كفارة حنث اليمين في الشرع و السياسة…؟

مصطفى المتوكل الساحلي

يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (*)   كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ للَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) سورة الصف
قال ابن العربي: (من التزم شيئا لزمه شرعا)
مما ورد في تعريف الكَفَّارة  أنها  مشتقة من كَفَّرَ بمعنى غطى وستر، وسميت  كفاراتٍ لأنها تكَفِّرُ الذنوب أي تسترها وتغطيها وتمحوها، ومنها:  كفّارة اليمين وهي: إما يمين «لغو» وقال «المفسرون» إنها لاتنعقد و لاكفارة فيها، وإما يمين «غموس» واعتبروها من أكبر الكبائر لأنها تعتدي على حقوق وأموال الناس، وقالوا لا تنعقد ولا كفارة فيها وتتطلب التوبة الفورية منها، واليمين الثالثة التي تنعقد هي التي يلتزم صاحبها ويتعهد بفعل شيء  أو تركه  ، فإن لم يف ، فعليه الكفارة التي حددها النص القرآني في  سورة المائدة بقوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ للَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ للَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
فكيف يمكن التعامل مع   السياسي والمسؤول إذا أخلف ونقض ولم يبر بالتزاماته  التي قدمها لأفراد أو جماعات أو للمجتمع والدولة..؟
وهل يكفي ان  تعتمد  الكفارات الشرعية  على الحانث في السياسة والذي تكون تعهداته ووعوده  أكبر لأنه يقدمها كبرامج مكتوبة ومعلنة على الهواء تهم الدولة والشعب؟.. أم لابد من وضع كفارات سياسية وأخلاقية  بنفحة ديمقراطية حداثية تأخذ بعين الاعتبار  مسؤوليات  الأمانة الكبرى واحترام إرادة الناس…؟
..إن المتتبع العادي لأقوال وأعمال بعض السياسيين أو المحسوبين على السياسة والذين يسمون «تيكنوقراط» ممن يتحملون مسؤوليات سيقف على أن منهم من التزم وعد بإصلاح «البلد» في ستة أشهر، ومن تعهد بالتغيير الشامل بالوطن وفي جميع القطاعات وأن الناس سيكونون كما يحبون وكما وعد في ولاية انتخابية إن صوت عليه الناخبون والناخبات أو أصبح مسؤولا حكوميا أو جهويا أو إقليميا أو محليا..!!
بل منهم من أستغل الدين وقدم نفسه على أنه «سائر» على هدي السلف الصالح، فصوروا المشهد بأن من تبعهم وخضع لتعليماتهم «ولو  كفروا وبدعوا  المخالفين لهم» فسيرفلون في النعيم والرخاء في الدنيا، ولهم بدخول الجنة الظفر بما حرموا منه ولم يحققوه في حياتهم معهم..
والإشكال المطروح في «الفقه السياسي» هو كيف سيصنف  عدم وفاء  السياسيين والمسؤولين بالوعود والالتزامات التي تقدم كتصريحات أو برامج أو مخططات أو مبادئ موثقة في أدبيات الأحزاب والدولة، في علاقته بالحنث في اليمين المذكور في النصوص الدينية  خاصة وأنه  في الالتزامات السياسية  اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وخدماتيا ..إلخ.. أكبر  تعقيدا، وأعظم إثما..؟ فما هي  الكفارات التي ستعتمد لتطهير الضمير والتوبة النصوحة و المصالحة مع المجتمع؟…
إن الوعد الذي نتحدث عنه هو الذي فسره الحافظ  ابن حجر بأنه الوعد بالخير، وأضاف موضحا أنه إن كان شرا  فيستحب ويجب إخلافه ..مثل تبني شروط وتوجيهات صندوق النقد الدولي، واعتماد سياسة التراجع عن المكتسبات، وضرب القدرة الشرائية للشعب بالتخفي وراء «الإصلاح» والضرورات المفتعلة بسبب السياسات الفاشلة؟؟؟
إن المواطن عندما تتراكم بين يديه وعن يمينه وشماله وعود والتزامات غير محققة، فإنه يعمد إلى اتهام المعنيين بالكذب ..وقد يتهمهم بالغش ، وينعتهم بعدم الوفاء، ويفقد فيهم الثقة وفي كل من يقول أنا سياسي، وقد يتطور به الأمر ليفقدها في المؤسسات..
إن الإفراط في عدم الوفاء بالالتزامات والمواثيق، ووجود هوة كبيرة بين القول والعمل  يؤدي إلى عدم الثقة لدرجة سيصعب معها تصديق من يتحدث وسيعمل بصدق ويمتلك القدرة لتحقيق ما ينعش الآمال ويفتح طريق التقدم..، فعندما يصبح السياسي غير ملتزم ببرامجه ومبادئه، وعندما يوظف البعض منهم  الدين للتأثير على الناخبين، ولتجميل وتعليل مواقف وقرارات فاشلة ومجحفة، وتبرير الفقر والثراء الفاحش..!؟ تصبح السياسات صيحات في واد تذهب مع الرياح، وستكون تمثيلية فاشلة  بإخراج جيد لكن  بدون جمهور، وكسلع معروضة في سوق  لم ينعقد أو بدون متسوقين..
إن الكفارات والنقد الذاتي والمراجعات وتغيير الوجوه وملء صفحات من الإلتزامات الجديدة لاتكفي وحدها للتقدم ولإرجاع الثقة ..إن المطلوب هو وضع كناش تعاقدي واضح، واقعي وموضوعي وإيجابي المضمون، يرى فيه الشعب نفسه كما يرضى، وترى فيه الدولة مستقبلها وتقدمها ..كناش برامجه منضبطة في أزمنتها وأمكنتها، لاتهميش فيها ولا تمايز ولا تباين ولا حيف ولاظلم  طبقي أو مجالي ..كناش يتجند الجميع لإنجاحة ،ولاحترام وتخليق السياسة حتى تتشبع بكل قيم حقوق الإنسان و المواطنة، وللنهوض بالشؤون العامة وبناء دولة الحق والقانون والتنمية الشاملة العادلة والمستدامة…
قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا) سورة  الإسراء.

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 22/06/2018