قراءة سريعة في لائحة الترشيحات وفي نتائج عملية الاقتراع

محمد إنفي

المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي يستكمل أجهزة الحزب بانتخاب أعضاء المكتب السياسي:

 

مرة أخرى، يؤكد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من خلال التمرين الديمقراطي الذي عرف أطواره المقر المركزي للحزب يوم السبت 10 يونيو 2017، أنه، بالفعل، مدرسة. فهو ليس مدرسة للإبداع السياسي والفكري فقط(انظر مقالنا «المدرسة المغربية للإبداع السياسي والفكري: الاتحاد الاشتراكي نموذجا»، مجلة «إكسير»، صفحة محمد إنفي)؛ بل هو، أيضا، مدرسة لتعلُّم وتعليم الديمقراطية من خلال العمل على تكريس قيمها والتجديد في أدواتها. وهو، في هذا الباب، يحتل الريادة عن جدارة واستحقاق. ويكفي، للتدليل على هذا الأمر، استحضار التطور الكبير الذي حصل في تنظيم المؤتمرات الوطنية وفي طريقة اختيار القيادة الحزبية.
فبعد مرحلة الشرعية التاريخية والمركزية الديمقراطية (أو الديمقراطية المركزية) التي كانت تعتمد لجنة الترشيحات كأسلوب لاختيار القيادة الحزبية (أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية أو الإدارية)، انتقل الاتحاد، منذ حوالي عقدين، إلى الاقتراع السري كأسلوب في اختيار قيادته الوطنية (الجهازان التقريري والتنفيذي) تمهيدا لمرحلة الشرعية الديمقراطية التي فرضتها متغيرات سياسية وفكرية وتنظيمية.
وقد دشن المؤتمر الوطني الثامن هذه المرحلة الجديدة التي قطعت، تنظيميا، مع تلك التي سادت فيها الشرعية التاريخية. وجاء المؤتمر الوطني التاسع ليكرس هذا التوجه، ثم رسخه المؤتمر الوطني العاشر الذي شكل انعقاده تحديا حقيقيا نظرا للتشويش الذي صاحب المراحل الأخيرة لتحضيره.
ورغم أن لكل مؤتمر من المؤتمرات الوطنية طابعه الخاص وميزته البارزة، فإنها كلها، بما لها وما عليها، ساهمت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تعميق الوعي بالحاجة إلى الثقافة الديمقراطية، والتي لا يزال منسوبها، رغم ما تحقق، محدودا وغير متجذر بالقدر الكافي، خاصة وأننا نعيش في مجتمع (وحزبنا جزء من هذا المجتمع الذي أصبحنا، مع الأسف، نتأثر به أكثر مما نؤثر فيه)، يعرف تحولات متسارعة، آثارها، السلبية منها على الخصوص، تنعكس على كل المجالات، بما في ذلك منظومة القيم.
وإذا كان لكل مؤتمر وطني، خاصة خلال العقدين الأخيرين (أي منذ المؤتمر الوطني السادس)، بصمته الخاصة في إغناء الممارسة الديمقراطية وفي تجويد أدواتها، فإن المؤتمر الوطني العاشر أتى، في هذا الباب، بإضافة نوعية؛ إذ بإدخاله البعد المجالي(اعتماد التصويت على مستوى الجهة فيما يخص اختيار أعضاء المجلس الوطني) في تكوين الجهاز التقريري للحزب، يكون قد خطا خطوة كبيرة على طريق القطع مع المركزة والتمركز، أو على الأقل، الحد منهما.
وتجدر الإشارة إلى أن تمثيلية كل جهة، في المجلس الوطني، تتناسب وحجم حضورها في المؤتمر؛ وهذا الحضور يتحدد بدوره من خلال الوجود التمثيلي (أي معدل الأصوات المحصل عليها في الانتخابات الأخيرة، الترابية منها والتشريعية) والوجود التنظيمي (أي عدد بطائق العضوية المسواة) على مستوى كل إقليم بالجهة.
ومن الملاحظ أن التنافس على الظفر بمقعد في الجهاز التنفيذي للحزب (أي المكتب السياسي)، قد اكتسى طابعا خاصا مقارنة مع المؤتمرات السابقة. وأول ما يثير الانتباه، هو العدد الهائل من أعضاء وعضوات المجلس الوطني الذين ترشحوا لهذه المهمة؛ حيث عرفت اللائحة العامة 64 ترشيحا للتنافس على 18 مقعدا؛ وعرفت اللائحة النسائية 24 ترشيحا من أجل 9 مقاعد.
وقد عرف هذا الاستحقاق (انتخاب أعضاء المكتب السياسي) عدة مستجدات؛ أهمها، في نظري المتواضع، عنصران جديران بالتسجيل: الأول يتعلق بالمرشحين والمرشحات والثاني يتعلق بتنظيم عملية الانتخاب والحرص على ضمان شفافيتها.
