نقط على الحروف… لا لخلط الأوراق

عبد السلام الرجواني

أثار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وما تلاه من تطورات، خاصة اعادة الاتصال الديبلوماسي بين المغرب واسرائل، نقاشات محمومة وقراءات متعارضة ومواقف متباعدة. والمؤسف ان كثيرا من المواقف اتسمت بالتطرف والعنف اللفظي في هذا الاتجاه او ذاك. تحدث البعض عن التطبيع والخيانة والعمالة ونادى البعض الآخر بالتنكر للقضية الفلسطينية والمضي قدما في تمتين العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة. وسمعنا كلاما سيئا في حق الجزائر وشعبها وفي القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني، مقابل أوصاف أسوأ في المغرب وحكومته وأحزابه. قد يكون هذا الانفلات الإعلامي وهذا التطرف في الأحكام ناتجا عن قوة الحدث الذي صدم وعي اجيال نشات على خطاب قومي رافض لاسرائيل باعتبارها راس حربة الامبريالية والصهيونية في قلب العالم العربي، ونشأ بعضها على خطاب يساري ثوري يرى في أمريكا عدوة للشعوب وراعية الانظمة الرجعية، وتربى بعض هذه الأجيال في كنف الحركة الإسلامية التي اعتبرت أمريكا شيطان العالم واوعدت اليهود بعودة جيش محمد. كل هذه الأطياف لم تقدر على استيعاب الأحداث المتلاحقة بخصوص الصحراء المغربية والعلاقات المغربية/ الامريكية/ الاسرائيلية، مع العلم ان اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه واحتمال احياء العلاقات المغربية الإسرائيلية ليسا وليدي اللحظة وانما هما في الحقيقة تتويج لصيرورة طويلة من المشاورات والمبادرات ضمن سياق دولي وإقليمي شجع على انضاج الموقف الأمريكي من الصحراء المغربية كما شجع المغرب على استعادة العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل.
ازاء هذه التطورات وما صاحبها من صخب إعلامي و»ضجيج اديولوجي» ارتاينا وضع نقط واضحة على الحروف المنقوطة وغير المنقوطة، على النحو التالي:
– اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء منعطف تاريخي قد يساعد على حسم النزاع في اتجاه الموقف المغربي، ومكسب سياسي للمغرب، ولا يمكن لاي مغربي الا ان يعتبره كذلك مهما كان رأيه في أمريكا/ الدولة، وأيا كان انتماؤه السياسي والمذهبي.
– الوحدة الترابية قضية وطنية أولى بالنسبة لكل المغاربة، وهي موضوع إجماع وطني لا يخرج عنه سوى قلة قليلة من دعاة تقرير المصير. وبالتالي فهي ليست موضوع مزايدات ولا مقايضة او مساومة او غيرها من عبارات التبخيس السياسية. ومن حق المغرب ان يسلك مختلف السبل المشروعة لترسيخ وحدته الترابية، ومن ثم من حقه أن يستغل كل ما تتيحه السياقات السياسية الدولية والاقليمية من فرص لتقوية موقعه ضمن الاستراتيجيات الدولية التي تتصارع من اجل دعم نفوذها الاقتصادي والسياسي ووجودها العسكري في افريقيا. ومن المعلوم ان العلاقات الدولية في زمن العولمة لم تعد محكومة بالتوجهات الاديولوجية بقدر ما هي محكومة بالمصالح الاقتصادية والامن القومي للدول. لذا لا عيب ولا مانع ان يختار المغرب بناء شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية تشمل مختلف المجالات على اساس دعم الوحدة الترابية لبلدنا والإسهام في اقلاع اقتصادي وتنموي يعود على الشعب المغربي بالنفع.
– اعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية الى ما كانت عليه ليس بالضرورة تنكر للقضية الفلسطينية. فهي اولا ليست بالامر الجديد على الراي العام الوطني والعربي والدولي…وهي ثانيا تندرج ضمن توجه عربي عام اتجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل موازين قوى مختلة الاختلال كله لصالح إسرائيل بسبب انهيار التضامن العربي وسقوط انظمة جبهة التصدي والممانعة وانقسام الصف الفلسطيني وغيرها من عوامل السقوط العربي وانطفاء الوعي القومي ونهاية الاديولوجية القومية. لم يمنع وجود روابط بين المغرب وإسرائيل من ان يلعب المغرب دورا مركزيا في دعم الشعب الفلسطيني وفي الدفاع عن حقه في إنشاء دولته الفلسطينية ضمن حدود ما قبل حرب ١٩٦٧، وفي الوقوف الى جانب الثورة الفلسطينية في أوقات عصيبة دون مساومة ولا ابتزاز، مع العلم ان الموقف الفلسطيني لم يكن واحدا من قضية وحدتنا الترابية. واعتقد، طبقا لبلاغ الديوان الملكي، وبناء على بيانات الاحزاب السياسية، لن يقبل بحل آخر للقضية الفلسطينية دون الحل العادل المتمثل في دولة فلسطينية الى جوار دولة اسرائيل، والذي لا يبدو في الأفق طريق اليه سوى العودة الى المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويمكن للمغرب ان ينهض الى جانب أمريكا بدور اساسي في الوساطة الايجابية بين الجانبين.
– غضب بعض الفلسطينيين من اعادة الاتصال بين المغرب وإسرائيل لا معنى في ظل وجود اتصالات دائمة ومباشرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، وما دام المغرب يعلن على المكشوف ان يتغيا ان يحعل علاقته بإسرائيل في خدمة الشعب الفلسطيني. ومهما كانت ردود فعل بعض التنظيمات والشخصيات الفلسطينية علينا نحن المغاربة ان تتشبث بموقفنا الثابت من حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته لانه حق مشروع لشعب اغتصبت أرضه واهينت إنسانيته.
– بنفس الروح الأخوية علينا نحن المغاربة ان نحفظ علاقاتنا بالشعب الجزائري الشقيق من كل رياح التعصب والكراهية.فبقدر تشبثنا بالوحدة الترابية علينا ان نصون العلاقة الأخوية العميقة بالشعب الجزائري ونضع نصب أعيننا الوحدة المغاربية التي تظل رغم كل العواصف المشروع المستقبلي الكفيل بتحقيق آمال الشعوب المغاربية.خلافنا اليوم هو خلاف مع النظام العسكري الجاثم على نفوس الجزائريين انفسهم وليس مع الشعب الجزائري الذي تشاركه التاريخ والجغرافيا والحلم في الوحدة.

الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 31/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *