مغالطات ذ.بلال التليدي في الاتحاد لسنا «مساعدي دون فيتو كورليوني»

د.سعيد جعفر *

يكشف تفكير الأستاذ بلال التليدي في مقاله “ماذا تبقى من الاتحاد الاشتراكي” المنشور بيومية أخبار اليوم بتاريخ 19 أبريل الجاري عن خلفية “مافيوزية” وهو يستورد من معجم عالم المافيا مصطلح “العراب” الذي وصف به الاتحاد الاشتراكي في إطار نقده لخوض الحزب في موضوع الدستور والفصل 47 منه.

وفي الحقيقة، من العادي جدا قبول هذا التوصيف والتفييء من السيد بلال التليدي مادام “عراب” البيجيدي (وأنا هنا أستلف منه توصيفه تبادلا) السيد عبد الإله بنكيران قسم عالم السياسة إلى فسطاط خير وفسطاط شر، ملائكة وشياطين.
ولأننا داخل الاتحاد مناضلون ومناضلات تختلف تقديراتنا وتختلف تصوراتنا، فإننا نؤكد للأستاذ بلال التليدي، أننا لسنا تبعا داخل طائفة، ولسنا مساعدي زعيم عصابة أو زعيم مافيا كما تحصل في ذهن الأستاذ، ربما بتأثر من ثلاثية العراب المقتبسة عن رواية ماريو بوزو بطولة الكبير مارلون براندو و آل باتشينو و آندي غارسيا.
فنحن، وبغض النظر عن اختلافاتنا الداخلية، لم يكن أبدا بيننا دون فيتو كورليوني ولم نكن أبدا مساعدي كورليوني.
وحتى إذا قبلنا مجازا هذا التوصيف من ذ.بلال التليدي، لا بأس أن ننبه إلى أن لسان العرب، ذهبت إلى أن العراب هو من “يشرف على اتفاق بين طرفين بشكل سري”، والحال أن الاتحاد الاشتراكي من خلال الناطق الرسمي باسمه، أي كاتبه الأول، لا يقود اتفاقا بين طرفين بشكل سري، بل يخوض في الموضوع علنيا في الفضاء العمومي. وبدون شك، فهو يحتكم لقاعدة معروفة بين الاتحاديين والاتحاديات هي “التحليل الملموس للواقع الملموس” والتي “استلفها” حزبكم بالذات ووظفها ذات بيان في 2002 يعرفه الأستاذ بلال جيدا ويعرف ملابسات نزوله السياسية والتنظيمية وحتى التاريخية.
وقبل أن ننبه إلى المغالطات الكبيرة التي عنى مقال ذ.بلال التغطية عليها، ومصادرة المطلوب فيها، لا بد من أجل أن يكون حوارنا عالما كما أريد له بين أستاذ متمكن و محلل سياسي مشهود له بالكفاءة وعضو المجلس الوطني لحزبه وبين باحث شاب ومثقف رصين عضو المجلس الوطني لحزبه، لا بد أن أضع الأستاذ بلال في تأطير فلسفي وتاريخي قد يساعده في إعادة تأطير جزء من منطلقاته الفكرية في “القبض” على تطور السياسة ومن خلالها تطور المواقف السياسة بالمغرب.
وليس أفضل للفهم من أن أحيل الباحث بلال على حوار فكري غني دار بين الراحل عابد الجابري والأستاذ محمد يتيم غداة أحداث 16 ماي الإرهابية بالمغرب.
في رده على ما كتبه ذ.الجابري في الموضوع، أكد السي يتيم على الجهد والدور الكبير الذي قام به شباب إسلاميون في التحول من الشبيبة الإسلامية إلى التجديد والإصلاح وهم مسكونون بسلامة الوطن، مؤكدا أن حزب العدالة والتنمية مستعد لسلك نفس المنهج كلما استدعت مصلحة البلاد ذلك.
و سيحرص في مقالات أخرى على التذكير بقرار تسقيف الترشيحات في 2002 كشكل من أشكال هذا المنهج الإصلاحي الذي يخدم مصلحة البلاد.
وللأمانة، هذا المنهج جيد ومطلوب في السياسة، لأنه يساعد على إيجاد مخارج وفوهات عندما نكون أمام صعوبات أو انغلاقات سياسية موضوعية أوذاتية، والحال أن الشعوب أبدعت الحوار والسياسة لهذا الغرض، حتى لا تنزلق إلى وضعيات أخرى غير عقلانية، بدعوى القبيلة أو العرق أو العدد أو الدين أو غيرها، وسنسوق في معرض تدليلنا على أهمية هذا السلوك العقلاني مثالا من التاريخ الإسلامي الذي يمتح منه ذ.بلال معظم أفكاره وعدته المنهجية.
وأما المرجع الثاني، في فهم تطور السياسة، فنورده من داخل “فقه المشاركة السياسية” للدكتور سعد الدين العثماني، حيث إن هذا الكتاب المحكوم بملابسات فقهية خاصة لتسويغ المشاركة السياسية يعضّ على مبدأي “التدرج” و “تغليب رأي الأغلبية بالتوافق”.
وأما المرجع الثالث، الذي نضعه تحت ناظر ذ.بلال، طالما أنه استدل بشخص المجاهد اليوسفي، فهو تذكيره بأن ذ.اليوسفي اِرتأى مشاركة أوسع طيف سياسي في إطار توافق سياسي، لأجل مصلحة البلاد، بما في ذلك طلب مشاركة العدالة والتنمية، رغم أن مقاعده لم تكن تتجاوز التسعة .
إن الهدف من هذا التأطير الفكري والتاريخي، هو طلب للتمسك بالمقدمات، حتى تكون النتائج مستنبطة منها بشكل منطقي، وحتى لا نسقط في مصادرات تصادر على المطلوب بدفوعات لا تتولد من نفس المقدمات.
إن عيب منهج الأستاذ بلال التليدي، هو أنه والف بين أداتين لا تتوالفا في لغة المناطقة، الدفع بتهافت وبطلان حجج ودعاوى الغير بانتهاج مقدمات من غير صنف المطلوب،
وهو منهج يمكن فهمه ما دام أن المتكلمين الإسلاميين ولا سيما الغزالي وابن تيمية بأرا ****ل”حيل فقهية” للمصادرة ليس فقط على المطلوب، وإنما مصادرة الدعاوى المخالفة بشدها شدّا إلى قواعدَ من غير قواعدِ المنطق ذاته.
وعيب ذ.التليدي كذلك، هو أن منهجه لم يكن نسقيا مطلقا، وسقط في الاختزالية ، فلا هو احترم الاتساق الفكري والتاريخي، ولا هو ساعد في حفظ منهج المدافعة من الأحابيل الفقهية الانتقائية.
ولأن مقال ذ.التليدي حابل بالمغالطات، فلا بأس أن نصحح الوضع عبر كشف هذه المغالطات والتعريض بها، ولا نظن إلا أن الأستاذ التليدي سيتفهم هذا الرد ويتفاعل معه بكل الموضوعية والعدة المنهجية اللازمة.

المغالطة الأولى:

ترتبط بالعنوان ذاته، فعبارة “ما تبقى من الاتحاد الاشتراكي” ليست سليمة لفظا، وتكشف عن شرخ في فهم علاقة الدال بالمدلول، فلا يستقيم لغة تكميم غير المادي كقولنا جزء من الماء بل نقول جزء من أرض أو الزمن،
والقول “بما تبقى من الاتحاد الاشتراكى” لا يوضح إن كان ما تبقى من منتمين أو من مقرات أو من فكر وهوية.
ولأن ذ.التليدي ربما توجه فكره، ارتباطا بفكرة القوة الثالثة التي سيطرحها لاحقا، إلى هوية الحزب ومواقفه، فها هنا أخطأ لفظيا لأن الهوية هي تراكم مركب لا يمكن قياسه وتكميمه، والحال لو أنه قال تبدل وتغير وحتى تفسخ هذه الهوية، لكان قوله مقبولا بغض النظر عن صحته من عدمها.

المغالطة الثانية:

يذهب التليدي مباشرة إلى النتائج مصادرا على المقدمات، فتكون تدليلاته وخلاصاته معيبة منهجا، وهذا ما حصل عندما وقف مباشرة عند محاضرة السي عبد الرحمان ببروكسيل دون أن يقف عند المقدمات والملابسات التي أنتجت المحاضرة.
يعرف ذ.التليدي جيدا الملابسات وحاول القفز عليها حتى لا تعطل مطلوبه من التدليل بالمحاضرة.
يريد التليدي أن يصور أن المحاضرة كانت احتجاجا من السي عبد الرحمان ضد القصر. وبدون شك، فهو لا يقصد الواقعة بذاتها للتذكير بها للحاجة التاريخية، ولكن وهذا حاضر عند قراءة هندسة المقال، يستعين بمضمون المحاضرة، ورمزية صاحبها للاحتجاج غير المباشر على شروط الحاضر، لهذا سقف النقد في حدود الاتحاد الاشتراكي دون أن يرفع من هذا السقف كما رفعه السي عبد الرحمان.
ولأن السي التليدي أغفل المقدمات، فلابد أن نذكّر بها كما يلي:
إن السي عبد الرحمان عندما تحدث عن الخروج عن المنهجية الديمقراطية، توجه رأسا للنظام الذي سخر أدواته،
ولابد أن التليدي يعرف جيدا أن كلمات السي عبد الرحمان هي كلمات موزونة ومدروسة قياسا على خبرات الرجل معارضا ووزيرا أولَ.
إن عبارة سخر واستخدم أدواته، تعني للسي عبد الرحمان خطاطة بعينها سماها تاريخيا الأحزاب الإدارية، وهو يعرفها جيدا.
ورغم أن السي عبد الرحمان سكت عن تسميتها آنذاك، فقد سمى ما قامت به لاحقا في مذكراته، حيث يقول:
“إن الذي جعل العدالة والتنمية يفاجأ بانتصاره، يكمن في أنه تبنى استراتيجية ذكية في انتخابات 2002 بتقديم ترشيحاته في 56 دائرة فقط من أصل 91 والتركيز عليها.
وحث أنصاره على التصويت على الاستقلال أو الحركة الشعبية في الدوائر التي لم يترشح فيها حزب العدالة والتنمية من أجل مواجهة الاتحاد الاشتراكي”.

ماذا يريد السي عبد الرحمان أن يقوله بهذه الفقرة؟

إنه يريد أن “قوة ثالثة” مدفوعة تم تحريكها قبلا للحيلولة دون حصول السي عبد الرحمان والاتحاد على ولاية ثانية. وفي الحقيقة، هذا ما حدث مع البيان التاريخي الذي ستوقعه أحزاب “القوة الثلاثية” العدالة والتنمية والاستقلال والحركة الشعبية ضد تعيين السي عبد الرحمان تحت شعار “أمولا نوبة”.
إن ما لم يقله التليدي، هو أن حزبه شكل وقودا “للقوة الثالثة” حتى لا تحترم نتائج الانتخابات بعد سنوات فقط من تأسيسه،
ولهذا سيكون من الصعب عليه اليوم، أن يعطي دروسا لحزب صابر من أجل الإصلاح، وأدى مناضلوه ومناضلاته ثمنا غاليا في سبيل ذلك.
ولابد من التذكير كذلك، بأن هذا الحزب في سبيل هذا الإصلاح، كان آخر حزب تقدم طواعية بمذكرة للإصلاحات الدستورية والسياسية في 2009 قبل أن تأتي أحداث 2011 لتحرر باقي الأحزاب من اِنتظار إشارة تقديم المذكرات.

المغالطة الثالثة:

لم يحدد التليدي مفهوم “القوة الثالثة” كما هو أصلا أو لربما لوى عنق المفهوم ليخدم ما يريده من المقال ككل.
وهو بدون شك، يمتح من نفس مدرسة ذ.يتيم الذي يعرّف “القوة الثالثة” بأنها
العناصر التي تضررت مصالحها بشكل أو بآخر من توجهات الحركة الوطنية، حيث عملت على تخويف الحسن الثاني من خطر الجناح الذي كان يمثله عبد الله إبراهيم على مستقبل الملكية في البلاد.
والحال أن السيد التليدي عندما وظف مفهوم القوة الثالثة تناسى أن “عراب” البيجيدي السيد عبد الإله بنكيران نفسه، مَن عمل مرارا وأعاد ذلك مؤخرا، على تخويف الملك محمد السادس من خطر متربصين يتربصون بالملكية في البلاد، وأنه نفسه من اِتهم الاشتراكيين بمحاولة مخاصمته مع الملك، عندما دافع الاتحاد عبر فريقه النيابي في 2011 على توسيع صلاحيات رئيس الحكومة في التعيين، ضمن ما عُرف بقانون ما لبنكيران وما للملك، حيث فضل بنكيران التنازل عن عدد من صلاحياته.
وإذا كان إذن ممّن تنطبق عليه مواصفات القوة الثالثة، فهو بنكيران وحزبه أنفسهم، سواء عندما مهدوا الغطاء السياسي لتعطيل المنهجية الديمقراطية في 2002 أوعندما رفضوا توسيع صلاحيات الحكومة، أو عندما عارضوا حراك 20 فبراير، أو عندما حموا مصالح “القوة الثالثة” نفسها بالعفو عن المفسدين الذي أعلنه السيد بنكيران.

المغالطة الرابعة:

تكمن في المنهج السكوني والمختزل نفسه للسيد التليدي، فهو يشتغل بمنطق 2002 لاختبار شروط 2021، وهو منهج غير صائب، لأنه ليس مفارقا للزمن، بل ويستشف فيه مركزية مفرطة جدا “كان يفترض في حزب وطني ديمقراطي سمته طرح السؤال التقييمي والنقدي على مساره النضالي، أن يحدد موقفه اليوم مما طرحه اليوسفي بالأمس، على الأقل أن يستأنف النظر في سؤال الانتقال الديمقراطي، ويستمر في المنهجية الديمقراطية، ومقاومة القوة الثالثة، والمركب المصلحي الذي تشكله، واختراقاته للصف الوطني”.
لهذه المغالطات مجتمعة وأخرى، لا يسع المقال لها، يستحسن للأستاذ التليدي وتياره، أن يلعب المعركة بقواعدها، وألا يجعل من الاتحاد درعا، فاليوسفي والاتحاد وقبله بنبركة وعبد الرحيم، توجهوا مباشرة للقصر، ولم يبحثوا عن دروع للاحتماء.
كما يستحسن التذكير، بأن قرار الاتحاد شأنٌ داخلي يقوم به ويتخذه بناءً على قناعاته، وتوازناته، وتحليله للوقائع وليس بتوجيهات و “تحفيزات” خارجية.
وفي الأخير، ثمة سؤالان اِثنان يمكن للأستاذ بلال تليدي أن يفكر فيهما، ويقيس مخرجاتهما على حالة الانحسار السياسي التي يمكن أن يقع فيها حقل سياسي كما حدث في 2016؟
1- كيف تصرف المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة عندما انحسرت الأمور؟ ولمَ تمت البيعة دون الهاشميين وهم الأكثر وزنا تاريخيا وسياسيا ودينيا وعدديا؟
ولماذا تم “التوافق” على ابن أبي قحافة من القبيلة الأصغر والأقل تأثيرا؟
كيف نجح الفصل 99 من الدستور الإسباني؟ وما هي حدود حله لاحتمالات الانحسار السياسي كما وقع في 2016؟

* عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

الكاتب : د.سعيد جعفر * - بتاريخ : 27/04/2019