ما يحضر للمنطقة خلال زيارة ترامب للسعودية

فادى عيد

هناك مشاهد تمر أمام أعيننا مرور الكرام، وهناك مشاهد هامة يجب أن نتوقف أمامها، وبتأكيد يجب أن نتوقف كثيرا مع مشهد زيارة ترامب للسعودية، فى ظل حالة الاحتفال والاحتفاء غير العادي من الجانب السعودي بالرئيس الامريكي، الذى لم يترك فرصة سواء قبل توليه الرئاسة أو بعدها إلا ومارس كل أنواع الابتزاز على السعودية دون غيرها، فالمملكة تحضر للرئيس الامريكي ثلاث قمم الأولى مع العاهل السعودي، والثانية مع حكام دول الخليج، والثالثة مع قادة العالم الاسلامي، بعد أن قدمت الرياض إستدعاءات فى هيئة دعوات حضور لقادة الدول العربية والاسلامية لحضور قمة ترامب، ولا يخفي على الجميع ما يردد فى واشنطن وتل أبيب وعواصم القرار بالعالم العربي عن مشروع ترامب فى تكوين حلف ناتو شرق أوسطي.
و الآن دعونا من تجارب الماضي نقرأ ما يحدث فى الحاضر وما سيحدث غدا، فمع بداية الخمسينات كانت الولايات المتحدة تعمل على صنع نظام شرق أوسطي تستطيع فيه دمج اسرائيل، بجانب صنع أنظمة تابعة لها كي تخوض حرب بالنيابة عنها ضد الاتحاد السوفيتي، وفى مارس 1953 جاء وزير خارجية امريكا جون فوستر دالاس إلى القاهرة، لفهم عقلية النظام الجديد بمصر بعد ثورة يوليو، وهنا قال السفير الامريكي بالقاهرة لوزير خارجية بلاده بأن الرجل القوى فى النظام الجديد هو شاب يدعى جمال عبد الناصر وليس محمد نجيب، فطلب دالاس عقد اجتماع معه، وعلى الفور عمل السفير الامريكي على عقد ذلك الاجتماع، حتى اجتمع كل من وزير الخارجية والسفير الامريكي وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وعرض وزير الخارجية الامريكي على عبد الناصر الانضمام لحلف ثلاثي يضم كل من أنقرة (الاكثر تحضرا بين العواصم الاسلامية) وكراتشي (الاكثر كثافة سكانية بين العواصم الاسلامية) والقاهرة (الاكثر عراقة بين العواصم الاسلامية).
فسأله عبد الناصر: وما سبب إنشاء ذلك الحلف، وسيواجه من؟
فأجابه دالاس قائلا: بتأكيد ضد الخطر الشيوعي.
فرد خالد العرب كيف تريد أن أرى خطراً مزعوماً على مسافة أربعة آلاف كيلومتر، ولا أرى خطراً حقيقياً على مسافة مئة كيلومتر (اسرائيل)؟
وهنا انتهت مهمة دالاس بالفشل فى مصر وبعدها عزمت الاستخبارات البريطانية والامريكية على التخلص من جمال عبد الناصر سواء على يد أذرعها فى الداخل (جماعة الاخوان المسلمون) أو شن حروب ضارية على مصر من كافة الجهات.
ولم ييأس وزير الخارجية الامريكي وقتها من صنع تحالف شرق أوسطي يخضع لواشنطن، حتى جاء البديل للقاهرة فى بغداد، وتم إنشاء «حلف بغداد» عام 1955 والذى ضم بجانب المملكة المتحدة العراق وتركيا وإيران وباكستان، ولكن كان عمر “حلف بغداد” قصيرا، بعد أن أسقط عبد الكريم قاسم النظام الملكي بقيادة نوري السعيد بعد ثورة تموز 1958 التى أطاحت بالمملكة العراقية الهاشمية التي أسسها الملك فيصل الأول تحت الرعاية البريطانية.
وهنا أرسل بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني للرئيس الامريكي ايزنهاور رسالة يقول فيها “إنه لمن الخطأ الفادح أن تفكر الولايات المتحدة بإقامة حلف في الشرق الأوسط يرتكز على أي عاصمة عربية، إن الشرق الأوسط لكي يحظى بالاستقرار وبالولاء للغرب يجب أن يرتكز على ثلاث عواصم دون غيرهم، وهم أنقرة وتل أبيب وأديس بابا”.
ولم يخيب دوايت أيزنهاور رأي بن غوريون، وفى العام التالي من انهيار حلف بغداد أي في عام 1959 تم توقيع اتفاقية “الرمح الثلاثي” بين اسرائيل وتركيا وايران الشاه واثيوبيا، وهي الاتفاقية التى استخدمت فيها اسرائيل كلا من ايران واثيوبيا واسرائيل كرمح فى وجه الأمن القومي العربي، فمن خلال تركيا سيطرت اسرائيل على نهر دجلة والفرات للتحكم فى العراق وسوريا، ومن خلال أثيوبيا هددت اسرائيل أمن مصر والسودان المائي بنهر النيل، وفى عام 1996تم تجديد الاتفاقية مرة أخرى لضمان تطويق الوطن العربي ليس فى موارده المائية فقط بل وتقويض نفوذه السياسي والاقتصادي أيضا.
حقيقة الأمر أن الأمير محمد بن سلمان مهد لنتائج زيارة ترامب للسعودية، عندما نسف خلال لقائه بالاعلامي داوود الشريان بقناة “أم بي سي” أي وساطة قد تحدث فى المستقبل مع ايران، بعد أن أطلق تصريحات نارية ضد طهران متوعدها بنقل الحرب داخل أرضها.
وللعلم فقد نقلت السعودية الحرب منذ فترة إلى داخل ايران عبر أكثر من ورقة، وفى مقدمتها المعارضة الايرانية بقيادة مريم رجوي، ولا ننسى عندما حضر مدير الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز مؤتمر المعارضة بباريس بيوليو الماضي، وعندما هتف المشاركون في المؤتمر “الشعب يريد إسقاط نظام الملالي” رد تركي الفيصل قائلا: وأنا أريد إسقاط النظام، كذلك ورقة تحرير الأحواز (التى تاجرت بها الرياض وساومت بها كثيرا)، أو عبر ورقة دعم التنظيمات الارهابية على الحدود الباكستانية الايرانية، وما أسفر عنه مؤخرا من مقتل 10جنود من حرس الحدود الايراني.
كما أن تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن الحلف لن يشارك في العمليات القتالية ضد الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، هو تصريح يلقي بالكورة فى ملعب حلف بغداد الجديد التى تريد واشنطن الدفع به مبكرا فى ملعب الحرب، بعد أن استبدل الخطر الشيوعي بالخطر الشيعي، ويلعب العرب بأعلامهم وتكفيرييهم نفس الدور فى كلتا المرحلتين.
كذلك يطرح سؤال آخر نفسه بناءً على المعطيات التى تحدث بالإقليم منذ اندلاع شرارة الربيع العربي، بجانب ما تشهده الحدود الأردنية السورية من حالة زخم وتحشيد عسكري من القوات الخاصة الاردنية والامريكية والبريطانية، فى ظل حالة التراشق الدبلوماسي بين دمشق وعمان، هل ستكون مناورات “الاسد المتأهب” فى نسختها السادسة الشهر الجاري ستكون روتينية كما النسخ السابقة أم سيكون لها طابع مختلف.
ولأن حزب الله يعلم جيدا ما المراد فى كل ما يحضر بكواليس الاقليم، فقد استبق الأمين العام للحزب حسن نصر الله زيارة ترامب للسعودية، وصرح يوم 11 مايو الجاري في كلمة بمناسبة الذكرى الأولى لمقتل قيادي حزب الله مصطفى بدر الدين (ذو الفقار) في سوريا، قائلا: لن يجري الحديث عن فلسطين والأسرى وإنما عن سوريا والعراق، ولذلك يجب أن ننتظر ما الذي سيحصل هناك ( قاصدا لقاءات ترامب بالسعودية) ولا داع للخوف، ففي شرم الشيخ عام 1996 جاء كل العالم وأرادوا وقرروا مسح حركات المقاومة، ويومها هددوا أنهم سيأتون لإبادتنا ولكن كان الانتصار في أبريل 1996 بقيادة السيد ذوالفقار.
بالتأكيد كان علينا أن نطرح تاريخ التحالفات التى عزمت الولايات المتحدة على إنشائها فى المنطقة، كي نرى بوضوح حقيقة المشهد المعد فى الرياض بين ترامب وقادة العالم العربي والاسلامي، فإذا كان أوباما ببداية عهده جاءت مصر كأول محطة له فى الشرق، وآخر أيامه وقع الاتفاق النووي مع ايران بعد أن أحرق الدول المعادية له فى الشرق ( اوباما الذى عاد للمشهد السياسي مجددا بإنشاء مركز رئاسي باسمه فى شيكاغو لإعداد القادة والكوادر السياسية)، فكيف سيكون شكل النهاية مع ترامب الذى يبدأ أولى محطاته الخارجية فى السعودية واسرائيل والفاتيكان (أول رئيس أمريكي منذ عهد جيمي كارتر تأتى زياراته الخارجية الاولى لدولة غير كندا او المكسيك)، وفى كل الحالات السعودية دفعت مقدما الثمن لادارة ترامب الذي يعول على نجاحه فى الملف الاقتصادي على الخزنة السعودية، وسننتظر مع زيارة ترامب للسعودية ماهية الصفقة التى وصفها البعض بـ “صفقة القرن” أو “الصفقة الكبرى”، وأتمنى حينها ألا نجد خريطة دولة الاحتلال ليست من البحر للنهر كما هي، أو حتى من النيل للفرات كما تنوي، بل من المحيط للخيج، وأن لا يعلن ترامب عن نقل الاعتراف بالقدس المُوحدّة بجزأيها الغربيّ والشرقيّ عاصمةً أبديّةً لدولة الاحتلال، مقابل اعترافه بإقامة دولةٍ فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وحينها سيكون أي أمر آخر بجانب تلك الخطوة كربط اقتصادي، أو استخبارتي، أو تجاري، او فى شبكة النقل والمواصلات عبر خطوط سكك حديد بين اسرائيل ودول الجوار أمرا هيّنا.
خلاصة القول، أن كل ما أراه بعيني من تحضيرات لمنطقة الشرق الاوسط بالكواليس، تذكرني بما صرح به ثعلب السياسة الامريكية وأستاذ مادة “تقسيم الشرق الأوسط” هنري كيسنغر فى جريدة “ديلي سكيب” الأمريكية بيوليو الماضي، قائلا: “إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب، وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب، وتحتل نصف الشرق الأوسط” ويتابع قائلا “لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الاستراتيجية، لنا خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى، ولم يبق إلا خطوة واحدة وهي ضرب إيران”.

* المحلل والباحث السياسى بشؤون الشرق الاوسط

الكاتب : فادى عيد - بتاريخ : 16/05/2017