من مراكب الفتح إلى قوارب الموت

فريدة بوفتاس

المكان هو المكان، حوض متوسط يفصل جغرافيا بين قارتين ، والزمان هو ما تنطع عن أن يسري عليه الثبات، وكذلك الإنسان .
بقرية بليونش، وعلى شاطئ جبل موسى قبالة جبل طارق ومدينة طريفة، وأنت جالس ترنو بانبهار الى بهاء زرقة تتصالح فيها السماء مع الأرض ، كأنهما صفحة واحدة، إلى ان يذكرك عبور بواخر قادمة من الميناء المتوسطي وهو الإنجاز المغربي الكبير ، أنك في منطقة البوغاز التي كانت ولا زالت تضج بالأحداث العظام، التي تسكن التاريخ الذي لم تتوقف كتابته وطرافته ، ولونت عديد التصورات ، الأطروحات والقراءات المداد الذي خطه ، وهي تحاول كلها رصد تحركات هنا وهناك اختلفت دوافعها وغاياتها ومآلاتها .
يا للطرافة !!
كيف لبوغاز ضيق أن يتسع لحضارتين وثقافتين تواجهتا وتصارعتا وتفاعلتا دون أن تجنح كلتاهما للرضوخ لبعضهما رغم كل ما حدث عبر الزمن .
وكان مما قد حدث ما ذكره العلامة المقري التلمساني (1578م 1631( بخصوص طريفة التي أخذت اسمها من الأمازيغي المغربي طريف.
«كتب موسى بن نصير إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك يخبره بالذي دعا إليه le count julian من أمر الأندلس، ويستأذنه في افتتاحها، فكتب إليه الوليد، أن خضها بالسرايا، حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الاهوال، فراجعه أنه ليس بحرا زخارا، إنما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه، فكتب إليه :
وإن كان، فلابد من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه، فبعث موسى عند ذلك رجلا من مواليه من البرابرة اسمه طريف يكنى بأبي زرعة، في أربعمائة رجل، معه مائة فرس سار بهم في أربعة مراكب فنزل جزيرة تقابل جزيرة الأندلس المعروفة بالخضراء التي هي اليوم معبر سفائنهم ودار صناعتهم ويقال لها اليوم جزيرة طريف لنزوله بها «.
كان زمنا عرف سطوع شمس حضارتنا وامتداد نورها إلى حيث كان يوجد آخر يخالفنا ثقافة وحضارة سطوع خلف أسماء الفاتحين عسكريا وثقافيا تنحث على الأزقة والقلاع والمآثر .
لكنها، شمس قدر لها الأفول، وتأتت للاخر فرصة ان يرد الصاع صاعين (الحركة الامبريالية في شمال افريقيا ).
شتان بين الأمس واليوم !!
هل لي بالتذكير بسؤال جمال الدين الأفغاني: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟
هو شعور حسرة راكمته، وأنا أتواجد بالمنطقة التي شهدت مؤخرا أحداث الهجرية الجماعية الشبابية المتفق عليها و التي أحدثت في نفوس المغاربة المخلصين للوطن شرخا وجرحا يصعب اندماله .
كيف لا، ونحن نواري أحلامهم /ن الثرى ، شباب يحمل تمثلات عن وجود أفضل وراء الأسلاك الشائكة المنبتة هنا وهناك ، يحملون معهم خيبات وانكسارات كان من الممكن ان لا تتولد عندهم ، لو تم احتضانهم من طرف الجميع :
المسؤولين أصحاب القرار ، رجال ونساء عالم السياسة، الأحزاب، الجمعيات، المدرسة، الأسرة،….
كم سنهدر من الوقت في هذا الضياع؟
لنتذكر أن أجدادهم /ن كانوا فاتحين، وهاهم أحفادهم /ن قد تحولوا إلى مجرد فارين .
فليعمل الجميع على ان يكون البوغاز مشتركنا الحضاري بدل ان يكون مقبرة مفتوحة لـ»الناجين».

الكاتب : فريدة بوفتاس - بتاريخ : 28/09/2024

التعليقات مغلقة.