هل ستتحول أوكرانيا إلى أفغانستان أخرى ؟

عزيز أمعي

أصبحنا اليوم وبعد مرور ما يقارب ثلاثة أسابيع على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، متـأكدين أن الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، ليست حربا بين دولة روسيا القوية عسكريا، بقيادة فلادمير بوتين وأوكرانيا وهي أقل منها قوة بزعامة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بل إن عمق الصراع هو صراع جيو- استراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة والغرب عموما، وشاء الحظ العاثر لأوكرانيا أن تكون حلبة وملعبا لهذا الصراع.
أول ملاحظة يمكن تسجيلها بخصوص هذه الحرب، ولعل الملاحظات كثيرة بخصوصها، هو أن دخول روسيا، التي تعتبر نفسها قد أجبرت على شن حملة عسكرية ضد أوكرانيا، لأن الولايات المتحدة والغرب عموما ، أي حلف الناتو، يريدون تطويق روسيا من كل جهة، ويريدون ضم أوكرانيا إلى حلفهم حتى يصبح لهم موقع هام على أبواب روسيا. وكان على بوتين أن يتصرف، لأن المخطط الغربي ، ليس وليد اليوم، فمنذ 2014 اشتد الصراع الخفي بين الدولتين العظميين نوويا، وكانت نتيجته هجوم الروس على أوكرانيا ليقطعوا الطريق على أي استيطان مسلح للناتو في أوكرانيا. .
نعم قرر بوتين الدخول في حرب ضروس ضد أوكرانيا، وأصبح يحتل جزءا كبيرا من ترابها. هذا الدخول وكما أسلفنا أراد بوتين من خلاله أن يبعث برسالة واضحة إلى دول الناتو بزعامة الولايات الأمريكية، مفادها أنه لن يسمح لهم بأن يهددوا أمن روسيا من خلال ضم أوكرانيا إلى صفهم، وهو البلد الذي يقع على أعتاب روسيا، مما يجعل انضمامها إلى الناتو بمثابة سيطرة الولايات المتحدة وحلفها على جزء لا يتجزأ من روسيا.
دخول بوتين ومراهنته على خيار الحرب، كان يعرف تبعاته، أي أنه كان يعرف أن أول ما سيواجه به الغرب بقيادة الولايات المتحدة، هي العقوبات الاقتصادية. أما المواجهة العسكرية المباشرة، فكان المنطق يستبعدها، بسبب خوف الغرب من مواجهة نووية تداعياتها لن تكون محمودة لكلا الطرفين، بل وللبشرية جمعاء.
ما لم يتوقعه بوتين ربما، هو أن تتوحد أوربا كلها ضده وتوافق على تلك العقوبات الجد قاسية التي فرضت على بوتين ورجالاته والبلد كله. لقد ظن الرئيس الروسي أن دولا أوربية كألمانيا وفرنسا بالخصوص لن تكونا قاسيتين معه، بسبب احتياجها للغاز الطبيعي بالخصوص الذي تستورد منه هاتان الدولتان كميات جد كبيرة تتجاوز 50في المائة من وارداتها الطاقية.لكن الولايات المتحدة أصرت، وبريطانيا كذلك، وأصبح التكتل الأوربي الذي لم يكن ملتحما بما يكفي قبل الأزمة الأوكرانية ملتحما بقوة، والفضل في ذلك يعود إلى السيد بوتين، الذي أيقظ الحمية الأوربية بين دول لم تكن قبل الأزمة ملتحمة بما يكفي .
الملاحظة الثانية، هي أن دخول الجيوش الروسية إلى أوكرانيا تذكرنا بدخول جيش الاتحاد السوفياتي سابقا إلى دولة أفغانستان إبان سبعينيات القرن الماضي، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فهل سيعيد نفس النتائج وتخرج روسيا مندحرة من أوكرانيا، سواء عن طريق الحل الدبلوماسي أو بعجزها عن تحقيق الأهداف التي دخلت من أجل تحقيقها، ذلك ما سيكشف عنه المستقبل القريب .
ما يجعلنا نضع المقارنة مع وجود فارق الزمان، والإمكانات، هو أن الغرب واجه في هذه الأزمة بوتين بقسوة لم يواجه بها ليونيد برجنيف رئيس الاتحاد السوفيتي المفكك. ففي عهد الأخير لم يعاقب العالم الغربي السوفيات بنفس حزمة العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضها على بوتين، ولا زالت العقوبات تعد بالمزيد. بل أعدت له حركة طالبان، وراحت تزودها بالسلاح والعتاد، وتركتها تقارع جيش السوفيات إلى أن اضطر برجنيف إلى الخروج من أفغانستان مرغما وهو يجر أذيال الهزيمة .
الروس اليوم، يواجهون الأمرين، فمن جهة سيخنقون اقتصاديا بسبب العقوبات الاقتصادية، ولو على المدى المتوسط والطويل. ولن يحققوا الانتصار لأن دولا تزود الجيش الأوكراني بالسلاح المتطور، وتقدم لهم المساعدة الاستخباراتية لمواجهة الروس، مما يعني أن مهمة السيد بوتين لن تكون بالسهولة التي تخيلها وهو يهاجم أوكرانيا، بدليل أنه وبعد مضي ثلاثة أسابيع، ونقترب من استيفاء الشهر، لم يتمكن خلال هذه المدة من حسم الحرب لصالحه. لم يتمكن بوتين أن يرغم الحكومة الأوكرانية على رفع الراية البيضاء، ولم يتمكن من أن يرغمها أيضا على قبول شروطه المجحفة التي أعدها في الكرملين، قبل أن يرسل جيوشه ليأتوه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، صاغرا ليركع بين يديه.
خلاصة القول ، يبدو أن هذا الصراع لن يحسم عن طريق الحرب، لأنه صراع الكبار، وهما حاضران بقوة في أوكرانيا. قد يتطلب الوصول إلى التفاهم مزيدا من الوقت، ومزيدا من القتلى والمشردين. لكن في النهاية غالبا، وأقول غالبا، لن يكون أمام الغرب سوى طمأنة بوتين بأنه لن يتعرض لأذى من قبلهم وربما قدموا له ضمانات بهذا الشأن، وحينها لن يكون أمامه سوى الموافقة على التخلي عن شروطه الأولى في التفاوض مع رئيس أوكرانيا، لأن الانتصار النهائي على هذا البلد لن يتم له، وإذا رفض الحل الدبلوماسي، فإن ذلك يعني أن الصراع سيطول وسنتابع أطوار مسلسل شبيه بما عاشه الروس سابقا في أفغانستان.

(*)كاتب وروائي

الكاتب : عزيز أمعي - بتاريخ : 16/03/2022

التعليقات مغلقة.