في اليوم الدولي للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان: الطفولة المختطفة بين قصف غزة وجحيم تندوف

سعيد الخطابي ( *)
يعود الرابع من يونيو كل سنة ليذكرنا بيوم استثنائي من أيام الأمم المتحدة، اختير لتخليد معاناة شريحة هي الأضعف في النزاعات والحروب: الأطفال الأبرياء ضحايا العدوان. وقد انطلق هذا اليوم في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، لكنه سرعان ما تحول إلى عنوان كوني يندد بكل اعتداء همجي على الطفولة، في كل زمان ومكان. ورغم عقود من التوصيات الأممية، لا تزال مشاهد الرعب تتكرر، وتسقط البراءة تحت أنقاض القصف والاقتلاع والتشريد والتجنيد.
في غزة، على سبيل المثال، حيث تمضي آلة الاحتلال في تدمير كل معاني الحياة، لا يمر يوم دون أن يزهق فيه روح طفل، أو يبتر جسده، أو ييتم، أو يلقى به في الخيام بعد أن تتحول البيوت إلى رماد. في فلسطين، تقاس المأساة بالصور لا بالأرقام، إذ صارت أجساد الأطفال المحترقة وصرخاتهم تحت الأنقاض وثائق دامغة على إفلاس الضمير الإنساني. هناك، حيث العدوان يمارس بغطاء دولي، تسقط البراءة تحت القصف المباشر، وتحرم من الحق في الأمان، في التعليم، في اللعب، في المستقبل.
وإذا كانت جراح غزة واضحة وظاهرة، فإن هناك جروحا صامتة تتقيح في رمال تندوف، بعيدا عن عدسات الإعلام، وأبواق الاستنكار، والضمير العالمي. هناك، في جنوب غرب الجزائر، يقبع جيل كامل من الأطفال في منفى قسري، داخل مخيمات أنشأتها عصابة انفصالية اختارت أن تراهن على معاناة الإنسان من أجل شرعنة كيان وهمي لا وجود له إلا في خطابات بروباغاندية جوفاء. في تلك المخيمات، حيث يعيش الأطفال تحت خط الفقر وتحت خط الإنسانية.
في تندوف، الطفولة أضحت ضحية للعزلة والتهميش ورهينة مشروع سياسي مغلق. يولد الطفل هناك ليغذى منذ نعومة أظافره بأدبيات الحقد والكراهية والانفصال، ويلقن سرديات مشوهة عن الهوية والوطن. يتلقى تعليما ذا نزوع إيديولوجي وتحريضي في مدارس بدائية، تفتقر لأبسط شروط الجودة، ويزج به في أجواء من الدعاية السياسية التي تقتلع منه براءته، وتهدم فيه الحلم، وتصنع منه وقودا لصراع لا أفق له.
ولا يتوقف الأمر عند الحرمان من التعليم الجيد أو الخدمات الصحية، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر: تجنيد الأطفال. إذ تقوم جبهة البوليساريو، بدعم وحماية من كابرانات الجزائر، بتجنيد القاصرين قسرا داخل معسكرات تدريب عسكرية، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة. هناك، ينتزع الطفل من أسرته، ويرغم على حمل السلاح بدل القلم، ليحوّل إلى جندي صغير في معركة عبثية. إنها جريمة حرب مكتملة الأركان، لكنها تمر في صمت.
وإمعانا في تعميق المأساة، يتم استغلال هؤلاء الأطفال في عمليات التسول السياسي باسم المساعدات الإنسانية، حيث تجمع التبرعات باسمهم من المنظمات الدولية، ليتم نهبها لاحقا، وإعادة بيعها في السوق السوداء. وتوثق عدة تقارير حالات اختفاء ممنهج لشحنات ضخمة من حليب الأطفال، الأدوية، والمواد الغذائية التي من المفترض أن توجه إليهم، لكنها تختفي بين أيدي تجار الأزمات ومهندسي الحصار داخل المخيمات. إنها سرقة مزدوجة: سرقة الطعام من فم الطفل، وسرقة كرامته ومستقبله.
ومما يزيد من فداحة الجريمة، هو منطق الحصار الذي تفرضه السلطات الجزائرية على سكان المخيمات، في خرق صارخ لكل قواعد القانون الدولي الإنساني. لا حرية تنقل، ولا إمكانية للاختيار، ولا حتى الحق في العودة لمن يرغب في الانعتاق من هذا الجحيم. فالمخيمات تحولت إلى سجن مفتوح، تسيره قيادة مستفيدة من الوضع، وتحرسه سلطة تستثمر في استمرار النزاع لاعتبارات داخلية وإقليمية. أما أي صوت ينادي بالحوار أو بالحكم الذاتي، فيُقمع ويُتّهم بالخيانة، ويُجرد من الدعم.
في المقابل، لا يزال المغرب يمد يده بنداء يتكرر: الوطن غفور رحيم وهو التزام أخلاقي وسياسي، يجسد إرادة حقيقية في طي صفحة الماضي، واستعادة أبناء الوطن إلى حضنهم الطبيعي. ومن خلال مبادرة الحكم الذاتي، يطرح المغرب حلا واقعيا، عادلا، ومستقبليا، يحقق للمنطقة كرامتها التنموية تحت السيادة الوطنية، ويضمن للساكنة الحق في تسيير شؤونها المحلية، بعيدا عن منطق الابتزاز، والمخيمات، والوصاية.
إن استمرار هذا الوضع المأساوي داخل تندوف، واستغلال الأطفال كوقود للعداء، هو إهانة صريحة لكل المواثيق الدولية، ولكل الضمائر الحية. فاليوم الدولي للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان، هو دعوة صريحة للفضح، للتوثيق، للمساءلة، وللمحاسبة.
لقد آن الأوان أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته كاملة تجاه جريمة متعددة الأبعاد: اختطاف الطفولة، تجنيدها، تجويعها، وبيع مستقبلها في أسواق السياسة.
الطفولة في غزة تنزف، وفي تندوف تختنق، وفي كل بقاع الظلم تغتصب حقوقها بلا رحمة. ومع ذلك، يبقى الأمل في أن يعود الحق لأصحابه، وأن تنكسر جدران الصمت، وأن يسمع صوت الطفل من وراء الأسلاك، يصرخ في وجه العالم: أريد أن أعيش، لا أن أقاتل… أريد وطنا، لا خيمة… أريد مدرسة، لا بندقية.
(*)عضو المجلس الوطني للحزب
الكاتب : سعيد الخطابي ( *) - بتاريخ : 04/06/2025