في بعض شروط قيام علمانية عربية؟: الفهم الليبرالي الضروري

عبد الله راكز

1/ في مسببات إجهاض النسق الليبرالي:
إن غياب المناعة الذاتية الكفيلة بتحصين البُنى العربية الهشة، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ضدا عن الاختراق الأجنبي الاستعماري المتعدد الوسائط والأدوات، هو غياب يستمد جذوره وأسسه، من التعثر العام الذي شهده مسلسل التطور السياسي/المؤسساتي والاجتماعي-الثقافي العربي(المغرب طبعا ليس بمعزل عن هذا)، منذ الوعي المبكر بضرورته، من لدن العديد من المثقفين والمفكرين العرب، الذين سايروا على نحو من الأنحاء، الصدوع المفرط للتيار البوجوازي العربي الصاعد بداية الخمسينات، نحو « القومية» الاشتراكية ذات النزوع الانقلابي(تياري البعث والناصرية بالتحديد). وإذا أمكننا القول إن التجربة المصرية البرلمانية أوائل القرن الماضي (مع أحزاب الوفد، الأمة والأحرار وغيرهم ) كانت تجربة بأي حال من الأحوال، منخرطة في صميم الرغبة في الانتظام ضمن النسق السياسي الليبرالي. فيمكن أن نخلص إلى القول: إن إجهاض التجربة الأخيرة المذكورة، وتداعيات الصدوع المفرط للتيار « القومي» الانقلابي( وقد باتت الآن معروفة) يدخلان في تصميم العوائق الكبرى التي أجهضت تبسيط وتسهيل الانتظام في سياق ليبرالي عربي، وحدّت من إمكانية تعميمه كنموذج قابل للتطوير. ضف إلى ذلك، استمرار التفكير التقليدي المتكلّس والجارف الذي يطبع ولايزال، البنى العربية الذهنية والسلوكية على نحو ملحوظ، أي التفكير الديني السلفي المُنغلق الذي يستغل بكل وضوح مُفعم ب» التقية» الأخلاقية، كل منطق سياسي ينظم الآلية الديموقراطية ويروم الحد من الهيمنة اللاعقلانية الحادة، والاستبدادية للديني على السياسي/ المدني.
ثم، إن إشكال الديموقراطية غير المتحقق حتى على المستوى الجواني من البنى العربية المذكورة، رغم أنه كطرح، وموضوعة ومأزق أيضا، سبق وأن انبسط حد الاستسهال، على بساط التفكير السياسي العربي المُعقلن نسبيا أوالطامح في أن يكون كذلك أصبح متجسدا أكثر من أي وقت مضى،» مواقع وتاريخية» ، ممتدة وليس كمعطى تاريخي فقط(والفرق هنا واضح تماما)، بل أكثر من ذلك، أصبح وكما كان سابقا، من صميم المشروع الديموقراطي التحرري الواقعي(وليس الوقائعي؟؟) بعد العام 67 عام الهزيمة؟؟.من صميم المشروع الديموقراطي الحداثي المفترض.هذا الأخير بلا شك الذي سيشكل لامحالة(مثلما كان الصعود القومجي المذكور) أساس العديد من برامج القوى والأحزاب العربية بل وديدنها في الممارسة (على فقرها وتكلسها) على أرض الواقع وباسمه، ومرجعها من شتى حالات» التنازع « المتأسسة فكريا وسياسيا على خلفية « التفارق» الاجتماعي.
2/في كوابح الدعوة للحكم البرلماني:
إن شعارات النهضة ومقاومة الاستبداد والدعوة للحكم البرلماني وإصلاح التعليم ونشر المعارف…كانت خطوات إيجابية(دعويا؟؟) في سبيل نهوض مايسمى بالأمة العربية(=الشعوب العربية ) غير المستقلة والمتداخلة مع بقية « الأمم « الإسلامية، ولكن بقيت الشعارات الدينية-النهضويون النهضوية الملابس (حالتي المغرب وتونس كرائدتين في هذا المجال؟)، غير مدركة لطبيعة الجسم السياسي الديني المحافظ الكبير الذي راحت تستثير نشاطه، ليغرقها في النهاية بشبكته الطائفية الواسعة، وبجذوره الممتدة قرونا مديدة.
إن الأفكار الحالمة لم تكن على دراية بحجم وعمق التركيبة الاجتماعية السياسية الفكرية المحافظة، والتي راحت تستعيد سطوتها على الحياة العربية، عبر تغذية القوى الاستعمارية لها، والتي وجدت فيها أرضية أساسية لتمزيق الشعوب العربية، والتي تم تفتيتها سياسيا وإداريا.
رفضت قوى علمانية تنويرية مسار الانبعاث « الديني – القومي»، طارحة استيراد النموذج الحداثي الغربي(وهذا يحسب لها) ولكن ظلت طاقاتها العقلية الهامة والمفيدة، معتمدة على تشكيل الإنتاج الثقافي، غير المترابط مع الوعي السياسي المطلوب وإنتاج الممارسة الفعلية.
ونظرا لهذا الضعف الذي وسم هذه القوى(وهي في أغلبها محسوبة على اليسار)، فإن اتجاهها الثقافي -العلماني ظل منعزلا عن الممارسة الكفاحية الوطنية، وبدأ وكانه نموذج لتبعية فكرية للغرب، ما عمق عزلته وكرس أزمته غير المنتهية.
وبالتحصيل:
إن عجز الطبقات البورجوازية التبعية – الإقطاعية عن قيادة معركة الاستقلال السياسي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية، قد هيأ الفرص لبروز القوى الاجتماعية الوسطى والصغيرة للتصدي لهذه المهمة، ولاستقطاب الحماس وتوظيف المعاناة الجماهيرية لأجل تشكيل خطوط سياسية نظرية تسريعية وشمولية تتجاوز الليبرالية والتحديث الديموقراطي.
وللحديث بقية.

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 16/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *