هل تدين محكمة العدل الدولية إسرائيل

فتحي أحمد

تتعلق الدعاوى القضائية للعدل الدولية بالسيادة والنزاعات الحدودية والبحرية، والتجارة والموارد الطبيعية، وانتهاكات اتفاقيات حقوق الإنسان، وتفسير الاتفاقيات، مع الأخذ بالحسبان اختلاف موضوع الاتفاقيات الدولية التي تتعارض فيها الدول. بالإضافة إلى قراراتها الملزمة لحل النزاعات بين الدول، يمكن للمحكمة أيضا تقديم رأي استشاري غير ملزم بشأن موضوع يتطلب خبرة في القانون الدولي.
معركة قانونية تنتظر إسرائيل في محكمة العدل الدولية.. فإسرائيل قررت، حسب بعض مسؤوليها، المثول أمام المحكمة الدولية للرد على دعوى قدمتها جنوب أفريقيا لمقاضاتها بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.
وكانت جنوب أفريقيا قد قدمت في وقت لاحق طلبا لرفع دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الدولية، على خلفية تورط إسرائيل في “أعمال إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين بقطاع غزة. ووفقا للدعوى التي قدمتها، فإن الاتهامات المتعلقة بنوايا إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة مدعومة باقتباسات من العديد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، بدءا من الرئيس إسحاق هرتسوغ وانتهاء بوزير التراث عميحاي إلياهو، فضلا عن الصورة الموثقة.
ويشير ملفوظ الخطاب القانوني للعدل الدولية إلى أنه يحق لأي دولة وقعت على اتفاقية تخص مجريات المحكمة الدولية أن ترفع قضية في المحكمة الدولية، وإسرائيل من ضمن مجموعة الدول التي وقعت على الاتفاقيات عام 1948، وتقديم جنوب أفريقيا قضية على إسرائيل جاء من تجربتها عندما كانت محتلة من دولة أخرى، وقد عانت من التمييز العنصري والقتل والدمار، كما يحصل اليوم في غزة.
هذا هو السبب المخفي، ولكن المعلن هو حسب ما قالته الخبيرة في القانون الدولي في جامعة رايخمان الإسرائيلية، دافنا ريتشموند – باراك، أن الدعوى ضد إسرائيل التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، تهدف إلى وقف الحرب على غزة بسرعة. وكانت جنوب أفريقيا قد حصلت على حكم أنصفها من سياسة الفصل العنصري عندما بتت محكمة العدل العليا لصالحها.
في العادة للمحكمة الدولية صفة استشارية تلجأ إليها الدول من أجل أخذ رأيها في موضوع معين. وتهدف محكمة العدل الدولية إلى فض النزاعات الدولية، إذ تعمل على حل النزاعات بين الدول طبقا للقانون الدولي والعدالة الدولية، أملا منها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتصدر بذلك قرارات قانونية ملزمة للدول الأعضاء يتوجب عليها الامتثال لها، كما تعمل أيضا على إصدار توجيهات قانونية بشأن تفسير وتطبيق الاتفاقيات الدولية.
غالبا ما تكون قرارات العدل الدولية غير ملزمة إلا في حالة الإبادة الجماعية، وحسب إجراءات المحكمة لا يستغرق البت في الحكم وقتا طويلا، وقد يحتاج إلى أيام وأسابيع فقط. ولكن يبقى الخلاف حول التبريرات المطروحة على العلن، وهل لإسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها. وهذا ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن في تركيا مؤخرا، وما أكده مرارا وتكرارا هو حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس وغيرها. من هنا يتدخل القانون بقوة وهو أن دولة الاحتلال دولة محتلة لقطاع غزة والضفة والقدس، وهذا ما يبدد ما يتشدق به الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فهي معركة وجود إذا ما استثنينا البعد التوراتي الديني حسب زعمهم.
نحن أمام أيام ربما تكون حاسمة على صعيد وقف العدوان على غزة أو استمراره بطريقة مخففة، أي حسب المثل الشعبي “ضربة على الحافر وأخرى على المسمار”. وهذه الحالة الاستثنائية في تقدير المراقبين مسرحية قد تنطلي على قضاة محكمة العدل الدولية. بمعنى آخر إسكات قضاة الدولية بتخفيف الضربات وإقناعهم بأن الضربات التي يتعرض لها القطاع ليست سوى دك لقواعد حماس. هذا هو المخرج الوحيد للخروج من إحراج المحكمة الدولية.
لا يخفى على المتابع أن السياسة الأميركية منحازة لإسرائيل بشكل كبير، والفيتو الأميركي جاهز ضد أي قرار يدين دولة الاحتلال. ولكن في هذه الحالة ربما يصبح العالم أمام مفترق طرق، وهو إما الضرب بقرارات المؤسسات الدولية عرض الحائط، أو الضغط على الكيان بوقف مجازره ضد المدنيين العزل في غزة.
ربما لم يفكر الساسة وصنَّاع القرار في واشنطن بأن شعوب العالم أصبحت أكثر وعيا من أي وقت مضى، فهي تدرك حجم الظلم الذي يقع على فلسطين وأهلها، وأن ما يجري اليوم في غزة هو نتيجة الظلم وحرمانهم من حرياتهم، ومنعهم من إقامة دولتهم التي ينشدونها منذ ردح من الزمن.
هذا التعميم الجذري عن مخرجات محكمة العدل الدولية بحاجة إلى إثبات العكس، إذا هي أنصفت الشعب الفلسطيني وأوقفت المجازر في غزة. من هنا تعيد المحكمة الدولية لنفسها اعتبارها كمؤسسة نزيهة ومحايدة، بعدما بلغ تحيز العدل الدولية لإسرائيل عنان السماء.
في سياق هذه الحالة الاستثنائية، يبقى السؤال المطروح: هل تنجح العدل الدولية في إيقاف العدوان على غزة؟

الكاتب : فتحي أحمد - بتاريخ : 13/01/2024