حاضرة الفنون والثقافة بالصويرة مزيج زاخر بالتراث والفن الأصيل النابع من عبق التاريخ

الدكتور جمال كلول *

عادة ما يعرف التراث بأنه كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل لجيل آخر، وهو يشمل كل الفنون الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات. والتراث الثقافي يعكس ما توصلت إليه حضارات الدول، فأي حضارة لا تصبح عريقة إلا بجذورٍها التاريخية وبمقدار ما تحمله من شواهد على رقيها الإنساني لكون الإنسان عبر مسيرته التاريخية يحاول أن يرقي بنفسه، فارتقاؤه هذا ينعكس على ما يخلفه من سلوكيات تتأصل في حياة الآخرين سواء كانوا مقربين أم أجانب.
وتشهد مدينة الصويرة على الحضارة العريقة والثقافة الأصيلة للتاريخ والتراث الثقافي المغربي الأمازيغي، العربي واليهودي والفن العريق والأصيل، الذي لا يقدر بثمن، الشيء الذي يتجسد من خلال انتمائه لخط قبلي معروف ومشهور يضم قبائل حاحا والشياظمة، ما يجعله يحتل الصدارة ضمن نقاط الجذب السياحي الثقافي بالمغرب.
ولعل مبادرة مشروع حاضرة الفنون والثقافة الذي أمر جلالة الملك محمد السادس بإنجازه بهذا المجال الغني لتكريس لمكانة الصويرة كمدينة للتاريخ والفن والتراث والثقافة بامتياز. حيث امتلك السكان المحليون وعلى امتداد حقب التاريخ تراثا غنيا وتقاليد راسخة من خلال إسهامهم الملموس في إغناء التراث المغربي وحفاظهم في الوقت نفسه على هويتهم المحلية والوطنية، وارتباطهم الوثيق بالثقافة الأم عبر العناية بموروثهم الحضاري المتمثل في التراث والثقافة التي تربط وبشكل مباشر بين الإنسان الأمازيغي والعربي واليهودي المترسخ بهذا المجال والشديد الإرتباط بهويته وفكره وتراثه وتقاليده ورؤيته لذاته وللآخرين.
كل هذا المزيج الزاخر بالتراث وعبق التاريخ وغنى الأرض أبرز لنا فضاء خصبا يساهم في الترويج والتسويق للمنطقة، على صعيد المجالين السياحي والثقافي مما يساهم بشكل فعال ونموذجي في استقطاب العديد من السياح الوافدين الجدد مغاربة كانوا أم أجانب إضافة إلى تسويق إبداع الإنسان المغربي المتنوع.
ويعد مشروع حاضرة الفنون والثقافة الذي يكلف استثمارات بقيمة 350 مليون درهم، على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 3.6 هكتار، فضاء مهما لتثمين التراث والثقافة المحليين وجسرا للتكوين والتدريب للمجموعات الموسيقية والمسرحية ومرتعا للإبداع والتألق الفني، يليق بالشهرة والمكانة الدولية لمدينة الصويرة. كما سيضفي صبغة ثقافية جديدة على المدينة، بل وسيغدو مفخرة لها، كما هو الحال بالنسبة إلى بيت الذاكرة والمراكز التي تم ترميمها وتشييدها، مما يتيح إمكانية التعريف بالتراث والتاريخ والثقافة والتسامح والانفتاح الذي تزخر به المملكة.
وستشتمل حاضرة الفنون والثقافة الجديدة، بالخصوص، على مسرح كبير بطاقة استيعابية تبلغ 1000 مقعد، ومعهدا موسيقيا، ودارا للكتب، ومتحفا للفنون التقليدية، وآخر للشاي، وساحة خارجية بإمكانها استقبال حوالي 30 ألف شخص، وموقفا للسيارات تحت أرضي. كما سيتم إنجاز هذا المشروع داخل أجل 48 شهرا، في إطار شراكة بين وزارة الداخلية (130 مليون درهم)، ووزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة (50 مليون درهم)، ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات (وعاء عقاري)، ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة (50 مليون درهم)، ووزارة الثقافة والشباب والرياضة (60 مليون درهم)، ومجلس جهة مراكش -أسفي (60 مليون درهم).
وسيسهم هذا المشروع المميز لامحالة في الترويج للتراث الثقافي والشعبي في هذا الفضاء النموذجي وبقوة، عبر إبراز مميزاته وأشكاله وما تختزنه قبائل إقليم الصويرة الامازيغية منها والعربية من رحيق ينطق بكنوز الحضارة المغربية المتوغلة في أعماق تاريخ أمة عريقة يشهد لها الجميع بعبقريتها المبدعة في دروب الفلكلور، الثقافة الشعبية وغيرها من ألوان الطقوس والعادات التي صاغها المجتمع المغربي بمختلف مكوناته السلالية واللغوية محليا ووطنيا بتوالي الحقب التاريخية والأجيال المتوارثة .

 

  • أستاذ باحث في التهيئة المجالية والتنمية المستدامة
    حاضرة الفنون والثقافة بالصويرة

الكاتب : الدكتور جمال كلول * - بتاريخ : 03/03/2020