من أجل شبيبة اتحادية منفتحة

فتح الله الرمضاني…

يعد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحزب الأول في المغرب، الذي أرسى قواعد التنظيم الحزبي، من خلال بناء أداة تنظيمية، تشكل آلية لتصريف خطابه وقناعاته، وقنطرة تربطه بمناضلاته ومناضليه. وكما يسجل التاريخ الحزبي بالمغرب، السبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في التأسيس لثقافة التنظيم داخل المشهد الحزبي المغربي، فهو يسجل له أيضا، أنه الحزب الوحيد الذي جعل من مؤتمراته العشرة، لحظات حقيقية لتأهيل أداته التنظيمية، حيث كانت مسألة التنظيم، تأخذ دائما حيزا مهما من نقاش المناضلات والمناضلين، بشكل تحكمه خلفية واحدة، أساسها الإجابة عن سؤال الاستمرارية، من جهة، ومن جهة أخرى، البحث عن سبل وآليات جديدة تتيح له الوصول إلى أكبر عدد من المغاربة.

المعلوم، أنه من بين الأسئلة المهمة التي تؤرق الأحزاب الحقيقية، سؤال الاستمرارية، وهو السؤال الذي حاول حزبنا الإجابة عنه دائما، بصورة تنطلق من الشرطين الذاتي والموضوعي، أي انطلاقا من أوضاعه الداخلية، وأحوال مناضليه، وطبيعة العلاقات التنظيمية بينهم، كبيئة داخلية، ثم باستحضار شروط البيئة الخارجية، كالمتغيرات الحزبية والسياسية، والتحولات العالمية، وبطبيعة الحال مع التأكيد على هوية الحزب كحزب اشتراكي ديمقراطي حداثي.
لقد خلص الاتحاديون سابقا، إلى أن ضمان استمرارية الحزب، لن يتحقق فقط بتجديد أطروحته السياسية، وجعلها أطروحة متضمنة لأجوبة عن كل الأسئلة المطروحة على الحزب والوطن خلال كل ظرفية معينة، بل هو مشروط أيضا، بتأهيل بنيات الحزب وأجهزته، وتوسيع قاعدته، حتى يكون الحزب إطارا جماهيريا، يستوعب فئات مجتمعية عديدة، وهي عملية مستمرة، كان مضمونها الاستقطاب المدروس في مراحل معينة من تاريخ الاتحاد، ثم الانفتاح المفتوح في مراحل أخرى، وهو ما أدى بطبيعة الحال، إلى ظهور ممارسات تنظيمية داخلية، لا علاقة لها بثقافة وأعراف الاتحاد، ما جعل الاتحاديين في المؤتمر التاسع، يقررون تقنين عملية انفتاح الحزب، وجعل أبوابه مفتوحة أمام المغاربة الذين يؤمنون بقيمه وتوجهاته، حفاظا على هويته التي تشكل إجماعا لدى الاتحاديات والاتحاديين.
إن اعتبار الأداة التنظيمية، قنطرة تربط الحزب بكل فئات المجتمع، جعل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يؤسس تنظيمات قطاعية فئوية موازية، تلعب دور الوساطة بينه وبين الفئات المجتمعية التي تنتمي إليها. فالشبيبة الاتحادية، كقطاع شبيبي، لعب أدوارا مهمة في تأطير الشبيبة المغربية، وفي التفكير معها ولأجلها، تأثرت دائما بالاختيارات التنظيمية للاتحاد الاشتراكي، بل كانت أيضا فاعلا أساسيا في تفعيل تلك الاختيارات، وانطلاقا من هذه المسؤولية، فالشبيبة الاتحادية، ولأنها أداة الحزب للفعل من داخل فئة الشباب، وهي الفئة التي تعرف اليوم تطورات وتغيرات مهمة، مطلوب منها اليوم أن تفكر في آليات جديدة تضمن بها استمرار أداء أهم وظائفها المتمثلة في التأطير، وتعبئة طاقات أكبر عدد من الشباب، وتمكينهم من منبر للتعبير، ومن مؤسسة للتنشئة السياسية، وأن تكون المنظمة بالنسبة إليهم قناة ناجعة للتفاعل مع المجتمع.

إن هذه الأهداف، أو هذه الأدوار والوظائف التاريخية والرئيسية للشبيبة الاتحادية، أصبحت اليوم شبه معطلة، وأضحت المنظمة تعيش حالة ركود قسري، والأسباب التي أدت إلى هذا الركود، أسباب كثيرة ومتعددة، منها الذاتي، المرتبط بالشبيبة الاتحادية كإطار، ومنها ما هو موضوعي، والذي ساهمت فيه دوافع عديدة، كأفول الفعل التلاميذي، والذي شكلت الوداديات التلامذية في السابق وعاء مهما له، وغياب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي لعب أدوارا أساسية في بناء الشخصية السياسية لعدد كبير من الطلبة، والأهم تشكل عقلية جماعية لدى المغاربة، تلصق بالممارسة السياسية، وبالانتماء إلى الإطارات السياسية، كل الصفات السلبية، مما أدى إلى تراجع حضور وأداء مؤسسات التنشئة السياسية، ولا حل لتجاوز هذا الوضع، غير الفهم السليم لانتظارات وانشغالات الشبيبة المغربية، حتى يتمكن المناضلات والمناضلين من بناء أداة تنظيمية قادرة على الفعل وسط الشباب، هذا الفهم الذي لا يمكن إدراكه، إلا من خلال طرح أسئلة واضحة تتوخى إيجاد أجوبة حقيقية، تشكل مدخلا للتفكير بخصوص صورة وطبيعة ومستقبل المنظمة، ولعل أهم الأسئلة التي يجب طرحها في هذا السياق هي: ما الذي يعنيه الالتزام السياسي عند الشباب المغربي اليوم؟ الأكيد أنه لا يرادف في معناه، معنى الالتزام، والتضحية، والنضال لأجل التغيير، من خلال الانخراط في مشروع مجتمعي شامل ومتكامل، بل هو لا يعني عند جزء منهم، غير وسيلة للترقي الاجتماعي، ولتدبير المسارات الشخصية، ولا يعني عند جزء آخر، غير آلية للتنفيس الذاتي من خلال توترات مرحلية، ثم ما هو مستوى المسؤولية التي تتحملها المؤسسات الاجتماعية في هذا الوضع؟ أو ما هو دور الأسرة والإعلام والمدرسة والجامعة ومراكز التكوين المهني في تكوين الشباب؟ هل يمكن الرهان فقط على مؤسسات التنشئة السياسية للقيام بهذا الدور؟ وهل الثقافة السياسية السائدة وسط الشباب المغربي، ثقافة سليمة؟ أليس من الضروري التعبئة الشاملة، لتعويض هذه الثقافة، – التي لا تعني في كل الأحوال غير مجموع ما هو شائع سواء كان خطأ أو صحيحا- بمفهوم التربية السياسية؟ أليس من الضروري العمل على تصحيح العلاقة بين الشباب والسياسة، من خلال تصحيح مجموعة من المفاهيم المغلوطة والسائدة، كتمثلهم للدولة وللأحزاب ولأدوار كل منهما؟ ألا يدفع الوضع العام بالمغرب اليوم كل مهتم، إلى مجابهة النزعات التي تؤسس إلى التعسف في استخدام الحق، بصورة تغيّب القانون؟ هذه بعض الأسئلة وغيرها كثير، وهي التي يجب أن تحكم أي محاولة للتفكير في تأهيل أدوار الشبيبة الاتحادية.
تاريخيا، كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يستمد قوته من شبابه، الذي كان يشكل طليعة للشباب المغربي، والذي تميز بحضور مهم بل رئيسي في محطات وطنية وحزبية مهمة. فالسي عبد الرحيم بوعبيد، كان من الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال وعمره لم يتجاوز 28 سنة. والشهيد المهدي بنبركة، كان محركا لحركات التحرر العالمية، وملهما لرموز تحررية عالمية وهو في الأربعين من عمره. والشهيد عمر بنجلون، سجل اسمه كمحرك رئيسي للعمل النقابي والسياسي في المغرب الحديث، وهو في عقده الرابع، بل إن الكاتب الأول الحالي للحزب، كان عضوا في أول مكتب وطني للشبيبة الاتحادية، والمكتب السياسي الحالي يضم ثلاثة أجيال من قادة الشبيبة الاتحادية.
إن ضمان استمرار هذا الحضور، وبهذا الشكل وهذه الفاعلية، هو الذي يجب أن يحكم تصورنا للفعل الشبيبي الذي نريد، أي لمستقبل الحزب الذي نريد، فهل يمكن ضمان استمرار الاتحاد الاشتراكي، من دون ضمان سلسلة اتحادية منظمة ومسؤولة؟ هل يمكن التفكير في أساليب وآليات جديدة، تضمن مستقبل الاتحاد في المشهد السياسي، دون أن يجدد النظر في علاقته بشبابه؟ ومن دون أن يعيد التفكير في شكل وصورة الشبيبة الاتحادية كتنظيم شبيبي اتحادي؟
الجواب عن هذه الأسئلة، لا يمكن أن يشكل فارقا، إلا مع وجود شباب اتحادي مسؤول وملتزم، جدير بتاريخ الحزب والمنظمة، ومسؤول عن حاضرهما، ومعني بمستقبلهما، وهو الشرط الذي يفرض بناء هذا الشباب، من خلال تأهيل الإطار الذي يحتضنه، أي من خلال تأهيل الشبيبة الاتحادية، وجعلها قنطرة تربطه بالشبيبة المغربية، من خلال تجديد وسائل اشتغالها، وبصورة تستوعب التحولات التي طرأت على اهتمامات وانشغالات وأفكار الشباب المغربي، والتي أدت إلى تغير في وعيه السياسي، مما نتج عنه ابتداع أساليب شبيبية جديدة، يضمن بها انخراطه في العمل السياسي، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، الفضاء الوحيد الذي يستوعب هذه الأساليب وبالتالي هذا الانخراط، وهو الأمر الذي يفرض التفكير في صيغ تنظيمية جديدة، تستوعب جميع هذه المتغيرات، إذ لم يعد مقبولا ولا مجديا، الاستمرار في العمل بواسطة آليات الاشتغال الكلاسيكية، بل مفروض التفكير في آليات جديدة، تمكن المنظمة من الوصول إلى الفضاءات الجديدة التي تنشط فيها وتوجد بها الشبيبة المغربية، وبطبيعة الحال دون نسيان الفضاءات التقليدية، كالمدرسة والجامعة ودور الشباب. إلخ.
إن القول بضرورة التفكير في صيغ تنظيمية جديدة تتبناها الشبيبة الاتحادية، وبشكل يستحضر مواقع التواصل الاجتماعي كفضاءات نجحت في استيعاب عدد مهم من الشباب المهتم بالشأن السياسي بالبلد، لا يعني الاقتصار على الاشتغال من داخل ما تتيحه هذه الفضاءات من واجهات وآليات، بل هي دعوة لتحديث البنية التنظيمية للمنظمة، وبشكل يطرح أسئلة حقيقية، مضمونها كيفية جعل الشبيبة الاتحادية، منظمة مفتوحة أمام الشبيبة المغربية، وبشكل يجعل الولوج إليها، سهلا ومرنا بالمقارنة مع الولوج إلى تلك الفضاءات.
وبصيغة أخرى، مطلوب منا طرح مجموعة من الأسئلة المرتبطة بأداتنا التنظيمية، وبأدائنا النضالي، ومن أهمها، هل أداتنا التنظيمية الحالية، قادرة على أداء وظائفها؟ وبالتالي هل هي أداة لا تزال قادرة على تحقيق الهدف الذي أحدثت لأجله؟ ثم ألا يمكن التفكير في آليات جديدة، تجعل حضورنا لا يختزل من داخل المقرات فقط؟ ألا يمكن أن نفكر في آليات تضمن حضورنا من داخل الشبكة العنكبوتية؟ ألا يمكننا خلق فروع إلكترونية؟ تستوعب نقاشاتنا السياسية والتنظيمية، بصورة تشرك الشبيبة المغربية؟ ألن تعطي هذه الآليات الجديدة، معنى حقيقيا للانفتاح الذي نريد؟
إن الهدف من ابتكار آليات اشتغال جديدة، يكون أساسها بنية تنظيمية حديثة، لا يعني الدعوة إلى بناء تنظيم شبيبي مفتوح، على شاكلة الحركات الليبرالية الواسعة، التي تضم تيارات فكرية عديدة، بمرجعيات مختلفة، وبأهداف انتهازية موحدة، كما إن هذا التحديد، لا يعني جعل المنظمة تنظيما شبيبيا مغلقا، شبيها بالتنظيمات الانضباطية، التي تلغي الحق في الاختلاف، بل هي دعوة إلى جعل الشبيبة الاتحادية، منظمة مفتوحة أمام كل الشباب المغربي، المؤمن بالاشتراكية والديمقراطية وبالقيم الكونية، أي أنها دعوة إلى البحث عن هذا الشباب، والوصول إليه في أي مكان يوجد فيه، وفي هذا الإطار، وانسجاما مع هويتنا الاشتراكية الديمقراطية، ومع تصورنا الديمقراطي والحداثي للمغرب، الذي نناضل لأجله، ولأن الشبيبة الاتحادية كانت دائما فضاء مفتوحا أمام الشباب المغربي المؤمن بالحداثة والديمقراطية وبكل القيم الكونية، ونظرا للتغيرات والتحولات التي عرفها المجتمع المغربي، خصوصا المرتبطة باهتمامات الشبيبة المغربية، والتي أثرت فيها بشكل واضح تقنيات التواصل الحديثة، التي أتاحتها الثورة الإلكترونية التي عرفها العالم خلال العقد الأخير من الزمن، وكخطوة أولى، تهدف إلى تجديد الشبيبة الاتحادية، فكرة وأسلوبا وأداة، جاء التفكير في مبادرة ” انفتاح”، التي تشكل إعلانا عن فتح أبواب الشبيبة الاتحادية، أمام كل الشباب المغربي المؤمن بقيم حقوق الانسان، وبالعدالة الاجتماعية، وبالاشتراكية وبالديمقراطية، كمحددات رئيسية لكل مقاربة تطمح إلى تحقيق التغيير، خصوصا أمام كل شابة أو شاب يساري، إيمانا منا أن اليسار يوجد داخل المجتمع، ومن داخل كل فئاته، وهي تشكل أيضا قرارا يتأسس على جعل بنيات الشبيبة الاتحادية الأفقية والعمودية، بنيات مفتوحة، بشكل مرن وسهل، أمام الشباب المغربي المؤمن بالقيم الكونية، من أجل تعزيز صفوف المنظمة، ومن أجل الانخراط في بناء المغرب الديمقراطي الحداثي الذي ترتكز ثقافته على حقوق الانسان.

• عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية

الكاتب : فتح الله الرمضاني… - بتاريخ : 11/01/2019