مراجعة مدونة الأسرة بين إلحاحية وجوب الاجتهاد والدعوة إلى تركه

فريدة بوفتاس
ليس من قبيل الصدف أن يعيش المغرب على مر فترات من تاريخه، تجربة وضع قوانين وتشريعات تخص تنظيم الأسرة . قوانين يتم إعادة النظر فيها وتعديلها كلما قضت بذلك .
واليوم نعيش كمغاربة تجربة لها قيمتها، وهي الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة (خطاب العرش 2022)، بغرض مراجعة مدونة الأسرة بعد مشاورات كل الأطراف المعنية، في زمن لا يتعدى ستة أشهر.
فماهي دواعي الدعوة الملكية إلى مراجعة مدونة الأسرة الآن ؟
تعتبر الأسرة، بوصفها النواة الأولى والأساسية، التي لها قوتها وقيمتها في بناء أي مجتمع بشري، وهذا ما يمنع عن أي كان أن يجادل في أن سلامة بنيتها وصحة العلاقات بين العناصر المكونة لها، ينعكس إيجابا على مجموع المجتمع الواحد. إذ بارتقائها يتحقق له الارتقاء الحقيقي.
كذلك نجد أن الصيرورة المجتمعية، والتطور الحاصل داخل المجتمع، يفرض ضرورة تتبعه، ومحاولة العودة إلى التشريعات والقوانين المنظمة لمؤسسة الأسرة، قصد معرفة وتقييم مدى فعاليتها، ملاءمتها، نجاعتها، ومواكبتها للتحولات المجتمعية الحاصلة.
إن المبادرة الملكية من خلال الدعوة إلى مراجعة مدونة الأسرة، كانت حريصة على الدفع بمشروع حضاري كبير، ألا وهو التنمية، التي يصعب تحققها بدون تحقق النهوض بالعنصر البشري، وبالخصوص بوضعية المرأة، وفتح الآفاق أمامها، وكذلك كل مكونات الأسرة .
هذه العلاقة السببية التي تربط التنمية بالأفراد، لا تغيب عن عقل يقظ، مدرك أنه حان الوقت لإحداث إقلاع فعلي، هيأت له كل شروط الوجود، والتي كان للتراكمات عبر تاريخ طويل، موسوم بانتكاسات ونجاحات صبت جميعها في مجرى سيرورة مجتمعية، فضل في إمكانية حدوثه وتحققه.
لقد عرف تنظيم العلاقات داخل الأسرة المغربية، مسارات، كما نظمت بصددها نقاشات في مراحل مختلفة من تاريخ هذا البلد، إذ بعد ما يعرف بقانون الأحوال الشخصية (1957)، الذي شهد تعديلات بسيطة متتالية، سنة 1959 ثم 1993.
بعد هذه المراحل كلها، سيتسم النقاش بطابع مغاير ٱخذا في عين اعتباره، كون المغرب بلدا إسلاميا للشريعة فيه سلطة ومجال سيطرة واسع، لكنه أيضا بلد صادق على مجموعة من المواثيق الدولية التي تعهد بالالتزام بها .
هذا النقاش جاء أيضا كحتمية تاريخية نتيجة لما عرفه المجتمع المغربي من تحولات اجتماعية، وتطور على المستوى السياسي، الاقتصادي، الثقافي والتشريعي.
إلى جانب ما شهدته من تطور إيجابي نسبي، يخص وضع المرأة المغربية، التي نهلت قسطها من التعليم، ومن الحضور الفعلي كفاعلة في المجتمع. وضع جديد فرض التفكير في أفق جديد للعلاقة بين الرجل والمرأة وطبعا الطفل، من أجل حماية حقوق الأطراف كلها.
كان هذا من بين أهم أهداف الحركة النسائية المغربية، التي بوعيها التاريخي، ومن خلال نضالاتها المستميتة، أدركت أنه حان الوقت لإعادة النظر في صياغة مدونة الأسرة 2004 التي شكلت خطوة إلى الأمام، وهي تجعل الأسرة تحت مسؤولية الزوجين معا، وليست فقط تحت مسؤولية الزوج، كما كان عليه الحال في السابق .
ولقد ظلت هذه الحركة النسائية وكل من يهمه مسار قضية النهوض بوضعية المرأة المغربية، متابعة لمجريات المشاورات والنقاش العمومي منذ تعيين الهيئة المكلفة بالمراجعة إلى تقديم مقترحاتها لرئيس الحكومة بتاريخ 30مارس 2024مرورا بطلب رأي المجلس العلمي الأعلى وصولا إلى صدور بلاغ الديوان الملكي يوم 23دجنبر 2024،الخاص بمقترحاتها، والذي دعا إلى تنظيم لقاءات تواصلية لاطلاع العموم بالمستجدات، والدعوة إلى صياغة نص قانوني بمقتضيات واضحة تفاديا للتأويلات الذاتية، والى خلق إطار دائم لمواصلة الاجتهاد الفقهي المستنير قصد إيجاد حلول للإشكالات المجتمعية والأسرية، وتحقيق العدل في تناغم مع القيم الكونية . والحركة النسائية كانت حريصة على أن يشكل هذا الورش التشريعي فرصة لإحداث تغيير عميق وشامل يعيد النظر في منطلقات، لغة، مقتضيات وفلسفة قانون الأسرة، بأن يأخذ في الاعتبار التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها الأسرة المغربية، والتي انعكست على أدوار كل من الرجل والمرأة داخلها.
من هذه الزاوية ثمنت الحركة النسائية منهجية التشاور التي نهجتها الهيئة مع كل الأطراف المعنية، كما ثمنت التعديلات التي أجريت فيما يخص تنقيح المدونة من الصيغ الحاطة من الكرامة .
إلغاء شرط حضور شاهدين مسلمين بالنسبة لمغاربة العالم.
وضع أطر لتقسيم الأموال المشتركة بين الزوجين.
_وضع آلية للوساطة والصلح مستقلة عن القضاء .
_احتساب أعمال الرعاية في تقدير مساهمة النساء في الثروة الأسرية.
_استثناء سكن الزوجية من التركة.
_حق النيابة القانونية للأم على الأبناء، دون إسقاط الحضانة عنها في حالة زواجها.
لكن، نجد أن الحركة النسائية ( التنسيقية التي تضم أكثر من جمعية نسائية وحقوقية )تسجل عدم استجابة المقترحات لانتظاراتها في مراجعة شاملة وعميقة للنص الحالي، حيث لم يتم الحسم مع التمييز ومع انتهاك حقوق الطفلات والأطفال، في تعارض مع الدستور ومع التزامات المغرب الدولية، حيث إن اغلب التعديلات ظلت تدور في فلك منطق القوامة الذي يفترض أن سلطة الرجل داخل الأسرة مردها إلى أنه المعيل وحده لها، وهو أمر لا يتناسب وحقيقة ما يجري في الواقع ،مما يكرس اللامساواة بين الجنسين
_عدم إخضاع منظومة المواريث للإصلاح، ورفض إلغاء التعصيب.
_الإبقاء على التعدد، ودعوة المقبلات على الزواج اشتراط عدم الزواج عليهن في عقد الزواج، في الحالة المعاكسة يمكن السماح به بشكل” موضوعي واستثنائي “في حالة العقم وأمراض تمنع المعاشرة الزوجية، في هذا اختزال للمرأة في كونها أداة إنجاب.
_اقتراح الهبة بدون حيازة كحل بديل رغم عدم ورود نص قطعي فيه، وهذا بعد رفض إلغاء التعصيب، فتكون البنات في الأسرة مقصيات بسبب جنسهن.
_رفض الخبرة الجينية في لحوق النسب، وطبعا في هذا ضرب للمصلحة الفضلى للأطفال المزدادين خارج إطار مؤسسة الزواج كما يعارض ماورد في مقتضيات الفصل 32من الدستور الملزم للدولة بحماية حقوق الأطفال في كل الوضعيات
-الإبقاء على استثناء تزويج الطفلات، في خرق للالتزام بالقوانين الدولية .
_حصر مساهمة النساء في ثروة الأسرة في العمل المنزلي، مع العلم أن آلاف النساء يشتغلن بأجر كموظفات وأجيرات فضلا عن اللواتي يشتغلن بدون أجر .
إن الحركة النسائية بالمغرب، وكل المدافعين عن حقوق الإنسان عموما، وحقوق النساء على الخصوص يأملون في انخراط الجميع في إحداث تغيير تشريعي حقيقي يكون في مستوى انتظاراتهن/م ،ورهانهن/م على مجتمع تصان فيه كل الحقوق وتسوده العدالة والمساواة بين كل مكوناته، انتصارا للإنسان المغربي، طفلا،رجلا، امرأة من أجل بناء أسر سوية تساهم بفعالية في نماء المجتمع .
الكاتب : فريدة بوفتاس - بتاريخ : 11/06/2025