هل تتراجع الحكومة حقا عن الساعة الإضافية؟!

اسماعيل الحلوتي

في تصريح له، يوم الخميس 11 نونبر 2021، خلال ندوة صحافية عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، أعلن مصطفى بايتاس، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار قائد التحالف الحكومي الثلاثي والوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق باسم الحكومة، عن نية هذه الأخيرة في التراجع عن قرار الساعة الإضافية (غرينتش +1) المتخذ من قبل حكومة العثماني السابقة. وهي الساعة التي لم تنفك تثير جدلا واسعا واحتجاجات صاخبة منذ عام 2018 في الشارع والمدارس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بإلغائها وتفادي انعكاساتها السلبية. مؤكدا أن هناك مشاورات جارية في هذا الشأن من أجل دراسة موضوع العودة إلى التوقيت الأصلي في شموليته، ومعربا عن تفهمه لحجم معاناة الأسر مع أبنائها عند الاستيقاظ الباكر.
وبقدر ما استقبلت الفئات الأكثر تضررا هذا التصريح بكثير من الارتياح، بقدر ما أثار عدة ردود فعل متضاربة، إذ هناك من يشكك في مدى صدقية الحكومة وقدرتها على إزاحة هذا العبء الثقيل، لاسيما أن الوزير ربط بشكل فضفاض قرار العودة إلى التوقيت الرسمي بدراسة الموضوع في شموليته وحين تتاح للحكومة إمكانية تنفيذه.وهناك من سارع إلى انتقاد الحكومة لكونه يرى أنها تجاهلت قضايا أخرى أولى، تقتضي أن ينصب الاهتمام على معالجتها من قبيل قرار إجبارية «جواز التلقيح» الذي يقيد حرية المواطنين ويحرمهم من الحصول على عدة خدمات إدارية أساسية وغيرها، فيما يدعو آخرون إلى مراجعة بعض الضرائب وتخفيض أسعار المواد الأساسية التي أنهكت كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة…
فالساعة الإضافية أصبحت هما إضافيا في قلوب المغاربة من كبيرهم إلى صغيرهم، وإن لا ما كان لكل هذا الزخم من الجدل والاحتجاجات ليرافقها على مدار السنة، وخاصة مع كل موسم دراسي جديد، في تزامن مع حلول فصلي الخريف والشتاء، حيث تجد العديد من الأسر نفسها مضطرة إلى النهوض باكرا وإيقاظ أطفالها في الساعات الأولى من الصباح دون أن ينالوا قسطهم الكافي من النوم، وإعدادهم للخروج إلى مدارسهم، مما يترتب عنه عدة صعوبات صحية ونفسية. فضلا عما ينجم عنها من اضطرابات على عدة أصعدة مهنية واجتماعية وأمنية كذلك، من حيث التوجس من احتمال التعرض للاعتداء والسرقة أثناء مغادرة البيت في وقت مازال فيه الليل يرخي سدوله على الأرض.
وجدير بالذكر أنه رغم ارتفاع الأصوات عبر مختلف وسائل الإعلام وفي المدارس والفضاء العام، المنادية بإسقاط الساعة المشؤومة، لما تلحقه بالمواطنين من أضرار بليغة هم في غنى عنها، ودخول جمعيات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية ونقابية على الخط، مطالبة هي الأخرى بضرورة التعجيل بإلغائها والعودة إلى توقيت البلاد الرسمي، فإن الحكومة السابقة ظلت مصرة على تجاهل كل تلك الأصوات الداعية إلى التراجع عنها من خلال عدة مؤشرات موضوعية، وكأن مرسوم تنفيذها من الآيات القرآنية التي تستلزم احترامها وعدم المساس بها. علما أنه لم يكن أحد يقتنع بما كانت تقدمه من تبريرات واهية، كما تعبر عن ذلك ردود الفعل الغاضبة والاستياء العميق بين المواطنين، وتواصل الإصرار الجماعي على فتح تحقيق حول الدراسة التي ادعت وزارة الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة إذاك القيام بها، والكشف عن نتائجها وتكلفتها المالية للرأي العام الوطني، الذي لن يتوقف بأي حال عن المطالبة بإسقاطها عاجلا أم آجلا. ثم ما جدوى العمل بهذه الساعة إن كانت مجموعة من الدول الأوروبية التي تعتبر شريكا استراتيجيا للمغرب في المجال الاقتصادي والتعامل التجاري، قررت إعادة النظر في اعتمادها طول السنة والإبقاء عليها فقط خلال فترة الصيف؟
ففي هذا الإطار دعت الشبكة المغربية للتحالف المدني إلى ضرورة التأمل جيدا وبموضوعية في ما سبق لوزير الصحة الأسبق الحسين الوردي أن عرضه على أنظار مجلس النواب من تفاقم الحالة النفسية للمغاربة، من خلال النسبة المرعبة للأمراض النفسية المتفشية بينهم وحجم التذمر السائد الذي ما انفك منسوبه يتضاعف داخل المجتمع المغربي. كما أن المنظمة الديمقراطية للشغل التابعة لحزب الأصالة والمعاصرة المشارك في حكومة أخنوش الحالية، طالبت هي أيضا بمراجعة وإلغاء المرسوم المتعلق بالساعة الإضافية، والتعجيل بالعودة إلى تطبيق المرسوم الملكي رقم: 455-67 بتاريخ 2 يونيو 1967، معللة مطلبها الملح بما للساعة الإضافية من آثار مضرة بصحة وحياة المواطنين، وخصت بالذكر تلاميذ المدارس وأسرهم، العاملات والعاملين في القطاع الخاص، وكذلك الموظفات والموظفين الذين يعانون من نظام التوقيت غير المناسب مهنيا واجتماعيا وأسريا ونفسيا وصحيا أيضا.
إننا وبعد سلسلة من الشجب والتنديد بهذه الساعة اللعينة التي تم تثبيتها بصفة تعسفية على طول السنة، وحتى لا نظل ندور في حلقة مفرغة من الشد والجذب، ونكرر ما سبق للعديد من الملاحظين والخبراء التذكير به في أكثر من مناسبة عن سلبيات العمل بها وآثارها غير الصحية على المواطنين كبارا وصغارا. ندعو الحكومة ذات الأجنحة الثلاثة إلى الإسراع بتحقيق الرغبة الجامحة للمغاربة، في التخلص من هذه الساعة التي باتت تشكل تذمرا واسعا في أوساط المجتمع، وأن تحرص كثيرا على ألا تتخذ من القرارات إلا ما يخدم مصالح عموم المواطنين، ويبث الأمل في نفوسهم ويعيد لهم الثقة المفقودة في المؤسسات والمسؤولين، لأننا لا نقبل بالمزيد من إضاعة الوقت في النقاشات العقيمة وحول القرارات الجائرة…

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 24/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *