ملاحظات حول خلية «الأشقاء الثلاثة»

نوفل البعمري

خلية حد السوالم، التي تشكلت من أشقاء ثلاثة، تُعتبر من أخطر الخلايا التي قام الأمن المغربي بتفكيكها قبل لحظة الصفر، مجنبا المغرب خطراً كان وشيكاً وحقيقياً. هذه الخلية التي أعادت إلى الأذهان صور الحدث الإرهابي( 16 ماي) الذي عاشه المغرب في ظل سياق عالمي كان يشهد مواجهة مباشرة مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
ما بين ذلك التاريخ وحدث تفكيك خلية حد السوالم شهد المغرب تطوراً كبيراً على مستوى محاربة الجريمة الإرهابية، ليكسب قدرة حقيقية في هذا المجال، ظلت تُقدم كنموذج في عمل الأجهزة والمؤسسات الأمنية لمحاربة هذه التنظيمات التي تهدد الاستقرار، وتشكل خطراً حقيقياً على المجتمع. .
خلية “الأشقاء الثلاثة» كشفت عدة معطيات يمكن تقديمها كما يلي:
المغرب، وإن كان قد أنتج تجربته الذاتية والداخلية في مجال مكافحة الإرهاب، سواء بالقانون أو بالإصلاح الديني أو بالمواجهة الأمنية، فإن التهديد الإرهابي مازال قائما، ولا يمكن القول إن نجاح استراتيجيته ووصفته قد جنبه، بشكل كلي، خطر التهديد الإرهابي، بل إن ذلك يجعله في تحد دائم وسباق يومي مع الإرهاب، الذي طوَّرَ من أشكال عمله وتحركه مع تطور التكنولوجيا والانفتاح المغربي على الولوج للعالم الرقمي، لقد أصبح الاستقطاب في هذا العالم للتنظيمات الإرهابية التكفيرية، أمام حرية استعمال هذا العالم، سهلاً، ولا يحتاج لتحرك مباشر بل أصبح الاستقطاب عن بعد بديلاً للاستقطاب التقليدي.
ومن خلال الشكل الذي تدخل به الأمن في هذه العملية يظهر أنه تدخل جاء قبل لحظة الصفر وتنفيذ العملية الإرهابية، وهو ما يشير بوضوح إلى المقاربة التي يتم اعتمادها أمنياً، وهي مقاربة محترفة تنبني على مفهوم قانوني مرتبط “بحالة التلبس”، وبوضع يكون فيه المجرم الإرهابي قد استكمل كل الخطوات لتنفيذ مخططه الإجرامي، بهذه المقاربة في التدخل، يمكن القول إن الأجهزة الأمنية تكون قد انتقلت من التحرك “الهاوِي» إلى تحرك احترافي يحركه القانون أولاً، وتحركه الرغبة في تتبع مختلف خيوط الخلايا الإرهابية مع الاحتراف في التدخل، وهو احتراف يجعل من عنصر اليقظة حاسماً في مجال مخطط محاربة الإرهاب وخلاياه.
طبيعة الخلية المشكلة من الأسرة الواحدة يشير إلى انتقال مفهوم التنظيم الإرهابي إلى مستوى جديد وخطير، وهو مستوى ما يمكن تسميته بالتنظيم/الأسرة المبني على عنصر الخلية الأسرية حفاظاً على السرية لعدم لفت الأنظار والانتباه، ولسهولة التواصل في ما بين أعضائها، وأيضاً سهولة الإعداد للمخطط الإرهابي، لذلك تكون الأجهزة الأمنية أمام تحد حقيقي مرتبط بهذا الشكل الجديد للتنظيمات الإرهابية التي تتشكل من أفراد الأسرة الواحدة، حيث تكون المعلومة محدودة ويكون لتحرك أعضائها من التغطية “الأسرة” ما يجعل الشك في نواياهم صعب، يمكن القول هنا إن الأجهزة الأمنية قد تغلبت على هذا التحدي من خلال كشفها المبكر لهذه الخلية/الأسرة ومراقبتها وصولاً للحظة التدخل الناجح.
التعاطي الشعبي مع لحظة تكفيك الخلية من طرف الأجهزة الأمنية، برز في المشاهد التي نقلتها عدسات الكاميرات حيث كان هناك احتضان شعبي للأجهزة الأمنية التي تدخلت لاعتقال عناصر الخلية/الأسرة الإرهابية وإيقافهم، وهو مشهد يؤكد من جهة وعي الساكنة بالخطر الإرهابي وبأن الفكر الإرهابي معزول عن عموم المجتمع ومرفوض من مختلف فئاته المجتمعية، وأن الأجهزة الأمنية التي فككت هذه الخلية/الأسرة تحظى بتقدير مجتمعي كبير، وهو التقدير الذي برز في تحية الجمهور للأمن لحظة تفكيك خلية الأشقاء الثلاثة، وهو الجمهور الذي ظل مرابطاً، منضبطاً لتعليمات الأمن في عين المكان، وهي لحظة تثبت أن هناك وعيا بالتهديدات الأمنية وبأهمية التدخل الذي تقوم به مختلف الأجهزة لتفكيك هذه الخلايا.
الندوة الإعلامية التي تم تنظيمها من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية بعد تفكيك الخلية الإرهابية كانت مناسبة للتواصل مع عموم الرأي العام الوطني والدولي كذلك، وهي الندوة التي تم فيها تقديم مختلف المعطيات عن الخلية لتنوير عموم المواطنين بخطورة الخلية وللتنبيه لكون الخطر الإرهابي مازال قائماً وموجوداً، وجب التعاطي معه بالجدية اللازمة من طرف المواطنين، وما مناسبة تنوير الرأي العام بمستجدات هذه الخلية وبالعملية ككل إلا لحظة تحسيسية بالخطر الإرهابي، في سُنَّة محمودة تكشف الوجه الآخر لعمل هذه المؤسسة الأمنية الساهرة على الأمن ببلادنا.
سياسة الضربات الاستباقية التي ينهجها المغرب في أسلوبه الأمني أثبتت نجاعته، وجديته ومصداقيته، فهو يجيب من جهة على كل المشككين في وجود مثل هذه التنظيمات الإرهابية، ويؤكد كذلك على نجاح النموذج المغربي أمنياً، كما أنه يؤكد على حركية الأجهزة الأمنية التي تتبع المعلومة من بدايتها وصولاً للحظة التدخل الأمني الاستباقي، قبل ساعة الصفر وتنفيذ المخطط الإجرامي، مما يؤكد نجاعة النهج المغربي أمنياً في محاربة الإرهاب.
خلية “الأشقاء الثلاثة» لن تكون الأخيرة، فمادام هناك توتر في مختلف بقاع العالم، ومادام هناك فكر إرهابي متطرف في العالم يجوب بحرية العالم الافتراضي، فإن تحدي مواجهة الخطر الإرهابي سيظل قائماً وجدياً، وهو خطر لا يمكن أن يُترك الجهاز الأمني لوحده في مواجهته، لأنها معركة الجميع، معركة مختلف المؤسسات لتأطير المجتمع وتحسيسه وتوعيته بخطورة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، وإذا كان الجهاز الأمني يقوم بمهمته فعلى باقي المؤسسات أن تقوم بمهامها في محاربة ومحاصرة الإرهاب فكرة وتنظيماً.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 03/02/2025