لحظة تاريخية: المغرب يضع حداً لنزاع الصحراء ويفتح أبواب المستقبل

  نورالدين زوبدي

 

بعد الحسم النهائي في قضية الصحراء المغربية، التي شغلت الأمة لما يزيد عن نصف قرن، يفتح المغرب صفحة جديدة من تاريخه المعاصر، عنوانها البناء والتنمية وإعادة التموقع الإقليمي والدولي. فقد شكّل هذا الانتصار التاريخي تتويجاً لمسار طويل من الكفاح الدبلوماسي والسياسي في أروقة الأمم المتحدة، خاضته المملكة بثبات وإصرار، مدعومة بمؤسسات قوية وملكية رصينة أدارت الملف برؤية استراتيجية بعيدة المدى أوصلته إلى الحل النهائي والعادل.
ولم يكن هذا الانتصار بالأمر السهل، إذ واجه المغرب تحالفات ظلّت تتاجر بالقضية وتستغلها كورقة ضغط ومساومة لتحقيق مصالحها على حساب سيادته ووحدته الترابية. لكن المملكة، بما أبانت عنه من حكمة وصمود، نجحت في إنهاء هذا الابتزاز وإزالة الورم الاستعماري الذي شكّل لعقود عائقاً أمام مسارها التنموي وتقدمها الطبيعي نحو المستقبل.
وقد تجسّد حجم الانتصار في طي النزاع المفتعل بعد مسار طويل من الإقناع مع دول من جميع القارات، بما في ذلك الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي لعبت دوراً أساسياً في هذه التسوية. وقد جاء الخطاب الملكي ليعكس الامتنان لهذا الدعم ويشيد بالدور الذي لعبته هذه الشراكات الدولية في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي.
كما حمل الخطاب الملكي ملامح المرحلة المقبلة، أساسها التصالح والتعاون ونسبان الماضي، وهو ما يجسد عين العقل والحكمة الملكية في تدبير السياسة الخارجية، والتي أثمرت عن نتائج ملموسة أسهمت في تعزيز مكانة المغرب دولياً وإقليمياً.
وقد عبّر الشعب المغربي عن عمق انتمائه ووحدته الوطنية في مشهد مؤثر، حين خرج المواطنون والمواطنات في مختلف المدن والأقاليم فور صدور القرار الأممي، في ملحمة شعبية استثنائية تجسّد الالتفاف الصادق حول القضية الوطنية. لقد كان فرح المغاربة بهذا الانتصار التاريخي أعمق وأكثر إشراقاً، إذ شعر الجميع أن ما تحقق ليس مجرد نجاح سياسي، بل إنجاز سيُسجل بمداد من الفخر والاعتزاز في صفحات التاريخ الوطني.
اليوم، يدخل المغرب مرحلة جديدة عنوانها التنزيل الواقعي لمشروع الحكم الذاتي، وهو التحدي الأبرز في هذه المرحلة الدقيقة. ويتطلب هذا المسار التزاماً صارماً بالقواعد المتفق عليها، في إطار احترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية، لبناء مغرب موحّد ومتماسك، قادر على تحويل هذا المشروع إلى نموذج تنموي ناجح يجسد روح الجهوية الموسعة وعدالة التوزيع بين المجالات.ولا شك أن هذا الحدث التاريخي سيترك بصمته العميقة على مسار المغرب في مختلف المستويات، الإقليمية والسياسية والتنموية والتكاملية، إذ يمثل تحولاً نوعياً في تموقع المملكة كدولة صاعدة في شمال إفريقيا، تجمع بين الاستقرار السياسي والدينامية الاقتصادية، وتكرّس مكانتها كفاعل موثوق وشريك استراتيجي في محيطها الإقليمي والدولي.
ورغم أن المغرب حقق نصراً تاريخياً، فإن الطريق لا تزال طويلة لبناء اقتصاد قوي وصاعد، ودولة مؤسسات قادرة على تحصين المكتسبات الديمقراطية وصون الاستقرار الذي تحقق بفضل تلاحم العرش والشعب. فالتحدي اليوم لا يكمن فقط في طيّ صفحة النزاع، بل في تحويل الانتصار السياسي إلى ورش بناء مستدام يعمّ خيره جميع فئات المجتمع.
وبانتهاء هذا النزاع المفتعل، يتحرر المغرب من قيود الماضي الاستعماري الذي كبّل تقدمه لعقود، وينفتح على آفاق جديدة تتيح له تفعيل موقعه الاستراتيجي كبوابة بين أوروبا وإفريقيا، وكممر آمن لمشاريع الطاقة والتعاون الإقليمي. فحلّ قضية الصحراء لا يعني فقط استعادة الأرض، بل استعادة الدور والمكانة، حيث يمكن للمغرب أن يلعب دور الوسيط والمحفّز للتكامل والتنمية المشتركة.
إن المغرب اليوم يسير بثقة نحو المستقبل: تعزيز وحدته الترابية وتحصين نظامه الديمقراطي، في سبيل مغرب موحّد، مزدهر، وديمقراطي، عنوانه الوحدة والسيادة والتنمية المتوازنة والريادة الإقليمية.

الكاتب :   نورالدين زوبدي - بتاريخ : 02/11/2025