربما تتغيأ تكريس الاستسلام مبكّرا تمهيدا للآتي: تكوين الحلف السياسي/العسكري الأمريكو- صهيوني بالمنطقة لأهداف استراتيجية أكثر منها وقتية.
مرادنا هنا تسجيل التالي:
أ-تَهْدف الهرولة السريعة التي نعاين حلقاتها المتسلسلة ودون كثير نَظَر، تبييض صفحة أمريكا(وهي تشهد انتخاباتها الرئاسية) وإبرازها باعتبارها المخلّص الوحيد من الأزمة، وفق المقولة الشهيرة بالسبعينيات القائلة بكون 99بالمئة من أسباب الحل بيدها!
ب- تصفية روح العداء للصهيونية ولوجودها وعدوانيتها وتوسّعها،واعتبارها مجرد دولة انتصرت علينا في حربين وانتصرنا عليها في حرب، وآن الأوان للسلام بيننا وبينها حقنا للدماء وحفظا للطاقات والأموال وتعاونا مشتركا من أجل الرخاء.
ج- تحويل(وهو الجاري عَيْنيا)إلى مجرد قضية فلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة،وإغفال الشعب الفلسطيني ككل وبالتالي إنكار وجود قيادته(على علاتها) المعبرة عنه: منظمة التحرير الفلسطينية.
د- التّخلي عن القضية العربية ذات المضمون المعادي للاستعمار والصهيونية (أبارتهايد العصر) ومضمونها الاجتماعي التقدمي (=جبهة التّقدم العربية).
ه- ثم التخلي عن طريق التطور الاقتصادي المستقل(كما يجري الآن بمصر) وتحويل المنطقة بأكملها إلى هيكل/سياسي/اقتصادي وعسكري تابع لأمريكا.
2/في الردّ الإيديولوجي والسياسي:
في ردّ نادر على المفكر الليبرالي الدّاعم لاتفاقات «السلام « مع إسرائيل بصفة عامة،وزيارة الرئيس الأمريكي كارتر لمصر(العام 79)، يصف محمود أمين العالم(وهو مفكر ماركسي)هذا الأخير بواحد من «التجار الممتلئة حوانيتهم بالمعلبات الأجنبية «المستوردة» بفضل سياسة الانفتاح الاقتصادي(اعتمدها السادات إبان حكمه)،أو لعلّه واحد من هؤلاء البسطاء الذين غسلت أمخاخهم دعايات السلطة،وملأتهم بالوعي الزائف بأن السلام الأمريكي -الصهيوني هو الرخاء «.
طبعا يبدو هذا التّصوير أقرب إلى الحالة التي هو عليها الوضع العربي الآن بعد اتفاقية التطبيع الصهيوني -الإماراتي-البحريني،وحالة الهرولة المسعورة باتجاهه. وحتى لو اعتبرنا(مع البعض) بأن هذا الرد أمْيل إلى الردّ الإيديولوجي قبل أي شيء آخر(نظرا لتخالف مَشْربي المفكرين الحادّ). فإننا مع ذلك نُقرّ بضرورته، من حيث كون المرحلة الراهنة تفترض تمايزا إيديولوجيا وطبقيا داخليا مفتوحا على المستقبل/التّقدم في سياق الحفاظ على الكينونة العربية،وحفظ أمنها العام،الذي هو حفظ مستقبل شعوبها.
مرادنا مرة أخرى وكضرورة تبيان الآتي:
أ-تَنْبرز أهمية المعركة الإيديولوجية في فضحها الإيديولوجية الزائفة السائدة،واسْتِنْقاذ الفئات التي لا مصلحة لها في هذه الإيديولوجيا من سيطرتها،أو من مٍحْنة قلقها وتردّدها ويأسها بالتالي. وهذا على فَرْض أن المعركة الإيديولوجية ليست مجرد عملية تستند إلى الخبرة في فضح الزيف الإيديولوجي وفي تنمية وعي إيديولوجي نسبي ومناضل معا.
ب- لعل من أهم المفارقات (انظر كتابنا: الدرس العربي في الديموقراطية) التي وقع استدراكها مؤخرا كون الرّاديكاليات(محمود أمين العالم نموذجا) وفيما غيّبت في انتقائية تامة نهج الديموقراطية كفكر وأسلوب من مسلكياتها وبرامجها أيضا…ساهمت ببعض ممارساتها العامة في تزكية الوضع الذي أطرها هي ذاتها بدل المساهمة في علاج إشكالاته، بل أكثر من هذا، فهي بتبخيسها لكل تفكير أو نظر ليبيرالي على علاته،ساهمت في إعاقة قيام ليبرالية عربية وإجهاض إرهاصاتها (إن وُجدت) المُحتمل تطورها وطنيا في ما بعد.
في ظل هذا الوضع(ونجني الآن ثماره) ظل المثقف الليبرالي على مبدئيته إبان المرحلة المذكورة(لويس عوض نموذجها) وعلى أهمية دوره كذلك إلى حدود التسعينيات، منكمشا على ذاته، مُهمشا ونخبويا..واعْتُبر من لدن المثقف «الثوري «حامل لواء العضوية المُتهافتة وبمبررات ليست دائما جدية، ممالئا للسلطة ومنظرا لها بموجب التّقاطع العفوي اللاإرادي لأهدافه مع أهداف هذه الأخيرة الرامية تطويق أية حركية راديكالية يسارية كانت أو»إسلاموية»أو غيرها.
هكذا كان ولايزال الوعي السياسي العربي متدنيا في فهم آلية التطور بواقعه، وفي فهم طبيعة معاركه السياسية/الاقتصادية/الكيانية الآنية والمستقبلية. ولعل اتفاقات التطبيع الجارية أكبر مدخل لفهم هذا التّدني.

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 16/09/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *