ماذا كنا نريد من عصيد وأوريد؟

عبد الجليل ولدحموية (*)

أي طالب باحث ينتمي إلى هذه المدينة الهامشية، مدينة الخميسات، التي نسيت معلقة في التسعينيات من القرن الماضي لأسباب في نفس يعقوب، يستنزف الجهود من أجل التحصيل الجامعي والجلوس في المدرجات ليستشف المعرفة، من أساتذتها في ظل غياب جامعة أو ملحقة بإقليم يصدر جيوش الطلبة نحو المركز، محاولا إيجاد أجوبة عن الأسئلة الوجودية التي تتولد عند الإنسان منذ الدهشة الأولى والتي تتكاثر محدثة قلقا وجوديا وفلسفيا مع مرور السنوات المعرفية، محاولا تحقيق نبوءة سقراط، سيستبشر خيرا عندما يشاهد إعلان عن الندوة التي احتضنها مقر المحامين الشباب يوم 25 يناير 2019، المقر التاريخي الذي ساهم ولايزال يساهم في الرقي بالمستوى الثقافي للمدينة. كانت الفرصة مواتية للاستفادة من أساتذة نعرفهم حق المعرفة من خلال إنتاجاتهم الورقية، ولم يسبق لنا أن حظينا بشرف التفاعل المباشر مع أفكارهم كمحاولة لخلق المعرفة عبره.

كان الحضور مهما كيفا وكما، وحضرت أسماء محترمة من مثقفي المدينة، التي تطرب بطبيعة الحال خارج الحي، كل الظروف بشرت بندوة شهية ودسمة معرفيا.
إن المعلومات القيمة التي عرضت في تدخلات الأساتذة المحاضرين لا يمكن أن يتجاهلها عاقل، من خلال محاولتهم مقاربة الموضوع المطروح للنقاش ألا وهو «الأمازيغية وسؤال الحداثة»، كل واحد من زاوية رؤيته وتخصصه، كما وجب الإشادة أيضا بتدخلات الحضور بالرغم من ضيق الوقت، والجو الإيجابي الذي ساد طيلة الزمن المخصص للندوة والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف التي أثثت المكان الذي احتضنها.
إن الرياضة التي يتعلمها الطالب، من خلال الدرس الفلسفي – السوسيولوجي، تفرض عليه أن يحاول التفاعل مع الندوة بطريقته الخاصة عندما تكون الفرصة غير سانحة للتدخل بسبب ضيق الوقت. وبما أن المناسبة شرط، تمارس على من تشبع بالفلسفة، سلطة قهرية شبيهة بقهرية الواقعة الاجتماعية Le fait social عند إميل دوركايم Emile Durkheim، ليحاول النظر إلى الموضوع، الفلسفي بإمتياز، وإلى الندوة من خلال عدسة نقدية- فلسفية كمحاولة لإنتاج المعنى عبر التفاعل.
أول تساؤل يتبادر إلى الذهن منذ الدقائق الأولى للانطلاق الندوة، هو السبب المنطقي الذي دفع المسير إلى اللعب ضد الساعة، لماذا لم يأخذ وقته الكافي في صياغة تقديم يليق بالقيمة المعرفية للندوة والأسماء الحاضرة من محاضرين وجمهور؟
لقد كان لضيق الوقت تأثير كبيرعلى السير العادي للندوة، وقد أرخى ظلاله خصوصا على الأساتذة المحاضرين، وقادهم إلى الوقوع في الاختزال الذي يقزم المعنى ويبهمه، كما شل تدخلات الحضورعندما حدد التدخل في دقيقتين للمتدخل للتفاعل مع موضوع يناقش في أيام لا في دقائق، وباعتبار أن نجاح أي ندوة فكرية لا يكون مكتملا إلا بدرجة التفاعل من الجمهور معها، ومدى تركيز الأسئلة وعمقها في الموضوع المطروح، فإن هذا العامل جاء ضد الغاية التي كان يسعى إليها المنظمون. ربما هناك أسباب أخرى، لا يمكن معرفتها إلا إذا كان الشخص أحد المنظمين للندوة، ساهمت في تقليص وقتها، دون إغفال أنها لم تنطلق في وقتها المحدد وهو الشيء الذي أثار استغراب الجميع، لكننا اعتدنا نحن المغاربة على التعامل مع الوقت باستهتار حتى عندما يتعلق الأمر بمن ينتظر منهم النهوض بالوعي داخل المجتمع. الجميع يحلم بدولة وزراؤها مثل الدول المتقدمة دون أن يسعى حتى إلى تغيير نفسه،ليعاد طرح السؤال حول الدور الذي يلعبه المثقف المغربي داخل مجتمعه؟ أين هو المثقف «العضوي» الذي تحدث عنه غرامشيGramsci، والذي يستهلك في الندوات المغربية أكثر من المياه المعدنية؟
الملاحظة الثانية التي لا يمكن إغفالها، هو التعصب العرقي للقضية في بعض الفترات الذي يؤدي غالبا إلى الوقوع في شراك الشوفينيةChauvinisme، هذا هو المشكل الذي وقعت فيه الحركة الأمازيغية وتسبب في فقدانها للدعم الشعبي، وغياب الموضوعية في التعامل مع الموضوع وتسرب الذاتية والنفحة القبلية في التعاطي له. وذلك ما جعل النقاش يرتدي ثوبا عاطفيا ويبتعد عن جو الندوة العلمية التي تهدف إلى معالجة للموضوع من زواياه المتعددة بغاية الوصول إلى حلول ناجعة يستفاد منها مستقبلا.
كلنا مغاربة وكلنا أمازيغ، ونقبل الهوية المغربية باعتبارها تتشكل من عديد من المشارب العرقية والثقافية بشكل عام، ولا نقبل أي اختزال وأي تعصب يؤدي بنا إلى صراعات عرقية تجاوزها الزمن منذ مدة. إن النقد المزدوج، والذي غاب خلال تدخلات الأساتذة، هو السبيل للتقدم والانسلاخ من براثن الجهل الذي نغوص فيه حتى أخمص القدمين، وفي هذا الصدد يمكن استحضار قول السوسيولوجي المغربي عبد الكبير الخطيبي في تمهيد كتابه النقد المزدوج «لذا فأنا أدعو إلى نقد مزدوج: ينصب علينا كما ينصب على الغرب، ويأخذ طريقه بيننا وبينه…1»، إن الغرب الذي أشار له، هو ذلك الآخر الذي نضع أنفسها في مقارنة معه، كان بعيدا أو قريبا، يعيش بيننا او بعيدا عنا، لكي لا ننساق وراء اعتبار ذلك الآخر، بمفهومه الواسع (والمقصود به في الندوة: العرب)، العدو الذي ساهم في ما وصلت له الأنا الجمعية الأمازيغية اليوم من إقصاء وتهميش ومحاولة طمس الهوية، ويتهم الطرح الذي ندافع عنه بالعنصرية.
إن هذا النوع من النقد، المزدوج، هو ما يضمن لنا أن نعبر إلى بر الأمان في سلام، وأن نبتعد قدر الإمكان عن الذاتية والنرجسية التي ستؤدي بنا لا محالة إلى الاندحار. يبدو جليا أنه من الصعب الحديث،في الوقت الحاضر،عن أمازيغي أو عن عربي صرف في المغرب،باعتبار أن «المغربي» خليط عرقي يجعل هويته متميزة.وفي هذا تأكيد لما رواه المؤخرون حول تعايش وتسامح وتقبل الآخر، الذي تتميز به ساكنة هذه الأرض.ومن هذا المنطلق، وجب التصدي لإقصاء المغربي للمغربي عندما يمارس عملية النقد كي لا نضيع مرة أخرى بسبب النزاعات العرقية المتجاوزة، وأن يكون نقدا مزدوجا موضوعيا يمكننا من مواكبة تقدم الإنسانية.
لقد قدم الأستاذ الكبير بالميلودي معلومات قيمة، شنف بها مسامع الحضور، وسافر به عبر العديد من المحطات الثقافية العبقة بالإرث الامازيغي العريق، محاولا تتبع استعمال المجتمع الأمازيغي لمفاهيم تداول السلطة، الديمقراطية، الحرية، سلطة المؤسسات (الفدرالية، القبيلة، الجماعة، إغص…) إلى غيرها من المفاهيم التي تتداول في المجتمعات الحديثة، ساعيا إلى التأكيد على التقدم الذي وصل له المجتمع الأمازيغي قبل وصول المد العربي-الإسلامي خصوصا في القرن عشرين. إن غياب الموضوعية في بعض الأحيان دفع الأستاذ، ربما بغير وعي منه، للدخول في مقارنات غير سليمة بين المجتمع الأمازيغي والمجتمعات الحديثة من خلال المفاهيم المتداولة والمميزة للدولة بمفهومها الحديث (الديمقراطية، المساواة، الحرية، فصل السلط…).
إن المجتمعات التقليدية تختلف في بنيتها ونسقها الثقافي عن المجتمعات الحديثة او المعاصرة، وكذلك في المفاهيم التي تستعمل داخل الحقول الاجتماعية والأنظمة الاقتصادية ونظم تداول السلطة وتسيير الشؤون اليومية للمواطنين بصفة عامة. إن أستاذنا الفاضل سقط في مطب مقارنة مفاهيم لم تظهر إلا مع ظهور المجتمعات الحديثة، بما تتميز به هذه المجتمعات من خصوصية عن المجتمعات التقليدية، مع ما كان سائدا في مجتمع أمازيغي تقليدي. الحرية مثلا في القرون الوسطى ليست كالحرية في العصر الحديث بالرغم من اللبس الذي يتبادر للذهن عند التعامل بطريقة سطحية مع المفهوم، لكن الغوص العميق في مفهوم الحرية ومحدداتها وتجلياتها وأشكالها يجعلنا على يقين أن المفهومين لا يدلان على نفس الشيء. لكل فترة زمنية متغيراتها ومميزاتها، ولكل شكل من أشكال المجتمعات بنياته وأنساقه التي تختلف عن باقي الأشكال الأخرى. ربما الذاتية التي تسللت للأستاذ خلال جمعه للمعطيات، والتعامل العاطفي مع الموضوع جعلاه ينساق وراء طرح طوباوي يضع المجتمع الأمازيغي التقليدي في نفس مرتبة المجتمعات المعاصرة.
إن موضوع الأمازيغ وسؤال الحداثة، يعلن عن هويته الفلسفية منذ البداية، وفي هذا الموضوع نقاش سنعود إليه، وبالتالي فإن حضور الأستاذ أحمد أرحموش بين الأساتذة المحاضرين كحضور لاعب كرة سلة محترف داخل مباراة كرة قدم احترافية بالرغم من قوته البدنية والمجهود الذي سيبذله، لن يستطيع أن يكون لاعب كرة قدم. لقد حاول أن يذهب بالنقاش بعيدا عن الموضوع المطروح، وقدم معلومات مهمة بدت فيها النفحة القانونية، وتتبع بشكل دقيق التناقضات التي يحتوي عليها دستور 2011، وعدم إنزال وبطء التعامل الحكومي مع المكاسب الدستورية الأمازيغية التي كانت حصيلة سنوات طويلة من النضال، مثل ترسيم اللغة الأمازيغية والتأكيد على تعددية مكونات الهوية المغربية وتكريس التعددية الثقافية واللغوية. لكن هذه المكاسب، للآسف، تبقى لحدود الساعة شكلية في ظل التحفظ الكبير الذي تتعامل به الدولة معها.
بالرجوع إلى موضع الندوة،لا يجب الحكم بطبيعة الحال على بعض مواقف الأستاذ الانفعالية أثناء إلقائه، والتي تجعلنا مرة أخرى أمام التعاطي العاطفي-الذاتي للموضوع، كما أن الغرابة التي يشعر بها الباحث خارج اختصاصه قيدت الأستاذ وجعلته كل مرة يحاول الهروب إلى بر الأمان (القانون).
لقد انتظرنا من الأستاذ أحمد عصيد أكثر مما قدم، باعتباره أقرب المحاضرين إلى الفلسفة.تحدث الأستاذ عصيد عن الأسباب التي تعرقل عمليتي التنوير والتحديث في المغرب، ويمكن العودة إلى التاريخ المغربي القريب وتتبع محاربة الدولة المغربية لليسار والحركات التقدمية لفهم ذلك.ويمكن تلخيص ذلك في استقطاب الدولة المغربية للفكر الواهي-الاخواني لتصدي للفكر التنويري-الفلسفي خصوصا مع حركات اليسار المغربي الذي تقوى كثيرا بعد حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956. عوض أن يتقدم المغرب، ساهم هذا الفكر إلى جانب الدولة في ارجاعه قرونا إلى الخلف.
كل الأفكار التي طرحها الأستاذ عصيد خلال الندوة هي الأفكار نفسها التي يكررها، من خلال خرجاته الإعلامية أو من خلال كتاباته. وما يؤاخذ على الأستاذ عصيد هو أنه وضع نفسه منذ مدة داخل متاهة؛ يحاول أن يدافع بضراوة عن القضية الأمازيغية ويسعى لإرضاء الحركة الامازيغية من جهة، وعدم السقوط في الخطاب العرقي-العنصري باعتباره اشتغل ولايزال مع مؤسسات عمومية داخل الدولة التي تحاربه العنف والتطرف من جهة أخرى. نفس الزاوية التي ينظر منها لم تتغير، ينتقد المخزن والمد الإسلامي، دون أن يتحدث ولو مرة واحدة عن الهفوات التي قام بها الأمازيغ حتى وجدوا أنفسهم يرتدون هوية غير هويتهم، وعن الخونة الذين باعوا أرضهم للغرباء من الأمازيغ، وعن البذخ الذي عاشه الأمازيغ عندما سلمهم التاريخ مفاتيحه فاختاروا طريقا أخرى مظلمة.
إن النقد الذي لا ينطلق من ذاته هو نقد غارق في النرجسية وحب الذات السلبي، وسعي للعب دور الضحية فقط، كما قال مارتن لوثر كينغ Martin Luther King: «لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا حنيت له».
إن محاولة الأستاذ عصيد التموقع بين الحركة الأمازيغية ومطالبها التي بدأت تميل إلى نوع من الشوفينية، وبين الدولة التي يتقاضى أجوره منها، جعلت الجميع يشك في مواقف الأستاذ الفكرية وإن بدت منطقية في طرحها، تجعل المتتبع يعيد طرح السؤال حول الخلفية الأيديولوجية للأستاذ التي تبدو غير واضحة باعتباره يشتغل داخل حقل الفلسفة التي يعلن فيها الباحث بشجاعة عن مواقفه وانتماءاته.
على غرار ما جاء به الأساتذة السابقون، اختار الأستاذ حسن أوريد الدعوة إلى اقتفاء أثار الغرب من أجل دخول الحداثة، وهذا الغرب من خلال الأمثلة التي قدمها هو النموذج الفرنسي. وتحدث أيضا عن استفادة دول كالصين واليابان من تجارب الغرب، أن الطريق الوحيد إلى الحداثة هو التتلمذ على يد الغرب.
إن النقد البناء ومراجعة الذات، يضمن التخلص من رواسب الماضي، والتطلع إلى المستقبل بشكل سليم، لكن الحديث عن قطيعة تشبه قطيعة «غاستون باشلار Gaston Bachelard» والاتجاه نحو الغرب بدون درع هوياتي، طرح نابع من عقدة الآخر ومتلازمة تقليد المغتصب الذي تشبع بها تلاميذ المدارس المفرنسة، ومرتادو حانات باريس في الصيف، و»الفرنسيون» المغاربة بصفة عامة.
لا يمكن إنكار القيمة الفكرية للأستاذ أوريد، إلا أنه وقع في منزلق عدم إشارته إلى التسلسل التاريخي الذي عاشته المجتمعات الغربية في تحديثها لتصل إلى ما هي عليه اليوم. لا يمكن تشبيه ما قام به الفرنسيون بما قام به الأمريكيون أو غيرهم من الدول التي ينظر لها اليوم كدول نموذجية في التقدم والتحضر، ليست هناك حداثة بل حداثات لكل واحدة منها خصوصيات ثقافية واجتماعية وسياسية…تميزها، وتعلن عن عدم إمكانية استنساخها بشكل صريح في محيط اجتماعي آخر له خصوصياته ومحدداته الخاصة. إن السؤال الواجب طرحه: لماذا سنخرج من هوية غريبة عنا، حسب ما يمكن استخلاصه من تدخل الاستاذ، لنرتدي هوية غريبة أخرى؟ سنخرج من ثقافة غارقة في تراث أكل الدهر عليه وشرب، ونرتدي ثقافة أخرى، حتى لو كانت ثقافة دولة متقدمة إلا أنها ليست ثقافتنا ولن تلائمنا. يجب البحث عن سبل للتطور والتقدم من داخل ثقافتنا ولا بأس أن نستورد بعض الاليات للقيام بذلك، شرط أن نفكر أولا في ترميم هويتنا ومصالحة التاريخ وجبر الضرر، واحتضان جميع المكونات الثقافية والعرقية التي تتشكل منها الهوية المغربية. لا يمكن أن تمشي إلا إذا كنت واقفا، وهذا الوقوف لا يكون إلا من خلال تقوية الهوية والاشتغال على الثقافة المحلية لتغدو ثقافة مرنة تصل بالفرد المغربي إلى «المواطن» بمعناه الحديث.
