هل آن أوان العودة إلى: «الحبة والبارود من دار القايد؟»

زوبدي نورالدين
عرف صيف هذا العام عودة قوية لمواسم التبوريدة في عدد كبير من الجماعات الترابية، حيث امتلأت الساحات بالخيل والفرسان والبارود، في مشاهد أعادت إلى الأذهان تراثًا عريقًا له جذوره العميقة في الذاكرة الجماعية المغربية. الجمهور توافد بكثافة، والتجار نشّطوا أسواقهم، وتحول الفضاء العام إلى متنفس شعبي طال انتظاره.
لكن، ككل ظاهرة مجتمعية، انقسم الرأي العام بين من يرى في هذه المواسم تبذيرًا للمال العام، كان من الأجدر توجيهه إلى مشاريع تنموية كالماء الصالح للشرب، أو إصلاح البنية التحتية، وبين من يعتبر أن الترفيه حق أساسي لا يقل أهمية عن باقي الحقوق، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. فليس من المعقول أن يبقى المواطن رهين الجدران والمقاهي، دون لحظة فرح جماعي تُعيد له شيئًا من التوازن.
وسط هذا الزخم، برزت إشكالية جديدة وغير متوقعة: ندرة “الحبة” وارتفاع ثمنها بشكل غير مسبوق. و”الحبة”، كما يعرفها أهل التبوريدة، هي المادة الأساسية إلى جانب البارود التي تُستعمل في إطلاق البندقية التقليدية. كان سعرها يتراوح ما بين 150 و200 درهم، لكنه قفز فجأة إلى 750 درهم، ما أثار قلقًا واسعًا بين منظمي المواسم المقبلة. العديد من رؤساء الجماعات وجدوا أنفسهم مضطرين لإجراء اتصالات عاجلة مع جهات مختلفة لتأمين “الحبة”، خوفًا من فشل الموسم أو غياب الطلقة الجماعية التي تُعدّ لحظة الذروة في كل عرض فروسية. هنا تعود إلى الواجهة مقولة عتيقة طالما رددها المغاربة في لحظات الحاجة والقلق:
“الحبة والبارود من دار القايد.”
هذه المقولة تعود إلى زمن كانت فيه السلطة المحلية (القايد) هي من يُؤمن العتاد الحربي للقبيلة، حين كانت الحروب تُخاض بخيول وبنادق تقليدية، مملوءة بالبارود والمسامير، في إطار ما كان يُعرف بـ”الحركات”. يومها، كانت القيادة مسؤولة عن التموين، لأن الأمر يتعلق بالدفاع عن القبيلة والهوية.
لقد شاهدنا في السنوات الأخيرة كيف أن منع استعمال البارود في بعض العروض خارج الوطن قد تسبب في احتجاجات حقيقية من طرف الفرسان، كما حدث في ما عُرف إعلاميًا بـ”واقعة ميلانو”، حين سافر فرسان مغاربة من الفقيه بن صالح إلى إيطاليا للمشاركة في عرض فني كبير، حاملين معهم خيولهم وعتادهم التقليدي، ليُفاجَأوا هناك بمنع استعمال البارود. فكانت الصدمة والاحتجاج، وانتهت الرحلة بخيبة أمل.
فهل نريد تكرار هذا السيناريو داخل الوطن بسبب غياب “الحبة” أو تركها للمضاربة؟
ربما حان الوقت لإعادة التفكير في كيفية توفير “الحبة” وضبط سوقها، بدل تركها في يد تجار الأزمات الذين يستغلون المناسبات لرفع الأسعار والمضاربة على حساب فرجة الناس وتراثهم.
فالمسألة لم تعد مجرد إشكال تقني، بل أصبحت تهديدًا حقيقيًا لاستمرارية طقس شعبي له رمزيته التاريخية والاجتماعية. فـ”الحبة” ليست مجرد عنصر يُشعل البارود، بل مكون من مكونات الذاكرة الجماعية، وشرارة تُحيي تقاليد لا تزال حاضرة بقوة في وجدان المغاربة.
فهل نتركها للمضاربين، أم نحميها كما نحمي تراثنا؟
الكاتب : زوبدي نورالدين - بتاريخ : 01/09/2025