لماذا لم ننتقل إلى الديمقراطية ….متى سننتقل ؟؟؟

عبد السلام المساوي

مهما قيل ويقال عن تدبير حزب الاتحاد الاشتراكي لحكومة التناوب التوافقي ، إلا أنه لا أحد ينكر، أن الاتحاد أنعش الأمل في نفوس المغاربة في أواخر التسعينيات ، وأدخل المغرب في مرحلة جديدة لا يمكن إنكار جوانبها الإيجابية .
فالاتحاد الاشتراكي، قاد حكومة التناوب بحسناتها وعيوبها بحكمة واقتدار، وكان يطمح إلى متابعة التجربة بعد الانتخابات بشحنة صناديق الاقتراع التي بوأته الصدارة ، لكن المنهجية الديمقراطية لم تحترم ، وجاء وزير أول ليقود تجربة أخرى ليست تناوبا توافقيا طبعا ، لكنه تيقنوقراطي يقود أحزابا ربحت في الانتخابات، وهذا من الناحية الدستورية يعتبر مشروعا وقانونيا، لكنه ساهم في تعطيل الانتقال الديمقراطي ببلادنا .
ومفهوم ” الانتقال الديمقراطي ” مفهوم آخر أكسبه الاتحاد الاشتراكي حمولته السياسية المرحلية، ونبه محذرا من المخاطر التي تتهدده …
ومعلوم في الأدبيات السياسية، أن مفهوم الانتقال الديمقراطي يستعمل لوصف التحولات الجذرية التي تقع في نظام سياسي يتميز بطبيعته الشمولية، هذه التحولات قد تتخذ أشكالا متعددة ، وتتم على مستويات مختلفة، حسب تجارب الانتقال الديمقراطي التي عرفتها بعض المجتمعات في الربع الأخير من القرن الماضي .
ولكن الأساسي فيها، هو الانفتاح على المجتمع وعلى القوى الجديدة الفاعلة فيه ( الأحزاب، النقابات، تنظيمات المجتمع المدني …) ، وعلى مطالبه الأساسية المتصلة بثلاثة مجالات : الديمقراطية ، حقوق الإنسان، الاقتصاد، وهذا مقابل تخلي النظام السياسي عن احتكار السلطة ومركزة القرارات في دوائر ضيقة وفق منهجية لا تتأسس على فلسفة النقاش العمومي، والتفاوض والتوافق بحيث يتيح بهذا الشكل للإرادات المختلفة أن تظهر، وللطاقات الفردية والجماعية أن تنطلق وتعبرعن نفسها .
من الناحية التاريخية، راكمت التجربة البشرية عددا من نماذج الانتقال الديمقراطي الناجحة إلى هذا الحد أو ذاك ، أغلبها حدثت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي : اليونان ، البرتغال ، اسبانيا ، امريكا اللاتينية ، اوربا الشرقية ، جنوب افريقيا …الخ .
إن عمليات الانتقال الديمقراطي لم تكن تتم وفق مسار أو طريق واحد، كما أنها وهذا أهم ما يميزها ، ليست انتقالا سهلا من نظام إلى آخر . إنها بالعكس عملية معقدة وصعبة، كشفت كل التجارب أنها تطلبت تضحيات كثيرة ، وتسببت في مقاومات وصراعات بين القوى القديمة والجديدة ، وبين مراكز النفوذ وشبكات المصالح …
وكلنا يتذكر كيف عملت جيوب المقاومة في المغرب على إعادة النسق السياسي إلى مرحلة 1994 ، إذ أن فشل التناوب معناه آنذاك تعطيل الانتقال الديمقراطي ، وتبين أن الإرادة الحقيقية لتحقيق الانتقال غير موجودة عند بعض الفاعلين الأساسيين في الحقل السياسي المغربي …
وتبين للاتحاد الاشتراكي أن الانتقال الديمقراطي كمشروع اجتماعي ، يستلزم في التجربة المغربية إصلاحا دستوريا حقيقيا ، وتغييرات جذرية على المستوى السياسي والاقتصادي .
فمفهوم الانتقال الديمقراطي مفهوم غامض وملتبس، ولا أقصد هنا الالتباس اللغوي، بل الالتباس الانطولوجي، وكل بلد يمر بمرحلة الانتقال الديمقراطي، فهو إما مؤهل للانتقال الديمقراطي ببطء او بسرعة إلى مرحلة أرقى، وهي مرحلة الديمقراطية كطريق للتنمية والاستقرار الأمني والعدالة الاجتماعية …كما حدث في اسبانيا وغيرها من دول أوربا وأمريكا اللاتينية …وإما مهدد بالانحدار إلى مرحلة أسوأ، مرحلة العنف وضعف الدولة …كما يحدث في الكثير من الدول العربية …
إن مرحلة الانتقال الديمقراطي، حتى وإن كانت مؤقتة في الزمان والمكان، فإن إنجاحها يتطلب الكثير من الحذر واليقظة، وتدبيرها يحتاج إلى الكثير من الذكاء والإرادة .
وما حدث في المغرب سنة 2002 من إجهاض للمنهجية الديمقراطية أجل الانتقال إلى الديمقراطية …وكان ” الربيع ” العربي ، وكانت حركة 20 فبراير ، وكان دستور 2011 الذي دستر مفهوم ” المنهجية الديمقراطية ” ، الذي يعتبر إبداعا اتحاديا، ولكن الذي استفاد منه في 2007 ، وفي 2011 و 2016 ، هو حزب الاستقلال قبل الدسترة، وحزب العدالة والتنمية بعد الدسترة …نحن نزرع وهم يحصدون، لا يهم فالاتحاد الاشتراكي يعمل من أجل الوطن لا من أجل الحزب ، ويقوي المؤسسات لا الأشخاص .
والملاحظ اليوم، أن هناك من يوظف مفهوم المنهجية الديمقراطية توظيفا سيئا باستعماله خارج السياق التاريخي الذي أنتجه . فالمفهوم في النسق الاتحادي له حمولة سياسية قوية، نضالية واحتجاجية ، إنه المفهوم – الحدث الذي وشم المسار السياسي ببلادنا، بدلالاته وتحذيراته، وهو المفهوم الذي أعفانا من قراءة الكثير من البيانات والمقالات والتحليلات، لقد كان مفهوما دقيقا ودالا، مركزا وعميقا …وكان له ما بعده …
إن النقاش الذي يدور الآن – حول التعديلات الدستورية ( والاتحاد الاشتراكي لا يطرح الفصل 47 لوحده ) هو نوع من النقاشات التي يحمل الدستور بذورها منذ الانطلاق …
والمطلوب عدم إفراغ مفهوم المنهجية الديمقراطية من حمولته السياسية التي شكلت انتفاضة شجاعة في المحطة إياها . والمطلوب عدم اجتراره بشكل بليد واستعماله استعمالا انتهازيا …
إنه، عندما طالب الاتحاد الاشتراكي بضرورة اعتماد المنهجية الديمقراطية، الجميع وقف متفرجا ومنتظرا تعطيلها من مواقع وخلفيات وأهداف متباينة …واليوم يتم السطو على المفهوم ببرغماتية سياسوية ساذجة …
الاتحاد يظهر في الصباح ، يبدع وينتج ، وغيره يظهر في المساء ليستفيد …

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 29/06/2019