لا لاغتصاب القدس الشريف !

اسماعيل الحلوتي

كما لم يجرؤ أحد من قبله طيلة أزيد من ربع قرن على تنفيذ توصية الكونغرس الأمريكي المطروحة منذ عام 1995 بشأن مدينة القدس، أقدم دونالد ترامب في غضون سنة من توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، على إمضاء قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، في خطاب استفزازي ألقاه من البيت الأبيض يوم الأربعاء: 6 دجنبر 2017، مصدرا أوامره لوزارة الخارجية الأمريكية، بالشروع في نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، في تحد سافر لمشاعر ملايين العرب والمسلمين، وفي طليعتهم الشعب الفلسطيني المجاهد.
وهو ما اعتبره عقلاء العالم وحكماؤه قرارا جائرا، وانتهاكا صارخا للتشريعات والقوانين الدولية. إذ لا يكاد يختلف عن وعد بلفور المشؤوم، الذي اشتهر بجملة: «منح من لا يملك لمن لا يستحق» ومضى عليه قرن من الزمن، فقد كان بداية حقيقية للصهاينة في تطبيق مشروعهم الاستيطاني المجحف، وتنزيل مخططاتهم الإجرامية، حيث انطلق مسلسل تدمير القرى وتهجير وتقتيل أصحاب الأرض الشرعيين، مما نتج عنه تشريد زهاء ثلثي الشعب الفلسطيني، للعيش في المنافي والشتات.
ولم يكن هذا القرار الأخرق في واقع الأمر مباغتا، في ظل ما حدث من اختراق بعض الأنظمة وبث سموم الفرقة بينها، والتخطيط الصهيوني المحكم، المعتمد على الفوضى الخلاقة في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، باستهداف تغيير أنظمة بعض الدول الوازنة سياسيا وإقليميا وعسكريا، تفكيك جيوشها والتدخل في شؤونها، كما هو الحال في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان ومصر والسودان… من أجل دعم إسرائيل وتحقيق حلمها الكبير بتهويد القدس، في انتظار المزيد من القرارات الرعناء.
من هنا يتضح أن اختيار توقيت اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لحليفها إسرائيل لم يأت اعتباطا، بل جاء وفق مخطط جهنمي مدروس بدقة، وفي وقت يعيش العالم العربي حالة من الحروب الطاحنة والتمزق والوهن. بيد أن هذا الوضع الكارثي لن يكون أبدا مبررا لاغتصاب القدس أوتغيير حقيقة عروبتها. فعلى العكس من ذلك، ساهم في إعادة القضية الفلسطينية والمدينة المقدسة إلى الواجهة. والكشف عن الوجه الحقيقي لرئيس أكبر دولة في العالم، التي طالما فرعت رؤوسنا بديمقراطيتها الزائفة والاحترام المفتعل للشرعية الدولية، وتبين أنها شريكا استراتيجيا للغطرسة الصهيونية وليست وسيطا نزيها ومنصفا.
فالرئيس المتطرف دونالد ترامب، أبان عن تهوره وانحيازه لأضاليل الصهاينة في تحريف الحقائق التاريخية، مقابل كرهه الشديد للعرب والمسلمين. وإلا ما كان ليتطاول بعنجهية على حقوق الشعب الفلسطيني، المكفولة من لدن الأعراف والمواثيق الدولية، وإعطاء الفرصة لبني صهيون في بسط هيمنتهم وإطلاق أيديهم اللعينة للاستمرار في البطش بالشعب الفلسطيني الأعزل وبناء المستوطنات. واستخفافه بالتنبيهات والتحذيرات المتقاطرة عليه قبل اتخاذ قراره الطائش، لاسيما من رئيس لجنة القدس ملك المغرب محمد السادس، وضربه عرض الحائط بالمرجعيات الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، والتي تنص على تسوية كافة الأمور بالحل الشامل للأراضي المحتلة وضمنها القدس، عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
فالقدس كانت عربية منذ آلاف السنين، وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بقوة القانون الدولي وإرادة الشعب الفلسطيني مؤازرا بالشعوب العربية والإسلامية وكافة أحرار العالم نساء ورجالا، ولن تكون إلا عاصمة أبدية لدولة فلسطين الحرة الأبية، مهما حاول المستعمر اليميني المتطرف ومن يقف إلى جانبه طمس هويتها، وما على ترامب سوى العودة إلى كتاب «فجر الضمير» لمؤلفه عالم الآثار والمؤرخ الأمريكي جيمس هنري برستد، ليتأكد من ذلك.
وفضلا عن أن قراره أحادي الجانب ومناف للتشريعات والقوانين الدولية، لاسيما منها قرارات مجلس الأمن 238 و242، وعدم احترامه للإجماع الدولي حول قضية القدس والأراضي المحتلة بعد حرب 1967 ، فإنه سيؤدي لا محالة إلى تقويض جهود السلام والمزيد من الغضب والاحتقان، وتغذية التطرف وتأجيج الصراع الديني بمنطقة الشرق الأوسط وكافة بقاع العالم. ولكنه سيعجل في ذات الوقت بتحقيق المصالحة الفلسطينية، لمواجهة العدوان الصهيوني الغاشم والتصدي لكل القرارات التي تحاول إجهاض آمال الشعب الفلسطيني وتوقه إلى معانقة نسيم الحرية.
لذلك كان طبيعيا أن تنطلق الشرارة الأولى لانتفاضة ثانية بخروج الجماهير العربية والإسلامية غداة الإقرار الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، في مسيرات احتجاجية غاضبة ومنددة من غزة إلى الضفة الغربية بالقدس وبجميع العواصم والمدن العربية والغربية، وبدأ إطلاق الصواريخ على إسرائيل، من أجل حماية مقدسات وثوابت الأمة، الحيلولة دون تصفية القضية الفلسطينية ومناهضة كافة أشكال التطبيع، في انتظار أن يعقب ذلك مبادرات عملية على المستوى الرسمي، تساهم في إبطال المفعول السياسي للقرار العدواني، من خلال مقاطعة كل الأنشطة والعلاقات مع جميع سفارات دولة الغطرسة العالمية الولايات المتحدة الأمريكية، بدل الاكتفاء ببلاغات التنديد والاستنكار المحتشمة…
إن الشعوب العربية والإسلامية مطالبة بالضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف صارمة من أجل مناصرة الشعب الفلسطيني في محنته، وتلقين الصهاينة درسا بليغا في الصمود والمقاومة. فالقدس لن تسقط في أيدي المجرمين، وستبقى عصية على الانكسار في وجه التحديات الأمريكية والصهيونية، رغم كل ما تشعر به من خذلان وتقصير عربي وإسلامي. وعلى ترامب أن يعيد حساباته، فلن يفرط الشرفاء في شبر من أراضيهم الطاهرة، ماداموا مستعدين للتضحية بأرواحهم إلى حين تحقيق النصر واندحار العدو الإسرائيلي…
لا يملك لمن لا يستحق» ومضى عليه قرن من الزمن، فقد كان بداية حقيقية للصهاينة في تطبيق مشروعهم الاستيطاني المجحف، وتنزيل مخططاتهم الإجرامية، حيث انطلق مسلسل تدمير القرى وتهجير وتقتيل أصحاب الأرض الشرعيين، مما نتج عنه تشريد زهاء ثلثي الشعب الفلسطيني، للعيش في المنافي والشتات.
ولم يكن هذا القرار الأخرق في واقع الأمر مباغتا، في ظل ما حدث من اختراق بعض الأنظمة وبث سموم الفرقة بينها، والتخطيط الصهيوني المحكم، المعتمد على الفوضى الخلاقة في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، باستهداف تغيير أنظمة بعض الدول الوازنة سياسيا وإقليميا وعسكريا، تفكيك جيوشها والتدخل في شؤونها، كما هو الحال في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان ومصر والسودان… من أجل دعم اسرائيل وتحقيق حلمها الكبير بتهويد القدس، في انتظار المزيد من القرارات الرعناء.
من هنا يتضح أن اختيار توقيت اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة لحليفها إسرائيل لم يأت اعتباطا، بل جاء وفق مخطط جهنمي مدروس بدقة، وفي وقت يعيش العالم العربي حالة من الحروب الطاحنة والتمزق والوهن. بيد أن هذا الوضع الكارثي لن يكون أبدا مبررا لاغتصاب القدس أوتغيير حقيقة عروبتها. فعلى العكس من ذلك، ساهم في إعادة القضية الفلسطينية والمدينة المقدسة إلى الواجهة. والكشف عن الوجه الحقيقي لرئيس أكبر دولة في العالم، التي طالمت فرعت رؤوسنا بديمقراطيتها الزائفة والاحترام المفتعل للشرعية الدولية، وتبين أنها شريكا استراتيجيا للغطرسة الصهيونية وليست وسيطا نزيها ومنصفا.
فالرئيس المتطرف دونالد ترامب، أبان عن تهوره وانحيازه لأضاليل الصهاينة في تحريف الحقائق التاريخية، مقابل كرهه الشديد للعرب والمسلمين. وإلا ما كان ليتطاول بعنجهية على حقوق الشعب الفلسطيني، المكفولة من لدن الأعراف والمواثيق الدولية، وإعطاء الفرصة لبني صهيون في بسط هيمنتهم وإطلاق أيديهم اللعينة للاستمرار في البطش بالشعب الفلسطيني الأعزل وبناء المستوطنات. واستخفافه بالتنبيهات والتحذيرات المتقاطرة عليه قبل اتخاذ قراره الطائش، لاسيما من رئيس لجنة القدس ملك المغرب محمد السادس، وضربه عرض الحائط بالمرجعيات الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، والتي تنص على تسوية كافة الأمور بالحل الشامل للأراضي المحتلة وضمنها القدس، عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 12/12/2017