لماذا يبتعد المغرب عن فرنسا؟

عائشة البصري  ترجمة: المهدي المقدمي

بينما كان من الممكن أن تساعد كارثة زلزال الحوز في تخفيف التوترات بين الرباط وباريس، أدت إلى تفاقم الأزمة ما بين العاصمتين، التي انطلقت أساسا مع سؤال مهم: “ماذا عن مسألة الصحراء المغربية؟”.
لم تتجرأ أي من دول العالم، على فعل ما فعلته فرنسا، من كونها في الواقع الدولة الوحيدة التي قام قادتها السياسيون بالتوجه مباشرة إلى رعايا جلالة الملك عبر وسائل الإعلام، متجاهلين كلا من القنوات الرسمية الدبلوماسية، أي الملك محمد السادس والحكومة المغربية، كما لو أن المغرب بلدا لا يخضع بأي شكل لأي حكم.

نقطة الإنهيار

تثير حادثة خطاب ماكرون للمغاربة- في كلمة تم تصويرها وبثها على حسابه بتويتر- تساؤلات كثيرة مرتبطة بالأزمة الفرنسية المغربية التي نفض الزلزال عنها الكثير من الغبار، وأيضا بمدى تشبث الرئيس الفرنسي بفكرة كونه الشخصية الوحيدة المخولة بمخاطبة الشعب المغربي.
وبما أن إدارة الكوارث هي قضية سياسية بارزة، فإن اختيار شركاء المغرب في المجال الإنساني كان لا بد أن يتماشى مع السياسة الخارجية للبلاد، التي، للأسف، لم تعد تستسيغها فرنسا. وهذا لا يرجع إلى التوترات البسيطة من قبيل تجميد تأشيرات الدخول للمغاربة، ولا إلى قضية برنامج “بيغاسوس”، ولا حتى إلى التهديد بربط مساعدات التنمية بـ “عودة المهاجرين غير الشرعيين”، بل إلى “تغير الموقف الفرنسي بشأن مسألة الهجرة”، وخاصة “مسألة الصحراء المغربية”.
فقد شدد محمد السادس، في خطابه يوم 20 غشت 2022، على أن “قضية الصحراء هي النظارة الذي ينظر من خلاله المغرب إلى محيطه الدولي، والمقياس الذي يقيس به مدى صدق الصداقات وفعالية الشراكات التي أقامتها المملكة”، وأضاف – في إشارة واضحة إلى فرنسا – أن “المغرب ينتظر من بعض الدول، سواء شركاء تقليديين أو جدد، توضيح مواقفهم بشأن قضية الصحراء”. أي، وبمعنى آخر، فإن “رقصة التوازن التي ظلت تؤديها باريس بين الجزائر والمغرب منذ ما يقرب من نصف قرن قد عفى عنها الزمن”.
لقد اختارت حكومة ماكرون إستراتيجية التقارب مع الجزائر، التي، كما نتذكر، تشن حربا بالوكالة ضد المغرب منذ عام 1975، حيث يستقبل النظام الجزائري على أراضيه الإنفصاليين المسلحين التابعين لـ”جبهة البوليساريو” الذين يشنون حربا تمولها الجزائر هدفها الوحيد إنشاء دولة مستقلة عن المغرب في الصحراء. ولذلك، فمن الطبيعي تماما أن تثير شراكة فرنسا مع الجزائر ودفء علاقاتها مع جبهة البوليساريو ردود فعل في الرباط بإعتبار أن المصلحة العليا للبلاد على المحك، وهي سلامة أراضيها غير القابلة للتفاوض. إن الغياب الطويل للسفير المغربي في باريس، والتأجيل المتواصل لزيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب والبرودة الدبلوماسية بين رئيسي البلدين، ليست إلا علامات تشير إلى أن العلاقات الدبلوماسية وصلت اليوم إلى نقطة الإنهيار.

* حيلة “الحياد”

يعود السبب في بلوغ العلاقات المغربية الفرنسية، الى ما يمكن وصفه بـ”نقطة الإنهيار”، إلى كون الرباط لم تعد تقبل بحجة “الحياد” إتجاه قضية الصحراء.. تحتفظ المملكة، بشراكتها الإستراتيجية مع الدول التي تعترف بسيادتها على هذه المنطقة، كما كان الحال مع “واشنطن” و”تل أبيب”، و كما هو عليه الآن مع “إسبانيا” و”ألمانيا”، كمثال، اللتين تدعمان الحكم الذاتي في الصحراء، بإعتباره السبيل الأمثل الذي يدعو إليه المغرب ولكونه الحل الوحيد الممكن والمتصور للنزاع.
وتأسيسا على ما سبق، وبالحكم على النمو غير المسبوق في العلاقات الإقتصادية بين المغرب والمملكة المتحدة، فمن المؤكد أيضا أن لندن ستتبع خطى حليفتها عبر الأطلسي، وستقرر لصالح الرباط بشأن قضية الصحراء. أما بالنسبة للعلاقات المغربية – الفرنسية، فهي لم تعد على الإطلاق كما كانت، إذ خسرت فرنسا لصالح إسبانيا مكانة الشريك التجاري الرئيسي للمملكة الشريفة، بل إنه من الممكن أن يلوح في الأفق تمزق مع المغرب يخطو خطى “النمط الرواندي”.
إن الدولة التي تضم أكبر عدد من المدارس الثانوية والمؤسسات الفرنسية في المنطقة المغاربية، آخذة في الانفصال تدريجيا عن العالم الناطق بالفرنسية، وذلك ظاهر من خلال مسار تعميم تدريس اللغة الإنجليزية في المنظومة التعليمية المغربية بحلول عام 2025.
وفي عالم اليوم المتعدد الأقطاب، تجري صياغة علاقات دولية جديدة، في حين يتم التراجع عن علاقات أخرى، والمغرب ليس استثناءً، لكونه بلدا ذا سيادة وشريكا موثوقا به، والدولة الوحيدة المستقرة والصلبة في منطقة تعاني من أزمات متواصلة. اليوم، لا يطالب المغرب شركاءه الأوروبيين سوى بالاعتراف بأنه لا يوجد مستقبل للصحراء إلا في إطار سيادته وضمن وحدة أراضيه، كما حان الدور على فرنسا لمراجعة موقفها بشأن الصحراء وتحمل النتائج.

عن “Jeune Afrique»

الكاتب : عائشة البصري  ترجمة: المهدي المقدمي - بتاريخ : 02/10/2023

التعليقات مغلقة.