هنيئا لدولة «لا وزن لا هبة لا مواقف» بجمهورية الجزائر الجنوبية
محمد إنفي
مع توالي الاعترافات بمغربية الصحراء، ضاق هامش المناورة أمام الجزائر وصنيعتها البوليساريو. وهكذا، بدأت تتضح معالم الجمهورية الجزائرية الجنوبية التي أصبحت واقعا ملموسا على الأرض وواقعا تاريخيا حقيقيا أيضا. فهذه الجمهورية الموجودة في تندوف عمرها نصف قرن؛ وعمر الجمهورية الجزائرية الشمالية 62 سنة. وهكذا نرى أن فارق السن بين الجمهوريتين لا يتعدى 12 سنة.
واعتبارا لظروف النشأة وللتاريخ المتقارب بينهما، فيمكن اعتبار الجزائر الجنوبية أختا صغرى للجزائر الشمالية. وتقتضي روابط الأخوة أن تُدلِّل الأخت الكبرى أختها الصغرى. وهذا ما حصل؛ فبعد أن وفرت الجزائر الشمالية الأرض للجزائر الجنوبية، حرصت على أن توفر لها المال والسلاح وأن تُنشئ لها تمثيليات ديبلوماسية في بعض الدول، مستعملة في ذلك ديبلوماسية الشيكات والهبات بسخاء، خاصة خلال فترات الطفرة الطاقية، حتى أنها تمكنت من إدخالها إلى منظمة الوحدة الإفريقية(الاتحاد الإفريقي حاليا).
وهكذا، أصبح لجبهة البوليساريو جمهورية صحراوية وهمية، لكنها جمهورية جزائرية جنوبية حقيقية وواقعية تمثل أولوية الأولويات وأقدس المقدسات لدى النظام الجزائري لدرجة أن البوليساريو أصبحت من عناصر السيادة في الجزائر الشمالية، والطعن في ذلك يعتبر خيانة كبرى تستوجب أقسى العقوبات وأقصاها. لذلك،أُعطي النظام العسكري كل الاعتبار وكل الاهتمام لإرساء دعائم دولة شقيقته الصغرى، بينما تم إهمال تام لحاجيات الشعب الجزائري وتطلعاته إلى التقدم والرفاه، لينتهي الأمر بهذا الشعب المقهور، المعذب في الأرض، إلى ما يعيشه اليوم من فقر مدقع وخصاص مهول في المواد الغذائية الأساسية، رغم الثروات الهائلة التي تزخر بها البلاد.ولذلك، تَحتَّم على الجزائري أن يقضي ساعات طوال في طوابير لا متناهية، لعله يحصل على كيس حليب أو قارورة زيت أو قنينة غاز أو كيلو عدس أو حمص أو لوبيا أو غيرها.. وتضاف إلى أزمة المواد الغذائية أزمة الماء الشروب، حيث وصلت مداها في بعض الولايات، «تيارت» على سبيل المثال؛ والجزائر العاصمة ليست في منأى عن هذه الآفة.
تجدر الإشارة إلى أن الجزائر الجنوبية، هي من مخلفات الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وبما أن الجزائر الشمالية كانت محسوبة على المعسكر الشرقي، فقد وجدت الدعم السياسي لدى هذا المعسكر في مشروعها المتمثل في خلق دويلة وهمية تزعم تمثيل ما سمي بالشعب الصحراوي، هدفها إعاقة استكمال المغرب لوحدته الترابية.
ورغم المعارك التي خاضتها جبهة البوليساريو الانفصالية بمشاركة مرتزقة من أماكن متفرقة وفيالق من الجيش الجزائري وبدعم من عدة دول محسوبة على المعسكر الشرقي (ليبيا، كوبا وغيرهما)، فلم يتمكنوا من الاستيلاء على أية قطعة من الصحراء المغربية، رغم ضراوة المعارك التي عرفتها المنطقة؛ ومنها معركتي أمغالا 1 وأمغالا 2 على سبيل المثال، تم خلالهما اعتقال ضباط وجنود جزائريين.
