هل حان وقت استقالة الرميد؟ !

اسماعيل الحلوتي

طالما عودنا القيادي البارز وعضو الأمانة العامة بحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني المصطفى الرميد، على التلويح بالاستقالة من منصبه في عديد المناسبات سواء في الحكومة السابقة بقيادة الأمين العام السابق للحزب عبد الإله ابن كيران أو الحالية تحت رئاسة خلفه سعد الدين العثماني، دون أن تكون له الجرأة الكافية لترجمة ذلك على أرض الواقع، مما أفقده مصداقيته أمام الرأي العام الوطني، وجعل الكثيرين يتساءلون عن دواعي هذه التهديدات المتوالية بدون جدوى.
إذ هناك من يعتبر أن تكرار إشهار استقالته في وجوه خصومه السياسيين وغيرهم من حين لآخر، لا يعدو أن يكون شكلا من الابتزاز والمزايدات السياسوية الخاوية، وهناك من يرون فيه نوعا من تضخم الأنا والغرور لدى الرجل، وهناك كذلك من يعزون الأمر إلى ما دأب عليه قياديو الحزب الأغلبي من هروب إلى الأمام، ومحاولات يائسة للتملص من أي مسؤولية سياسية أو أخلاقية، سواء عندما كان وزيرا للعدل والحريات أو وهو يتقلد اليوم منصب وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان..
فالرميد الوزير المثير للجدل بخلاف بعض الوزراء القلائل، الذين قدموا استقالتهم من الحكومة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني إما احتجاجا على تصرفات معينة أو لأحد الأسباب الأخرى، لا يمتلك الحد الأدنى من الشجاعة للقيام بذلك ولن يكون أبدا هو الأول من يقدم على هذه الخطوة في عهد الملك محمد السادس. وليته أخذ العبرة من محمد زيان باعتباره هو أيضا شخصية مشاكسة، محامي ووزير حقوق الإنسان سابقا، الذي كان قدم استقالته من الحكومة على الهواء مباشرة من بلاطو القناة الثانية، احتجاجا على «حملة التطهير» التي قادها ضد رجال الأعمال وزير الداخلية الراحل: ادريس البصري.
ولأنه بعيد كل البعد عن الوزراء الذين يعرفون حدود مسؤولياتهم، ولا يقوى على مقاومة بريق المنصب وحلاوة الامتيازات والتعويضات، استطاب لعبة التلويح بالاستقالة لأغراض سياسوية، فكان لا يترك مناسبة تمر دون أن يحشر أنفه فيها على غرار كبيرهم صاحب أكبر معاش استثنائي.
ففي ظل الحديث عن إعفاء مجموعة من المسؤولين والوزراء أو استقالتهم، مباشرة بعد خطاب العرش لعام 2017 الذي انتقد فيه الملك بشدة أداء الإدارة والنخب السياسية، على خلفية تعثر وجمود عدد من الأوراش التنموية، مطالبا المسؤولين بتقديم الاستقالة إذا ما وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاضطلاع بمهامهم على الوجه الأكمل. وعن سؤال حول ما إذا كان يعتزم تنفيذ ما ظل يهدد به استقالة مادامت الفرصة مواتية، قال: «المهم هو أن يقوم المسؤول بواجبه مادام مسؤولا، وإذا رأى أنه لا جدوى من الاستمرار في تحمل المسؤولية، فجدير به المغادرة» وزاد قائلا: «أنا اليوم وزير دولة، أتحمل مسؤوليتي بما يرضي ضميري، أما ما يمكن أن يقع غدا، فعلمه عند الله تعالى»
وفعلا جاء الغد ووقعت «الواقعة»، التي ليست سوى تفجر فضيحة من العيار الثقيل، وليست بطلتها عدا الراحلة «جميلة بشر» المستخدمة بمكتب المحاماة التابع له منذ أزيد من عشرين سنة، والتي اتضح بعد وفاتها أنه غير مصرح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما يشهد بذلك تسجيل صوتي رائج بين الناس على نطاق واسع. لكننا لا نعرف بعد هذه المأساة، إن كان سيادته مازال يرى أن هناك جدوى من استمراره في تحمل المسؤولية بما يرضي ضميره. إذ بخروج عائلة المرحومة نيابة عنه وهو المحامي الشهير، بشريط صوتي لأحد أفرادها للثناء على الوزير عوض الحديث عن مدى صحة ما تناوله التسجيل من قضاء ابنتهم مدة تتجاوز عشرين سنة من العمل بدون حقوق اجتماعية، وهي النقطة الأساسية مثار الجدل ومحور الانتقادات الموجهة لمشغلها، الذي ليس سوى سيادة الوزير المكلف بحقوق الإنسان، المتهم بعدم احترامه أدنى الحقوق القانونية لمستخدميه.
من هنا وفي خضم الغليان الحاصل وتجاهله للواقعة، والتزام الصمت أمام تصاعد موجة التنديد والاستنكار، وهو الذي لم يكن يتأخر في الخروج للناس عبر صفحته الشخصية في الفيسبوك، تارة للتوضيح أو التعليق على بعض الأحداث وأخرى للهجوم على خصومه السياسيين وغيرهم، كان ضروريا أن يتم ربط الاتصال ب»مصالح إدارية» من داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قصد استجلاء حقيقة الأمر، فتأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لم يسبق إدراج اسم الفقيدة والبيانات المتعلقة بها ضمن قائمة المصرح بهم من قبل «باطروناتهم».
إن فضيحة حرمان من كانت قيد حياتها مكلفة بملفات وتسيير شؤون مكتبه للمحاماة قبل وبعد استوزاره من الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي والاستفادة من التغطية الصحية، تؤكد ازدواجية الخطاب والمواقف لدى الوزير الرميد والتنظيم التابع له وتكشف عن طبيعة الفكر الذي يؤمنون به. فضلا عن أنها تبين كذلك إلى أي حد أنه لم يكن بذلك المحامي الذي طالما اعتقد الناس أنه ينتصب للدفاع عن العمال والمستخدمين في مواجهة غطرسة الباطرونا وحماية حقوقهم، استجابة لصوت الضمير وسعيا إلى إحقاق الحق، وإنما بهدف إغناء رصيده البنكي ليس إلا. وعليه صار غير جدير بثقة المواطنين وملزما بالاستقالة الفورية…

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 22/06/2020