مدينة كأنها تنشق من العدم

مصطفى خولال

 

ها أنت في مدينة «العيون» في جنوب المملكة المغربية بصحرائها الغربية. من صدف الجغرافيا والأسامي أن هناك في ذات الوطن مدينة قريبة من مناطق صحرائها الشرقية تحمل نفس الاسم. نحن نحدثك عن مدينةٍ – عاصمة، عاصمة المغرب الصحراوي، العيون، تلك التي تعبق بالتاريخ والجمال والسحر الصحراوي حد الافتتان.
يا إلهي، أَوَ يوجد في هذا المغرب شديد الثراء بطبيعته التي حباها الله من كل طبيعةٍ طبيعةً ، أَوَ يوجد في هاتيك الصحاري مدينة بكل هذا الجمال والسحر في يَمِ من الرمال، وبكل هذي الشساعة…إنه لشيء يكاد يكون من صنع الخيال..
ها أنت في طانطان ثم في طرفاية تأخذك طريق تخرق فضاء شاسعا من رمال الصحراء على يسارك، وشواطئ المحيط الأطلسي على يمينك. ولولا نقطة مُعْتَكِفَةُ لُصْقَ المحيط في ذات الخلاء الناطق بسحر الجغرافيا الصحراوية ونفح التاريخ المجيد لبدو الصحراء المغربية وتسمى «أخفنير»، لولاها نقول لانسحبت ممتدة أمامك عشرات المئات من الكيلومترات كأنها اللانهائي، وأنت تقطع بسيارتك طريقا خلاء أو قل خلاء تنشق منه طريق معبدة بشكل يريحك في هذي الامتدادات العجيبة بكل غراباتها وتيهها …طريق فسيحة كما لا يصدق العقل بالنظر إلى طبيعة هاتيك الصحاري. تأكد أنك تبصر وتلحظ وترى وتتملى بواقع مادي حتى ولو بدا لك ذاك قريبا من المستحيل…
تريث قليلا. سيبهرك المشهد أكثر وقد قطعت المسافات الطوال بذاك الامتداد اللانهائي عن مدينة عجب: مدينة العيون المغربية. فأنت، كمسافر جوال في اللانهائي، ستصطدم بنهائي يصعب توقع انبثاقه من هذا الخلاء ذي الرَحْبِ المنبسط من كل الجهات. فحيثما وليت وجهك على يسارك، فثمة رمال بكثبانها أو بامتداداتها الذهبية اللون…والتي قد تفاجئك على حين غرة تحملها ريح الصحراء ، ريح عاتية لا تقاوم. فمثلما في المحيط على يمينك أمواج المحيط العاتية، تبصر على يسارك أمواج رمال الصحراء الممتدة إلى ما لا نهاية كُثْبَانُ لا تقل تجبرا، كثيب وراء كثيب في تموج أخاذ في سحره بالرغم من شعور غامض ينتابك بفعل الخوف من عُتُوِه.
ثم فجأة وقد قطعت هاتيك المسافات الطويلة الطويلة لكأنها الزمن نفسه، يصحبك الخلاء تلو الخلاء تنبلج فجأة ومن ذات الخلاء مدينة: مدينة بالكامل وبالتمام. إنها «العيون»، عاصمة الصحراء المغربية، ولعمري إنها لتستحق إسمها وصفتها وأناسها وتاريخها ومؤسساتها التي لا شيء يمنعها من أن تضاهي بها أرقى المدن.
راحت المدينة التي خلفها الاستعمار الإسباني، إلى غير رجعة. راحت تلك المدينة التي كانت مجرد ثكنات عسكرية ومجمعات إدارية بها مساكن محدودة تستجيب لحاجات موظفي السلطات الاستعمارية، وحي فقير متواضع يقطنه من كانوا في لغة الاستعمار «الأهالي». بل راحت حتى المدينة كما طورها وبناها المغرب بعدما حررها عن طريق المسيرة الخضراء السلمية أواسط السبعينات من القرن الماضي.
فأنت اليوم في مدينة كبرى بكل معاني وأبعاد الكبر والضخامة. أحياء سكنية راقية، وأخرى كثيرة من مساكن الطبقة المتوسطة. ولن تجد في هذه المدينة أحياء سكنية لا تليق بالكرامة الإنسانية. أحياء جعلت المدينة تمتد بعمرانها في كل نواحيها الجغرافية. وقد تسميها المدينة ذات الشوارع الفسيحة والساحات الرحيبة المنبسطة المنفرجة. وسيصدمك مشهد النافورات في مدينة صحراوية، كما سيدهشك العدد الهائل من الأشجار وخاصة أشجار النخيل المتعالية المتسامية المتعجرفة ذات البهاء، والعدد الهائل للملاعب الرياضية، والأسواق العصرية. ولن نحدثك عن التجهيزات العصرية للمدينة ولا عن مؤسساتها الاقتصادية الكبرى والمالية والتعليمية العمومية والخاصة ومؤسساتها الثقافية والاجتماعية والإعلامية والفنية والشبابية والنسائية، وأنشطة المجتمعات السياسية وجمعيات المجتمع المدني.

وسيثلج صدرك أن تعرف إقبال المدينة على وضع جديد بتحولها إلى مدينة جامعية، بل ومدينة للاستثمار الوطني والأجنبي وفضاء سياحي خاص يتساوق في نمطه المتفرد مع معايير السياحة الصحراوية. وكل هذا يعني أن المدينة أضحت قطبا اقتصاديا كبيرا يشد إليه اهتمام المعنيين بالبحث عن الاستثمار مثل المعنيين بالراحة والمتعة السياحية الصحراوية.
والحق أن هذه المدينة لم يعد لها ما تغبط به كبريات أجمل وأثرى مدن المغرب بل إنا لنراها تطمح إلى ما يتجاوز هذه الأخيرة. وإنك لتحبها وأنت تتجول فيها حبا بفضل ما أصبحت عليه في السنوات الأخيرة، ولعل ذلك يعود إلى عاملين:
ضخامة الميزانيات التي خصصتها الدولة المركزية لمدن الصحراء المغربية، في توجه متحَكَمِ فيه يُصْطَلَحُ عليه لدى مفكري الاقتصاد بمقولة «الاستثمار الموجه».
2- عمل لا يتوقف صباح مساء وجدية وحزم ومثابرة مسؤولي مجلس المدينة البلدي الذين ينتجون تحت مراقبة مجتمع مدني يقظ. ونحن نرى أن المسؤولين البلديين – الجادين والنزهاء والمنتجين للعمل البناء والمثابر – في باقي البلديات المغربية – مدعوون لكي لا يذهبوا خارج المغرب لمعاينة النماذج الناجحة، لزيارة هذا «الهَاهُنَا»المدهش، مدينة العيون. وإنه لَكَمَا كانت مدينتنا، مدينة المحمدية في عهدي تسيير حزب الاتحاد الاشتراكي، نموذجا يُحْتَذَى…فإن العيون اليوم نموذج يحتذى خليق بأن يبعث عبره جلالة الملك محمد السادس رسالة إلى السيد عبد المجيد تبون كرد على هرطقاته الأخيرة التي لم تعد سوى وقفات للتفكه لدى المغاربيين أجمعين بمن فيهم إخواننا الجزائريون.
وإن كل هذا، إن كنت مغربيا، ليجعلك تردد معنا:
«وطني يا وطني
لَكَمْ أحبك ياوطني».

الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 08/06/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *