ما معنى الدولة الوطنية ؟
د.عزيز الحدادي
«وإذا فسد الإنسان في قدرته ثم في أخلاقه ،فقد فسدت إنسانيته وصار مسخا على الحقيقة «
ابن خلدون
من أجل تحديد معنى الدولة الوطنية في الفلسفة السياسية المعاصرة،ينبغي صياغتها في أسئلة الماهية، أي دولة هي؟ ومن أين أتت؟ وإلى أين تسير؟. وبما أن الإجابة الممكنة لا بد أن تنزاح عن منطق القبيلة ومنطق الاستبداد ،وبعبارة أخرى لا شيء يمنع الدولة من هويتها الوطنية غير النزعة الطغيانية أي وحدانية التسلط بلغة ابن خلدون .
والحال أن الدولة الوطنية لا تكون في الطريق نحو التفكك إلى قبائل، إلا عندما تتخلى عن طبيعتها الليبرالية التي تؤمن بالتعدد الإيديولوجي الذي يقوم حول الحرية والفكر «فما يجعل عصرنا عصرا عظيما هو امتلاكنا الحرية والفكر « كما يقول هيجل ،فحرية التفكير وحرية التعبير يشكلان ماهية الدولة الليبرالية التي تدافع عنهما إلى حدود التطرف، ولعل معنى الدولة الوطنية هو نفسه معنى الليبرالية على مستوى حقوق الإنسان ،فكلما انزلقت الدولة في فضاء حقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية، كلما صارت دولة وطنية ،فبأي معنى يمكن فهم هذا التطابق بين الدولة المدنية والمجتمع المدني؟ وبعبارة أوضح هل الدولة مفهوم مجرد أم أداة ملموسة في خدمة الإنسان؟ هل الدولة مع الإنسان أم ضد الإنسان؟.
مهما يكن الالتباس شعار المرحلة،فإن الارتقاء من مستوى الهوية الوطنية إلى مستوى حقوق الإنسان،أي إلى مقام النظرية الفلسفية الأخلاقية التي لا بد للدولة من الالتزام بها ،لا يكون سوى بالمحافظة على هوية المجتمع الوطنية والمدنية ضد كل تيار أصولي أو قبلي يهدد التجانس والوحدة في الاختلاف، وهذا لايتم بحكومة تصريف الأعمال التي عادة ما تعتمد على بعض الموظفين.
«القارين» والمستعمرين للسلطة ،والذين يتحركون خارج الوعي التاريخي الذي يمنح السيادة للانتماء الوطني والاحتكام إلى الرأي العام في لعبة الديمقراطية التي تسمح بالتنافس على الحكم المحدد نظامه في الدستور الحقيقي وليس الممنوح من قبل السلطة الحاكمة .
هكذا يسعى العمل السياسي الحقيقي إلى قضية المعنى العيني للدولة الوطنية ويترجم هذا المعنى عبر مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ويستفيد من حيوية المجتمع المدني لكي يتجنب الأرتوذوكسية وعوارض الانحطاط .وفي الحقيقة فإن الدولة الوطنية يستحيل أن لا تكون ليبرالية ذات معنى فلسفي،هدفه فلسفة حقوق الإنسان ،فكل سياسة لا تخضع لفلسفة حقوق الإنسان هي سياسة فاسدة ومتطرفة تعرقل بناء الدولة الوطنية التي تكون منحازة في عالم المعنى،ذلك أن تطبيق منظومة حقوق الإنسان ليس سهلا على بادىء الرأي،ولذلك تظل المخاطر المحيطة بحقوق الإنسان كثيرة ومتعددة بدون سياسة مدنية ومجتمع مدني قوي .فمأساة المغرب تكمن في غياب السياسة المدنية وانهيار المجتمع المدني وظهور الحزب الديني الذي يتخذ من المساجد مقرات للدعاية لمشرعه الطوبوي.
فالعمل السياسي يحتاج إلى إدراك مقاصد فلسفة التنوير لتأصيل تعامله مع معنى الدولة الليبرالية والتي تحيل على معنى الإنسان وما يقتضيه من تأسيس ميتافيزيقي،قد يقال إن الدولة ليست هي الإنسان ، وليست هي المجتمع ،بالرغم من الجدل القائم بينهم في مفهوم الدولة الغامض بمرجعيته الدينية، لا يمكن للدولة الوطنية أن تبحث عن معنى لوجودها بعيدا عن أساسها المجتمعي ومنظومة حقوق الإنسان، وهذا ما يشار إليه في الفلسفة المعاصرة بالحياد الميتافيزيقي الذي يقوم على مبدأ الحرية،فالحرية محبوبة لذاتها .
وبعبارة بول ريكور، فان الدولة التي لا تحطم بالحرية ليست بدولة وطنية ولا ليبرالية ،بل هي دولة تعترف بنهاية التاريخ، وستحل محلها دولة مبنية على مبدأ ينسف سيادة الانتماء الوطني،ويدمر التقدم الاجتماعي والأخلاقي،حيث يتوجه نحو معنى الإنسان وينسفه من الداخل بواسطة الدين والخرافة .هكذا تحدث القطيعة مع الديمقراطية التي تكون أركانها ؛الوطنية الحرية المساواة ،فأين يمكن البحث عنهم في دولة دينية قمعية؟ سؤال موجه إلى الأستاذ عبد الله العروي الذي يتحدث عن الدولة الوطنية بلغة وسطوية يتهم بأنها مجموعة قبائل توحدها الهيمنة الدينية والعنف .
الكاتب : د.عزيز الحدادي - بتاريخ : 22/02/2020