إن اختيار الأستاذ أوريد التحدث بلغة عربية أكاديمية في ندوة حضورها مشكل من عامة الشعب، فيه شيء مما تحدثت عنه شهرزاد السوسيولوجيا المغربية لالة فاطمة المرنيسي:»…لماذا يحرص المثقف العربي حين يتناول بالدرس ظاهرة أو مجالا ما على كتابة يحشد فيها رصيدا ضخما من التعابير الجافة التي تحيط بكل شيء ويغيب في ظلالها الشيء الأساسي وهو الإنسان الذي يكتب أولا والإنسان الذي يقرأ ثانيا؟ أليست الكلمات في هذه الحالة وسيلة للاختفاء والتظاهر بالموضوعية؟2» إلى أن تقول: «إن الكتابة التي تستبعد المتعلم ذا المؤهلات البسيطة -متوجهة بذلك إلى ذوي المستويات العالية من التعليم- تحصر المثقف العربي في مجاله وتعمق الهوة بينه وبين الجماهير، وتحد من فعاليته وتجسد إحساسه بالتميز، والسؤال المطروح ببساطة هو: ألا يمكن أن نوجد كتابة سهلة تعبر عن أفكارنا رغم بعدها النظري العميق في كثير من الأحيان؟3»
هذه الأسئلة المهمة التي طرحتها الأستاذة فاطمة المرنيسي موجهة بين طياتها نقدا للمثقفين الذين يختارون لغة تستعصي على الفهم، يمكن أن يضاف لها سؤال آخر حول الغاية من تواجد شخص عند باب المقر يعرض كتب الأستاذ المحاضر، ألا يمكن اعتبار ذلك استخفافا بعقول الحضور الذي يعرف الأساتذة أكثر من أنفسهم ولا داعي للتعريف بهم؟ دون الذهاب وراء الطرح التجاري، لو كانت الغاية هي التسويق للإنتاجات الفكرية للأستاذ، سيؤكد زعما يقول بالشروط التجارية والمالية التي يفرضها المثقف المغربي قبل أن يلبي دعوة المشاركة في الندوات.ان هذه الميزة التجارية أصبحت ترخي ظلالها على المثقفين أكثر من التجار أنفسهم وجعلت المعرفة تكيل بالمال بالدرجة الأولى.
ان الموضوع الذي اختير كعنوان للندوة فيه ما فيه من النقاش، وهذا أشار له أيضا أحد المتدخلين، الموضوع الذي يفرض نفسه عند الحديث عن الحداثة هو العربية وسؤال الحداثة باعتبارها الثقافة التي تعاني من مشكل التحديث اليوم، وهي الثقافة التي تتبناها الدولة، في ظل غياب لتكريس فعلي للغة الأمازيغية. كما أن موضوع الحداثة تجاوزه النقاش الفلسفي اليوم إلى أبعد من ذلك، الساحة الفكرية اليوم تناقش سؤال ما بعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة، حتى الحداثة التي ما زلنا نسعى لها نحن، تنتقد اليوم بشكل مكثف باعتبارها أفرغت الانسان من إنسانيته. ان هذا الموضوع بالنسبة للضيوف شكل عائقا وخصوصا القادمين من حقول بعيدة عن الفلسفة، التي تتداول مثلها مفاهيم بشكل روتيني. ربما كان التركيز، من طرف اللجنة المنظمة، على الأسماء التي تتداول بكثر في الساحة الثقافية المغربية أكثر من التفكير في الموضوع ومدى انسجامه مع تخصصاتهم،كما وجب التساؤل عن الغاية من استقدام «نجوم» ثقافية في حين أن الأسماء التي يضمها الإقليم كانت قادرة على أن تعالج الموضوع بعمق أكثر باعتبارها تنتمي للتخصص؟
في الأخير، يجب التأكيد على أهمية التفكير في تنظيم ندوة من شأنها أن تلفت الانتباه لهذا الإقليم المهجور، خطوة شجاعة تحسب للمنظمين. وهذا النص ماهو إلا محاولة بسيطة للنقد البناء الذي يمكن أن يساهم في الرقي الثقافي للمدينة، ونابع من الغيرة عليها، ومحاولة إعادة الاعتبار لمثقفي المدينة الذين تتلمذنا على أيديهم، وارتشفنا منهم المعرفة بحب وإخلاص، ونشعر بالألم عندما يتم تهميشهم ولو بدون قصد وبنية حسنة.

(*)كاتب من الخميسات

1 – عبد الكبير الخطيبي: النقد المزدوج، منشورات عكاظ، فبراير2000، ص:11
2 – فاطمة المرنيسي: السلوك الجنسي في مجتمع إسلامي رأسمالي تبعي، دار الحداثة، ص: 18
3 – المرجع نغسه، نفس الصفحة.

الكاتب : عبد الجليل ولدحموية (*) - بتاريخ : 09/02/2019