هل لا تزال للاقتصاد المغربي ملامح إنسانية؟
بقلم: محمد السوعلي(*)
في عالم مضطرب تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية، استطاع المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، أن يحافظ على استقراره الداخلي ويواصل مسار الإصلاح والتنمية، من خلال إطلاق مشاريع مهيكلة وبرامج إنمائية واعدة تهدف إلى تعزيز الاستثمار وتحفيز التشغيل. وقد شكّل خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2025 لحظة فارقة في رسم ملامح المرحلة المقبلة، حيث دعا جلالته إلى “تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية” و”جعل الاقتصاد في خدمة المواطن”، مؤكدًا أن «مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، فإنني لا أستحيي إلا إذا لم تساهم هذه المكاسب، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين». وهي رسالة ملكية قوية تعكس إرادة راسخة في جعل النمو الاقتصادي وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، لا غاية في حد ذاته.هذا النداء الملكي لم يأتِ من فراغ، بل يُعبّر عن وعي عميق بوجود مفارقة مؤلمة بين ما يُسجَّل من نمو اقتصادي على الورق، وما يعيشه المواطن يوميًا من تدهور في القدرة الشرائية وتوسع للفوارق الاجتماعية.
الاقتصاد بين الأرقام والسياسات: معاناة المواطن في صلب الاهتمام الاتحادي
تفيد معطيات رسمية أن 76% من الأسر المغربية تصرح بتدهور مستوى عيشها سنة 2025، بينما تُظهر مؤشرات البطالة والهشاشة الاجتماعية هشاشة في البنية الاجتماعية. ففي ظل ركود الأجور وارتفاع كلفة المعيشة، يُضطر المواطنون، خاصة من الطبقة الوسطى، إلى اللجوء إلى القروض الاستهلاكية لتغطية حاجياتهم الأساسية، حيث أظهرت بيانات المندوبية السامية للتخطيط أن 40.6% من الأسر تلجأ إلى الاقتراض أو إلى مدخراتها.
إن هذه الصورة القاتمة تؤكد ما دافع عنه حزب القوات الشعبية في مختلف محطاته التنظيمية، وعلى رأسها التقرير الاقتصادي والاجتماعي الذي سيعرض على المؤتمر الوطني 12: لا تنمية حقيقية دون عدالة اجتماعية، ولا نمو متوازن دون توزيع منصف للثروات، ولا استقرار اجتماعي دون إدماج فعلي للمواطن في الدورة الاقتصادية.
من خطاب العرش إلى توجهات الحزب: تقاطعات لا لبس فيها
لقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 2025 لحظة مفصلية في التأكيد على مركزية الإنسان في السياسات العمومية. إذ شدد جلالة الملك قائلاً: «لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب بسرعتين»، وأضاف أن «بعض المناطق، خاصة القروية، تعاني من الفقر والغياب البنيوي للبنيات والخدمات الأساسية، وهي وضعية لا تتوافق مع رؤيتي لمغرب اليوم».
وباعتبار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من القوى الوطنية والتاريخية التي رفعت شعار العدالة المجالية والعدالة الاجتماعية منذ عقود، فإن هذا التوجه الملكي يجد صداه في جوهر هويتنا السياسية، وفي اختياراتنا الاقتصادية التي تعطي الأولوية للمواطن، وتضع التنمية البشرية على رأس الأولويات.
العدالة المجالية: رهان اتحادي متجذر
لقد نبه الحزب في تقاريره الجهوية إلى أن غياب رؤية ترابية متكاملة ساهم في تعميق التفاوتات. وفي هذا الإطار، فإن الدعوة الملكية إلى تجاوز “مغرب بسرعتين” تؤكد صحة الموقف الاتحادي الذي طالب دائمًا بتفعيل حقيقي للجهوية المتقدمة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل البرامج التنموية منبثقة من خصوصيات الجهات واحتياجات المواطنين.
الدولة الراعية لا الحيادية: نحو نموذج اجتماعي بديل
إن حزب القوات الشعبية لا يرى في التوازنات المالية غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لضمان الكرامة الإنسانية. ولذلك، فإنه يدعو إلى:
•إصلاح جبائي يحقق العدالة الضريبية ويُخفف العبء عن الفئات المتوسطة والمهمشة؛
•توجيه الاستثمار العمومي نحو التعليم، والصحة، والسكن، والمناطق القروية؛
• دعم المقاولات المواطِنة، لا الريعية، وتحفيز التشغيل اللائق؛
•تثبيت الحماية الاجتماعية كحق شامل، لا امتياز ظرفي.
وفي هذا السياق، فإن الدعوة الملكية إلى “جهاد اقتصادي واجتماعي” هي دعوة للارتقاء بالمسؤولية السياسية إلى مستوى الفعل الميداني، لا الاكتفاء بالشعارات والموازنات المحاسباتية.
انخراط جماعي في الدينامية الوطنية
إن حزب الاتحاد الاشتراكي، بكل تنظيماته الترابية والمركزية، يعبر عن انخراطه الكامل والمسؤول في الدينامية الملكية التي تفتح آفاقًا جديدة أمام بناء مغرب الكرامة والمساواة والعدالة المجالية. فمشروعنا الحزبي، الذي يعكف على تجديد هياكله ومراجعة رؤاه، يتفاعل بعمق مع التوجيهات الملكية، ويعتبرها رافعة استراتيجية نحو إصلاح سياسي وتنموي عادل ومنصف.
الخاتمة: من النمو إلى الأمل الجماعي
إن إعادة الاعتبار للاقتصاد المغربي لا تمر عبر نسب النمو فحسب، بل من خلال القدرة على تحسين الحياة اليومية للمواطن، وتوفير فرص العمل، وضمان تعليم عمومي جيد، وصحة كريمة. وكما قال جلالة الملك في خطابه الأخير: «النجاح الاقتصادي لا ينبغي أن يكون حكراً على فئة قليلة، بل أفقًا مشتركًا للجميع».
وهذا هو جوهر مشروعنا السياسي كاتحاديات واتحاديين: مغرب لا يُقصي أحدًا، لا مجاليًا ولا اجتماعياً؛ مغرب تتساوى فيه الجهات، وتُكرَّم فيه الكفاءات، ويعلو فيه منطق المصلحة الوطنية على نزعات السوق العمياء.
(*)الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتطوان
الكاتب : بقلم: محمد السوعلي(*) - بتاريخ : 06/08/2025

