قراءة سياسية لمجريات الأحداث درس من التاريخ. .(الحلقة الثالثة)

حمادة فراعنة

لم تكن كلمة الصمود غريبة عن أجواء وتاريخ بلدنا وشعبنا، فقد عشنا أقسى الظروف وأكثرها حدة في عهد الراحل الحسين، حينما رفض بإباء وكرامة المشاركة في حفر الباطن للمساهمة في تدمير العراق وذبحه، بعد خطيئة الرئيس الراحل صدام حسين وسوء تقديراته في قراءة نتائج قرار اجتياحه للكويت وآثامها، ذلك الاجتياح يوم 2/8/1990، الذي رفضه الأردن وأدانه وعمل على التخلص من تبعاته بالانحياز لفكرة الحل العربي نقيضاً لما هو مُعد للعراق، حل يحفظ للكويتيين كرامتهم، مثلما يُجنب العراقيين تدمير مكتسبات دولتهم وتفوقها، ولكن أدوات السوء كانوا الأقوى وعملوا على تسويق مؤامرة تدمير العراق واحتلاله وتقويض دوره لمصلحة طرفين أولاً لمصلحة العدو الوطني والقومي والديني للعرب وللمسلمين وللمسيحيين العدو الاسرائيلي، وثانياً لمصلحة ايران التي تتطلع نحو التوسع والنفوذ على حساب العرب ورداً من جانبها على هزيمتها في الحرب العراقية الايرانية .
قمة القاهرة يوم 10/8/1990، وفرت الغطاء العربي لتدمير العراق أمام الأميركيين، ودفعنا في حينه ثمن شجاعة الحسين في رفض قرارات القمة، ورفض مشاركتنا في ذبح العراق عبر تحالف حفر الباطن، وقالها الحسين لا كبيرة قوية للأميركيين ولكل حلفائهم المتربصين بالعراق، وها نحن نشهد بعد ربع قرن على تلك الوقائع المحزنة المدمرة صواب الموقف الأردني، ونشهد نتائج جريمة انهاء العراق ودماره وخرابه، وصمدنا كأردنيين في ذلك الوقت أمام الافقار والحصار وفرض العزلة علينا، ولكن ماذا كان سلاح الحسين الأقوى في مواجهة الضغوط ؟؟
كان سلاحه المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية، بين رأس الدولة جلالة الملك وأحزاب وشخصيات المعارضة، تلك المصالحة التي أدى فيها عدنان أبو عودة الذي مازال حياً وذاكرته يقظة، أدى دوراً أساسياً بل وريادياً في تحقيق تلك المصالحة التي أثمرت عن عقد اللقاءات بين الراحل الحسين مع اليساريين وأحزابهم الثلاثة الشيوعي وحشد وحزب الوحدة ومع القوميين وحزبي البعث الاشتراكي والتقدمي، ومشاركتهم في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني ، والتي جمعت اليساريين والقوميين مع المحافظين والإخوان المسلمين ، وأبرز قياداتها رئيسها أحمد عبيدات والقائد الوطني الراحل المحامي ابراهيم بكر، وأستطيع المباهاة، أن امكانياتي سمحت لي بالمساهمة في انجاز تلك المصالحة عبر حوارات متصلة تشرفت بإستضافتها بمنزلي طوال تلك المرحلة التي إتسمت بالإنفراج وعضويتي في لجنة الميثاق، مما خلق أجواء سياسية جديدة وتطور ملحوظ على المستوى الوطني، وفر الأرضية للصمود في وجه الضغوط والافقار والابتزاز .
وها نحن نتجدد باتجاهين : أولهما الضغوط والافقار والعجز في الموازنة وتفاقم المديونية والحروب البينية من حولنا التي دمرت العراق وسوريا وليبيا واليمن واستنزفت مصر وقدرات الخليجيين المالية، وثانيهما استحضار كلمة الصمود في عهد الملك عبد الله ورفض المساهمة في استكمال تدمير العراق واحتلاله عام 2003، ومن لم يقرأ تفاصيل الوقائع والأحداث في كتاب الملك عبد الله التوثيقي والذي حرره الصحفي السابق والوزير الحالي أيمن الصفدي وحمل عنوان « فرصتنا الأخيرة « لا يمكن أن يدرك حجم المتاعب والضغوط التي واجهت القيادة الأردنية بسبب موقفها من العراق، ومثلما لم تذعن القيادة الأردنية تحت الضغوط التي سببها لنا دمار العراق، لم تذعن لما تعرض له الأردن بسبب سوريا واليمن، وها نحن ندفع ثمن شجاعة الملك عبد الله في رفضه الاستجابة للضغوط وللاغراءات معتمداً على عاملين أساسيين يمتلكهما :
أولاً : ثقته في الجيش والأجهزة الأمنية التي تؤدي دورها بما يشهد له كل أردني وحاضنته شعبنا بأسره، وهنا تبرز أهمية الحوار والتلاقي وصولاً الى وحدة الجبهة الداخلية وتماسك الأردنيين وتوافقهم حفاظاً على أمننا الوطني وباتجاه تطوير حياتنا السياسية من خلال منظومتي البرلمان والأحزاب كعنوان للتماسك والوحدة والهوية الوطنية.
وثانياً : قدراته الذاتية كإنسان يمتلك أدواته واجادته في استعمالها في مخاطبة الغرب ومؤسساته وتمكنه من توصيل الرسائل الموضوعية لمؤسسات صنع القرار لدى الولايات المتحدة وأوروبا بهدف ابراز المصالح المشتركة بيننا وبينهم وتخفيف أثار الدمار الذي يجتاح العالم العربي عن الأردن، واخراجنا من حلقة التداعي المتراكم من حولنا.

الكاتب : حمادة فراعنة - بتاريخ : 03/09/2018