هل باستطاعة أوروبا الحفاظ على شراكتها التاريخية مع إدارة دونالد ترامب؟
باريس: يوسف لهلالي
بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب لحقبة رئاسية جديدة، تبدو أوروبا كما لو أنها لم تكن مستعدة لهذه الوضعية الجديدة، وهذا التحول الجيوسياسي الذي من المتوقع أن يمس العلاقات بين بروكسيل وواشنطن، خاصة أن الروابط مع الولايات المتحدة جد قوية، وتجمعهما شراكة تعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي شراكة اقتصادية قوية تجعل أوروبا أول شريك اقتصادي وتجاري للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تتجاوز ما هو تجاري إلى الجانب الأمني والعسكري، في إطار التحالف الأطلسي، لكن هل يصمد هذا التحالف اليوم أمام سياسة إدارة دونالد ترامب التي تعمل بمنطق “أمريكا أولا”، وتنهج سياسة انعزالية على المستوى الاقتصادي والتجاري من خلال تهديدها برفع الرسوم الجمركية حتى على حلفائها من الأوربيين، الذين يعتبرون أكبر شريك تجاري ويصدرون عددا كبيرا من منتوجاتهم الفلاحية والصناعية نحو الولايات المتحدة الأمريكية؟
التساؤل اليوم هو هل يتخلى ساكن البيت الأبيض الجديد عن هذه الشراكة، وهل سيعيد النظر في الأولويات على حساب العلاقة التاريخية الذي تجمعه بحلفائه الكلاسيكيين. وهل ينسحب أيضا من الالتزامات الأطلسية لواشنطن تجاه الحلفاء الأوربيين؟ هي كلها تساؤلات أصبح يطرحها الأوربيون بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتسلم مهامه في نهاية شهر يناير من السنة القادمة.
أغلب الأوربيين اليوم، خاصة فرنسا وألمانيا، يتخوفون من حرب تجارية مع الحليف الأمريكي، التي ستكون نتائجها جد سلبية على الجانبين، خاصة الجانب الأوربي، الذي يعاني اقتصاده من الهشاشة بسبب آثار الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.
في ما يخص التحالف الأطلسي، ترامب أعلن أنه سوف ينهي الحرب الروسية الأوكرانية في 24 ساعة، وسوف يوقف هذا الثقل المالي الضخم الذي تشكله هذه الحرب. ومن المؤكد أن ساكن البيت الأبيض هو من ستكون له الكلمة الأخيرة في وقف هذا النزاع في غياب تصور أوروبي موحد، سواء حول الحرب أو طريقة إيقافها، واتكال الأوربيين على القدرات العسكرية الأمريكية.
الكتلة الأوربية اليوم تنتظر كيف ستكون التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، وهي عاجزة أمام السياسة الأمريكية بل هي منقسمة على ذاتها سياسيا بفعل تباعد وجهات النظر وتباعد المصالح بين بلدان هذه الكتلة، سواء على المستوى الاقتصادي أو في ما يخص الاختيارات.
فرنسا والرئيس الفرنسي دعيا أكثر من مرة إلى نهج استراتيجية دفاعية أوروبية، وهي دعوة لم تتلق الإقبال حتى من الشريك الألماني، الذي فضل اقتناء الأسلحة الأمريكية بدل تطوير المشاريع الدفاعية الأوربية خاصة المشتركة بين باريس وبرلين. وفي خطابه بجامعة السوربون (4 /24) طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب شامل حول أوروبا ألقاه في جامعة السوربون، الدول الأوروبية بصياغة استراتيجية دفاعية أوروبية «ذات مصداقية» في مواجهة «الصواريخ الروسية». وحذر ماكرون من المخاطر العسكرية والاقتصادية التي قد تجعل «أوروبا تموت» أو «تتراجع» أمام القوى العظمى الأخرى.
لكن أغلب البلدان الأوروبية لم تستمع إلى هذا الخطاب الأوروبي للرئيس الفرنسي وكل بلد ينهج سياسة خاصة به.
نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وعودته إلى البيت الأبيض ثم استقباله، بابتهاج كبير، من طرف فيكتور اريبان رئيس المجر، الذي سوف يكون الحليف أو الوسيط بين الأوربيين وإدارة دونالد ترامب، بل إن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تشكل دعما للقوى اليمينية الشعبوية بأوروبا، التي بدأ يتقوى حضورها السياسي في أغلب بلدان أوروبا وتأخذ بعدا مهما في العديد من البلدان سواء إيطاليا، هولندا أو فرنسا أو حتى في ألمانيا نفسها، يهدد بتغيير وجه أوروبا نحو الشعبوية حيث إن العداء للإسلام والهجرة هو محرك هذه الأحزاب، التي بدأ توجهها يتصاعد بهذه القارة، ومن المؤكد أن نجاح دونالد ترامب سيكون دينامو محركا لها ولتطورها عبر العالم، كما حدث بالبرازيل ويحدث بالأرجنتين.
الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 29/11/2024