لمقدم (أنا والقايد نربحو مليون )
عبد السلام المساوي
1_عبر العالم صارت الدولة الفاعل السياسي الوحيد ، وتراجع فاعلو الظروف العادية إلى الخلف . تبدو الدولة ، والحالة هذه مثل أم تخاف على أبنائها ؛ تنصحهم تارة ، وتوجههم تارة أخرى ، وحين لا ينضبطون للقرارات التي فيها مصلحتهم ومصلحة الجماعة ، تلجأ إلى العنف المشروع ، الذي يتقبله الجميع كعنف مستحق …
ولا يقاوم المواطنون قرارات الدولة في مثل هذه الظروف ، بل يتعبؤون للدفاع عنها والترويج لها ، وأيضا مواجهة من يتمردون عليها ، إن المقولة صارت معروفة : « الدولة دارت خدمتها ، وخاص الشعب ادير خدمتو « .
وبعد ان كان الأفراد يتبرمون من الأساليب القهرية للدولة ويميلون غريزيا نحو التمرد عليها ، من منطلق غريزة الخوف ، برضى تام ، بل إن منهم من يطالب بالمزيد ، وتطبيق العقوبات الأكثر تشددا في حق من يرفضون الامتثال لأوامر السلطة القهرية الأكثر تقديرا وتحية هذه الأيام . فما يميز الدولة الحديثة _ في نظر ماكس فيبر – هو تلك العلاقة الوطيدة التي تقيمها مع العنف ، فهي وحدها التي تحتكر حق ممارسة العنف المشروع الذي لا يتنافى مع كونها تجمعا سياسيا وعقلانيا وقانونيا ، والذي به يتم ضمان الأمن والاستقرار الجماعيين وباقي الحقوق الأخرى . إن الترجمة الفعلية لمفهوم الحق على مستوى الدولة تتجلى في اضفاء الشرعية على ممارسة أي وسيلة عنف داخل ترابها ، « يجب ان نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري ، يطالب في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع وذلك لفائدته « . وقبل ماكس فيبر ، اعتبر كانط ان عنف الدولة ، كيف ما كانت درجته ، هو عنف مشروع ولا يجوز مواجهته بعنف غير مشروع ، لأن ذلك بدون معنى ونتائجه وخيمة . ويستند موقف كانط إلى تصور معين للقانون ينظم العلاقات بين الحاكم والمحكومين ، وهو تصور يستبعد نهائيا « كل قانون مزعوم لخرق القانون « ويعتبره بدون معنى .
2_ولأن الدولة بمفهومها العصري غالبا ما ترتبك في تأطير شعب تقليدي، أو لأن الدولة العصرية مفهوم تجريدي لا يلمسه البعيدون عن المركز في حياتهم اليومية ، ها هي الدولة تلجأ إلى مخزونها التقليدي ؛ المقدمين والشيوخ صاروا المسموعين لدولة المركز ، لقد صاروا ومنذ تعامل الأفراد باستهتار مع توجيهات مؤسسات الانتخابات ، السلطة القهرية الاقرب من الناس .
ومن مميزات الدولة في المغرب، أن حافظت على قواعدها الخلفية في التقليد . ان الناس يمكنهم التمرد على رئيس الحكومة والناطق الرسمي باسمها ، لكنهم ينضبطون لسلطة المقدم الذي يحمل إليهم توجيهات القائد . ان سلطة القائد والمقدم هنا هي عنوان لحلول إجبارية حبية ، حتى لا تلجأ الدولة إلى خياراتها الأكثر راديكالية : حالة الاستثناء ، إعلان حالة الحصار ، حظر التجول …
يصنف أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ في الخط الأول لمواجهة كورونا إلى جانب بعض المهن الأخرى ، للحفاظ على الأمن وتنفيذ القرارات الحكومية ؛ مراقبة الأسعار ، التزام أصحاب المقاهي والمطاعم بإغلاق أبوابها ، إنجاز تقارير يومية عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في الأحياء التي يشرفون عليها …لقد اعتادوا على القيام بواجبهم وتنفيذ كل الأوامر ، سواء تعلق الأمر بالارهاب أو كورونا أو مهام أخرى …أنهم مجندون لخدمة الوطن …إنهم دروع واقية تحمينا من وباء كورونا …
كل المهمات الصعبة تسند إلى « أعوان السلطة _ المقدمين والشيوخ « في الحملات الانتخابية ، في فرض القوانين الصارمة للدولة ، ومحاربة البناء العشوائي واحتلال الملك العمومي …جميع هذه الاختبارات والتحديات لا تقارن بفرض قوانين الطوارئ لمقاومة تفشي كورونا …هم الآن الأداة التنفيذية مع القوات العمومية : من شرطة ودرك وقوات مساعدة وعناصر الجيش لردع المخالفين والحاملين لألوية العصيان .
كورونا الذي يجول متنكرا في الشوارع المقفرة لا يواجه اليوم الا صدور «أعوان السلطة « الحائط القصير الذي توجه له أصابع الاتهام …
لا يمكن تجاهل « جيش المقدمين « عند الحديث عن دور ومكانة وزارة الداخلية ، رغم ان النص القانوني الخاص بهيئة رجال السلطة لايضع إطار الشيوخ والمقدمين ضمن اطارات رجال السلطة ، بعد ما توقف عند إطار خلفاء القواد ، ليبقى الشيوخ والمقدمون خارج أي تقنين اذ يصنفون ك « أعوان السلطة « .
إن هذا الجهاز يعاني من الحيف رغم الأدوار الكبرى التي يضطلع بها، ففضلا عن مكافاته بتعويضات وأجور هزيلة ، يشتكي من غياب إطار قانوني منظم ، حيث لا يدخل ضمن الوظيفة ، ولا يتمتع بمختلف الضمانات المادية والإدارية التي يقرها قانون الوظيفة العمومية .
بالإضافة إلى هذا كله ، مطروح على وزارة الداخلية تأسيس معاهد عبر مختلف العمالات والأقاليم بالمملكة لتكوين هذه الفئة على مدار السنة ، وادراج مادة تدبير الأزمات تحت اشراف مؤطرين ذوي كفاءة تستجيب لنوعية عملهم الأمني والاداري الشاق ، مع تمكينهم من جميع لوازم العمل …
هؤلاء من يستحقون الأوسمة والحوافز والعلاقات …
3_ ها هو « الجهاز القمعي « للدولة ينزل إلى الشوارع لإرغام الناس على البقاء في بيوتهم ، الكل يصفق للاجراء المتشدد ، لا أحد يحتج او يشهر دفوعاته الشكلية ، لقد حولت غريزة المنازل إلى « سجون طوعية « ، وصار « الجهاز القمعي « حارس الحياة والأمن الفردي والجماعي . من كان يتصور أن يأتي يوم يصير فيه الاجبار على الحد من حرية التنقل خدمة عمومية يطلبها المجتمع ؟
ولم يسبق للدولة أن كانت مطاعة مثلما عليه اليوم ، بل إن انقلابا حادا وقع فيه الوجدان العام حيالها ، قبل عشر سنوات وبعدها بقليل، كانت الدولة الأكثر إثارة لمشاعر الغضب منها والاحتجاج عليها ، لكنها اليوم تحوز كل الحب والتقدير المتاحين . إن الخوف وغريزة البقاء ، يعيدان صياغة الموقف من أساليبها القهرية ، وبعد أن كانت قساوتها مدانة ، صارت اليوم موضوع طلبات شعبية متزايدة.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 05/05/2020