ففيما يخص التنافس على عضوية المكتب السياسي، يُسجل، لأول مرة، انخراط عدد لا يستهان به من المرشحين في حملة انتخابية حقيقية بهدف التعريف بمؤهلاتهم المعرفية والفكرية وكفاءتهم التنظيمية والتدبيرية (هناك من لم ينخرط في هذه العملية إما لعدم الحاجة إليها اعتبارا للرصيد الشخصي النضالي والإشعاعي أو، ربما بالنسبة للبعض، استصعابا للعملية أو استهانة بها أو غير ذلك من الأسباب). وهو، على كل حال، أسلوب غير مألوف في الاتحاد الاشتراكي؛ مما جعل البعض يستهجنه ويعتبره تمييعا للعملية؛ في حين أن هذا الأمر من صميم العملية الديمقراطية ومن الحقوق الأساسية لكل مرشح أو مرشحة لمهمة تقريرية أو تنفيذية، والتي هي، في النهاية، مهمة تمثيلية.
وقد سمحت تلك الحملة الانتخابية – التي تم فيها توظيف وسائل الاتصال العصرية («واتساب»، «فيسبوك»، رسائل نصية قصيرة، بالإضافة إلى الهاتف، بالطبع) قصد التواصل مع أعضاء وعضوات المجلس الوطني بحثا عن الدعم والمساندة – للقاعدة الناخبة بالتعرف على الكثير مما كان يُجهل من مؤهلات تلك الطاقات الكبيرة التي يزخر الاتحاد الاشتراكي بالكثير منها، سواء كانت مرتبطة بالتنظيم أو مبتعدة عنه. لذلك، فأنا شخصيا أخالف الرأي كل من يستهجن هذه العملية أو ينقاد للرغبة في تبخيس مؤهلات الآخرين وتحقير إمكانياتهم الشخصية، من قبيل الزعم، على صفحات الفايسبوك، بأن من المرشحين والمرشحات من لا يستحق أن يكون حتى في مكتب الفرع.
لا أزعم أنني أعرف الجميع؛ لكني يمكن أن أؤكد أن أغلب المرشحين والمرشحات، بالإضافة إلى كونهم أعضاء في المجلس الوطني، هم مسؤولون إما على مستوى الجهات أو الأقاليم أو على مستوى القطاعات الحزبية المختلفة أو يتحملون (أو تحملوا) مهام تمثيلية (برلمان، غرف مهنية، جماعات ترابية) أو يتحملون مسؤوليات في المجتمع المدني… أضف إلى ذلك أن النظرة الدونية للفرع (التي عبر عنها البعض) تحتاج إلى مراجعة؛ ذلك أن الفرع كمؤسسة أو كجهاز للقرب، يحتاج تدبيره وتسييره إلى كفاءة عالية؛ وإلا أنشأنا هياكل فارغة لا علاقة لها بالمواطنين وبالمجتمع. والرهان، هو العودة إلى المجتمع.
وأعتقد أن الإعداد التنظيمي واللوجيستيكي لعملية الترشيح والتصويت والفرز(وهذا هو العنصر الأساسي الثاني المستجد الذي أشرت إليه آنفا)، قد فوت الفرصة على الجهات المتربصة بالاتحاد والمتحاملة عليه (ومنها المنابر الإعلامية التي ألفت تضخيم كل صغيرة، مهما بلغت تفاهتها، للنيل منه ومن قادته) والتي اعتادت التشويش على المحطات التنظيمية للحزب بهدف تحويل نجاحاته إلى فشل.
صحيح أن هناك بعض ردود الفعل الداخلية التي لم تستسغ النتائج التي أسفر عنها التمرين الديمقراطي الذي أنجزناه بثقة وساهمنا فيه بحماس. وهو أمر عادي وطبيعي، وبالأخص حين تصدر ردود الفعل هذه عن أناس لهم تاريخ نضالي، مشهود لهم به؛ مما يجعلهم يعتقدون في أسبقيتهم، بل وأحقيتهم، عن غيرهم في الوجود بالمكتب السياسي، خاصة حين يقارنون أنفسهم بالبعض ممن فازوا.
غير أن هذا النوع من الانفعال كان محدودا جدا. وقد سجلنا بإيجابية الروح الرياضية العالية التي عبر عنها العديد من المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ في هذا الاستحقاق التنظيمي المهم. ولا شك أن الذين التزموا الصمت، إنما هو تعبير عن رضاهم، بهذا القدر أو ذاك، عن العملية وقبولهم لنتائج صندوق الاقتراع.
المهم في كل هذا، هو أن الاتحاد الاشتراكي قد فاز في الرهان. وبفوز الاتحاد نكون قد فزنا جميعا، سواء الذين سيمثلوننا في الجهاز التنفيذي للحزب أو الذين خاضوا غمار المنافسة ولم يفوزوا بهذا التكليف أو الذين تعففوا عن الترشيح أو الذين لم يفكروا فيه أصلا.
ولن أبالغ إن قلت بأن كل مرشحة وكل مرشح يتوفر على ما يكفي من المؤهلات (أو على الأقل، الحد الأدنى منها) ليكون في المكتب السياسي. لكن، وكما في كل المنافسات، لا يمكن أن يفوز الجميع. والمنافسة السياسية ليس فيها تعادل: فإما الفوز وإما عدم الفوز (ولا أقول الفشل). والروح الرياضية تقتضي التسليم بالنتيجة. وهذه هي الروح الديمقراطية الحقة.

الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 17/06/2017