للذكرى الستين ما بعدها…
عبد السلام الرجواني
كان الاحتفاء بالذكرى الستين لتأسيس الاتحاد التي اقترنت بيوم الوفاء للشهداء، عرسا نضاليا بحق على درب المصالحة والانفتاح…. مئات المناضلين والمناضلات والعاطفين والعاطفات، غصت بهم جنبات مسرح محمد الخامس، قادمين من كل جهات الوطن، من أعماق التاريخ الاتحادي الحافل بالتضحيات الجسام والمكاسب الوطنية الكبرى، من تفاصيل الخريطة الاجتماعية والثقافية لمغرب اليوم، ينشدون بصوت عال وهمة نضالية: اتحادي، اتحادي، اتحادي
كان حضورا قويا ليس فقط من حيث حجم التظاهرة وإنما أساسا من حيث نوعية من لبوا نداء الأفق الاتحادي من قيادات حزبية سابقة وازنة وذات رمزية خاصة، ومن أطر اتحادية ذات كفاءة عالية ومسؤوليات عليا في مؤسسات وطنية استراتيجية، ومن رموز تاريخية ظلت وفية لمبادئ الحزب وتاريخه وإن ابتعدت عن معترك العمل التنظيمي المباشر… قد نأسف لغياب قيادات سابقة أخرى لاعتبارات مختلفة، ونأمل بصدق أن تكون حاضرة في محطات قادمة حتى يسهم الجميع في عملية إنجاح ورش المصالحة والانفتاح، وبالتالي في استعادة الحزب لتوهجه السياسي وعمقه الشعبي وقيادته لصيرورة الدمقرطة والتحديث ببلادنا.
مهما تكن قيمة الحدث ونسبة نجاح تظاهرة مسرح محمد الخامس، فإن ما ينتظر الاتحاديين والاتحاديات الآن، هو أعظم وأهم. ذلك أن الاحتفاء بالذكرى الستين ليس، من وجهة نظري على الأقل، سوى إعلان عن تدشين عملية المصالحة والانفتاح التي تتطلب مجهودا فكريا وتواصليا وتنظيميا، تؤطره رؤية واضحة للمستقبل. المصالحة بالمنطق السياسي ليست مجرد صلح بين متخاصمين واقعا أم افتراضا، يكفي أن يتصافح المتخاصمون وأن يتعانقوا حتى، لتتحقق. المصالحة في السياسة تتطلب توافقا سياسيا جديدا من خلال مساءلة التجربة الحزبية المشتركة في أبعادها التنظيمية والسياسية، والوقوف على أسباب الخلاف وأساليب تدبير الاختلاف. والأهم هو القيام بمراجعة نقدية إيجابية التي من شأنها أن تساعد على إعادة صياغة تفكيرنا السياسي، وممارستنا التنظيمية، وتجديد مشروعنا المجتمعي.
لذلك، في اعتقادي أن المصالحة يجب أن تتجسد على أرض الواقع، من خلال فتح حوار بين الجميع ومع الجميع وفق صيغ وأشكال مختلفة تتناسب والأشكالات المطروحة، وحسب الإمكانات المتاحة، إقليميا وجهويا. وعلى القيادة الوطنية أن تعمل على تنفيذ خريطة الطريق التي تضمنتها كلمة الكاتب الأول، خاصة في ما يتعلق بالندوات الوطنية والجهوية، وتكوين اللجنة التحضيرية من كفاءات فكرية وعلمية وسياسية حزبية، ومناصرة للحزب. وأن تواكب عن قرب، كل المبادرات في الأقاليم والجهات والقطاعات، مستعينة بمختلف اللجان المنبثقة عن المجلس الوطني.
والحقيقة، أن المشترك أقوى مما اختلفنا فيه، ومساحة التفاهم والتوافق أوسع مما نتصور ونحن في لجة الخصام. يكفي أن نغالب الذوات ونحاسبها، وأن نتحلى بالتواضع والتسامح والعقلانية الخلاقة، ونستحضر رسالة الشهداء، ومصالح الوطن العليا. وعلينا أن نعي أن المصالحة التي تعني التوافق السياسي، وتوحيد الرؤى حول العمل الحزبي المؤسساتي، لا يجوز أن تكون مشروطة بإرضاء هذا الطرف أو ذاك، ولا بمحاباة شخص دون غيره. فلا أحد فوق قوانين الحزب، ومرجعياته، واختياراته.
والواقع، أننا لا نختلف حول قضايا جوهرية، إديولوجية وفكرية وسياسية، دليلنا في ذلك أننا صوتنا في الغالب بالإجماع أو بالأغلبية المطلقة على وثائق مؤتمراتنا الوطنية ومقررات المجالس الوطنية. ولذلك فإن موضوعات الخلاف، تتعلق بمواقف سياسية من قضايا طارئة بسبب تقديرات سياسية متباينة، وأساسا بقضايا تنظيمية تهم في العمق التنافس حول السلطة الحزبية التقريرية، التي أصبحت منذ مشاركتنا في تدبير الشأن العام، محليا ووطنيا، مفتاح ولوج مواقع في مؤسسات حكومية بما يعنيه ذلك من فوائد على الأشخاص قبل الحزب.
والحق، أن هذه المسألة أصبحت إشكالا حقيقيا، على الحزب أن يبحث لها عن آليات داخلية أكثر ديمقراطية وشفافية من قبيل إحداث مؤسسة وطنية للتقرير في الترشيح للمسؤوليات في الحكومة ومؤسسات الحكامة، مع احترام مبدأي الكفاءة والعدالة المجالية. في نفس السياق، من اللازم التفكير في آليات لتأطير الاختلاف وتنظيم ممارسته، وفي الإمكان العودة لفكرة مأسسة التيارات شريطة إنضاج شروطها الذاتية.
عودا على بدء، ليست الذكرى الستينية سوى لحظة انطلاق عملية مصالحة ميدانية عملية ذات أبعاد فكرية وسياسية وتنظيمية، لن يكتب لها النجاح إلا بانخراط كلي لطاقات الاتحاد في كل مواقع تواجدها. فكما اختلفنا، يمكن أن نتفق إن حضرت الإرادة الصادقة، ووضعنا نصب أعيننا أن نورث الأجيال المقبلة من بنات وأبناء الاتحاد حزبا معافى ومؤهلا لحمل مشعل لا حق لنا في خنق جذوته النضالية. وما عدا ذلك، سوى هراء وزبد وكلام لا يعني الاتحاديين والاتحاديات. لندع الماضي وراءنا، ولنفكر في المستقبل.
الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 06/11/2019