مصر: تخوف غير مشروع

نوفل البعمري

منذ توقيع اتفاقية تفاهم بين المغرب وإثيوبيا في الجانب العسكري واستقبال المغرب للماريشال برهانو غولا جيلالتشا، رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، انطلقت عدة أصوات داخل مصر تُعبر عن قلقها من هذا التقارب، ودفعت حد استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة «تويتر»، إلى مهاجمة المغرب، وأحياناً بشكل مبتذل، وإن كان الأمر لم يتخذ طابعاً رسمياً لكن طبيعة الهجوم والكيفية التي يتم بها واستعمال نفس التعابير الموجهة ضد المغرب التي فيها، أحياناً، مس بمؤسساته ووحدته الترابية، يعطي انطباعاً قوياً على أن الأمر يتعلق بارتباط هذا الهجوم بجهات ما قد تكون رسمية داخل مصر وقد تكون مقربة من المؤسسة العسكري المصرية، التي يعلم الجميع أنها تشكل العمود القوي والأساسي في الدولة المصرية منذ ثورة يوليوز والانقلاب العسكري الذي تم على الملك فاروق.
لنعد إلى أصل الحكاية، ونطرح سؤالاً مباشرا: هل العلاقة المغربية الإثيوبية جاءت على حساب الأزمة المصرية الإثيوبية بسبب سد النهضة؟!
لنعد قليلاً إلى الوراء، المغرب وإثيوبيا انطلقت علاقتهما الدبلوماسية بشكل قوي منذ سنة 2016، التي تزامنت مع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، بحيث شملت الجولة التي قام بها الملك محمد السادس لعدة دول إفريقية دولة إثيوبيا التي خُصص له بها استقبال كبير، وتم توقيع اتفاقيات اقتصادية جد مهمة حيث تم التوقيع على 13 بروتوكول اتفاق ومذكرة تفاهم في مجالات التجارة والاستثمار والضرائب والزراعة والمياه والري، وقد كانت أبرز هذه الاتفاقيات تتعلق بإنشاء مجمع للأسمدة في مدينة «ديري داوا» شرق إثيوبيا، مما عزز من حجم المبادلات والمعاملات التجارية والاقتصادية التي عادت بالنفع على المغرب وإثيوبيا ودخلت في إطار السياسة الخارجية التي وضعها المغرب، والموجهة لعموم الدول الإفريقية غرباً وشرقاً ووسطاً…وهي مبادرات متعددة منها ما يرتبط بمشروع المبادرة الأطلسية والساحل، وأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، وغيرها من المشاريع، وفي كل ذلك يحضر البعد الأمني في هذه العلاقات والشراكات المتعددة والمتنوعة، لهذا كان طبيعياً في ظل تطور العلاقة المغربية الإثيوبية أن تصل إلى مستوى التعاون في المجال العسكري، وفي هذا الإطار شهدت هذه الزيارة، التي استقبل فيها بتعليمات ملكية، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالدفاع الوطني الماريشال الإثيوبي كما استقبله الفريق أول المفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد المنطقة الجنوبية، جلسات تعاون عسكري في مجالات مرتبطة بحفظ الأمن والسلم، لذلك كانت الزيارة واضحة في تحديد الإطار الذي تجري فيه هذه الزيارة وهذا التعاون العسكري الموجه للسلام والسلم، ولتعزيز فرصه في إفريقيا وبالمنطقة، ولا يمكن أن يكون موجها ضد أي دولة خاصة إذا تعلق الأمر بدولة عربية تعتبر شقيقة المغرب وعضو مع المغرب في عدة مؤسسات إقليمية على رأسها جامعة الدول العربية التي تظل شاهدة على طبيعة التحركات المغربية في مختلف الملفات والقضايا من منظور واضح يحكمه عدم التدخل في الصراعات والنزاعات سواء الداخلية أو بين الدول، ويحركه تعزيز فرص السلم.
المغرب في سياسته الخارجية واضح، لم يسبق له أن وجهها ضد أي دولة، بل حتى أكثر الدول شراسة في معاداة المغرب لم يُسجل على قيادة المملكة أي تحرك معادي لها ولشعوبها، وظل المغرب حريصا على مد اليد وخلق فرصة تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي، ورغم عدم نجاح هذه المحاولات المغربية فهذا الأخير لم يتبن خيار المواجهة أو توجيه سياسته الخارجية ضد هذه البلدان، فما بالك ببلد عربي يعتبره المغرب بلداً شقيقاً وتربطهما علاقات تاريخية قوية، شملت مختلف مجالات التعاون الثقافي والرياضي والسياسي…
لذلك يمكن القول إن تحرك بعض الأصوات، بشكل مبالغ فيه، ضد هذا التعاون، الذي حدث بين المغرب وإثيوبيا، الذي يظل منطلقه سيادي خاص بالدولتين، ولا يمكن تفسيره بالشكل الذي فسرته بعض الأصوات المصرية حتى باتت تستغل الحدث لمهاجمة المغرب والتعدي على وحدته الترابية على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل غير مقبول، قد يؤدي إلى أزمة بين البلدين قد لا تتخذ طابعاً رسمياً لكنها ستؤثر على روح الشعب المغربي مادام أن ما يتم القيام به يمس بالشعور الوطني العام للمغاربة.
من خلال ما سبق يبقى التخوف المصري غير مشروع ولا مبرر له ولا حاجة لإعطائه بعداً سياسياً قد يكون له ما بعده، خاصة إذا ما استعمل فيه الإعلام…!!
فقط نهمس في أذن كل من صنع تخوفاً داخل مصر، وكل من تحرك ضد التقارب المغربي-الإثيوبي؛ لقد سبق للقيادة العسكرية المصرية قبل سنوات أن شاركت في لقاء تحت رئاسة الجنرال العسكري الجزائري شنقريحة، وحضرت فيه مليشيات «البوليساريو»، وكان «علم» هذا التنظيم المليشياتي إلى جانب علم دولة مصر، ومع ذلك المغرب لم يُحول الأمر إلى أزمة سياسية أو دبلوماسية، مع العلم أنه كانت له كل المشروعية وحق الرد على هذه الجلسة دفاعاً عن وحدته الترابية وضد أي تهديد محتمل، تجاوز المغرب بشكل دبلوماسي راقٍ ووضع اللقاء في سياقه واستمرَّت العلاقة المغربية المصرية كما هي عليه، فمن الأولى بالغضب والتخوف هل مصر أم المغرب؟
سؤال لا نحتاج ولا ننتظر الإجابة عنه من الأصوات التي خرجت من مصر لتعبر عن «قلقها»، مادام أن المغرب قد طوى صفحة ذلك الحدث، لكن في هذا التقارب المغربي-الإثيوبي ليس على هذه الأصوات المصرية سوى أن تضع تخوفاتها غير المشروعة جانباً، وتختار الاستمرار في علاقة ودية وقوية مع المغرب، قوامها احترام القضايا الحيوية للبلدين، ومعالجة الإشكالات والتخوفات التي قد تكون لدى أي جانب بالطرق الدبلوماسية المعروفة، لا بالهجوم على المغرب وعلى مؤسساته ووحدته الترابية في وسائل التواصل الاجتماعي!!

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 02/09/2024

التعليقات مغلقة.