الجزائر تعتبر المغرب عدوها الكلاسيكي ؛ والإعلام الجزائري يتهم المغرب بكل ما يقع من كوارث في الجزائر، بما في ذلك الجفاف والجراد والحرائق والهزائم في مجال الرياضة وندرة المواد الغذائية وغير ذلك من الآفات والأزمات. وبقدر ما يراكم المغرب نجاحات تلو أخرى على المستوى الاقتصادي والتنموي والديبلوماسي والرياضي وغيره، بقدر ما تتقهقر الجزائر التي تعيش على ريع النفط والغاز وتهمل باقي القطاعات الاقتصادية الكفيلة بضمان التنمية المستدامة.
تجدر الإشارة إلى أن النظام الجزائري ركز كل اهتمامه على معاكسة مصالح المغرب وأهمل مصالح الجزائر، بحيث سخر إعلامه الرسمي وغير الرسمي ونخبه السياسية وكل أبواقه للتهجم على جاره الغربي والافتراء عليه؛ بينما هذا الأخير لا يلقي له بالا ولا يكترث به إطلاقا، رسميا أقصد.
إن عقد النظام الجزائري تظهر جلية في تصريحات بعض المسؤولين وأفراد من الشعب والإعلاميين وغيرهم، عندما يتباهون بقوة لا يمتلكونها. فعندما يزعم أحدهم بأنهم قادرون على أخذ الصحراء المغربية في أقل من أربع وعشرين ساعة، بينما فشلوا في ذلك خلال خمسين سنة، فاعلم أن هناك شيئا ما ناقصا في التفكير الجزائري، وعندما يتحدث سعيد شنقريحة عن أقوى جيش في المنطقة (ومناوراته تدل على نوع هذه القوة المزعومة)، فاعلم أنه يشعر بالضعف والهون؛ وعندما يصف عبد المجيد تبون الجزائر بالقوة الضاربة، فهو يعترف بضعف بلاده.
وبالعودة إلى أصل المشكل، ندرك هدف النظام الجزائري من وراء خلق جمهورية الوهم في تندوف، فقد أراد محمد بوخروبة (الهواري بومدين)أن يضع حجرة في حذاء المغرب، كما صرح بذلك في محفل رسمي دون خجل أو وجل، فتحولت هذه الحجرة مع الوقت إلى صخرة جاثمة على صدر النظام الجزائري، تخنق أنفاسه وتتسبب له في كوابيس تقض مضجعه؛ خصوصا وأن دائرة المناورة قد تقلصت وضاقت أمامه إلى حد كبير بفعل النجاحات الديبلوماسية التي يحققها المغرب والفشل الذريع الذي تراكمه الجزائر على كل المستويات حتى أصبحت دولة بلا وزن ولا هبة ولا مواقف، كما قال عنها «سيرجي لبروف»، وزير خارجية روسيا عندما فسر معايير القبول والرفض في مجموعة «البريكس».
خلاصة القول، لقد وقعت الجزائر في شر أعمالها. لقد أرادت أن تعرقل استكمال المغرب لوحدته الترابية وتعيق نموه الاقتصادي، فأنشأت دويلة في تندوف باسم الصحراء المغربية، لكن المنتمين منهم للصحراء المغربية قد أصبحوا اليوم قلة قليلة بين المرتزقة الذين تم تجنيدهم من دول متفرقة وتوالدوا في المخيمات. فمن ازداد في نهاية السبعينيات أو بداية الثمانينيات من القرن الماضي، قد أصبح اليوم كهلا، ولا شك أنه قد كون عائلة هناك ولا يعرف من العالم إلا الرقعة التي يتحرك فيها. فكيف ستتصرف الجزائر مع هؤلاء؟ فالمغرب لن يقبل إلا من يثبت انتماءه للصحراء المغربية. أما الباقون فعليهم أن يدافعوا عن انتمائهم للجزائر الجنوبية التي نشأوا وترعرعوا فيها. وهكذا، أصبح قصر المرادية في ورطة حقيقية بعد اعتراف الدول الكبرى بمغربية الصحراء، بما في ذلك فرنسا التي زعزع اعترافها كيان الجزائر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نظرا لاعتبارات تاريخية وجيو- سياسية. ولا يسعني، هنا، إلا أن أكرر تهنئتي لدولة «لا وزن لا هبة لا مواقف» بهذا الإنجاز السياسي الكبير المتمثل في ترسيم دولة الجزائر الجنوبية التي تحولت من حجرة في حذاء المغرب إلى صخرة نبت بها مسامير وإبر سامة لا يتوقف وخزها في مناطق بالغة الحساسية وشديدة الألم والوجع بالنسبة للجزائر الشمالية !
الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 13/08/2024