وحيدا تركك جاكوب زوما
بديعة الراضي
قبل شهر أبريل من سنة ماضية، كنت أتحدث في أحد اللقاءات عن قضية بلادي، وبدأت أتلو أسماء البلدان الإفريقية -على قلتها- التي تدور في فلك خصوم وحدتنا الترابية وعلى رأسها الجزائر، التي جندت مواردها البشرية الخارجية وقوت شعبها من عائدات البترول لدعم الوهم في المنتظم الدولي، مستعملة في ذلك أسماء تستعرض إمكانياتها للفعل ذاته، في سوق «بياعي الكلام»، ناهيك عن استعمال مجتمع مدني، احترف البيع والشراء في قضايا الشعوب، كما قلت ذلك صراحة في أحد التجمعات التي أطرتها في منطقة « الكريمات» بالجنوب الشرقي لبلادنا، على مسافة قريبة من الحدود الجزائرية.
وأذكر أن جنوب إفريقيا جاءت في سلسلة سردي لخصوم وحدتنا الترابية، الشيء الذي التقطته بعض المواقع الإخبارية، في الجملة النواة التي قالت عنها الصحافة أنني «أتهم المجتمع المدني الأوروبي بتلقي تعويضات لمهاجمة المغرب، والدفاع عن الجزائر وصنيعتها البوليساريو..».
واليوم، وأنا جد فخورة بدبلوماسية بلادي، ورؤية ملكي يخلق المفاجأة في الجلوس مع رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما -على هامش القمة الإفريقية الأوروبية في أبيدجان من أجل مستقبل البلدين ومستقبل قارة بكاملها من موقع منظمة الاتحاد الإفريقي، التي يعود المغرب إلى كرسيه الطبيعي بها، بنفس مغاير وبمشروع تنموي متكامل- أتذكر جيدا ذلك اللقاء الذي جمعني بالكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأخ إدريس لشكر، فور عودتي من الجنوب الشرقي لبلادنا، وهو يثني على التجمع الجماهيري الذي قمنا به هناك، والكلمة التي ألقيتها، وينبهني إلى كون البلد الذي وضعته إلى جانب الجزائر في الحديث عن خصوم وحدتنا الترابية، ينبغي التريث في الموقف تجاهه، مؤكدا أن جنوب إفريقيا في إطار الفضاءات الحزبية الدولية التي تجمعنا بها، بدأت تعي أن موقف المغرب هو موقف عقلاني وينبغي فتح حوار بشأنه.
وهو نفس الشيء الذي أكده مناضلونا في الواجهة الخارجية على مستوى علاقات الحزب وانخراطه في المنظمات الدولية التي حرصنا على انتزاع مقاعد القرار فيها، و تلك التي أكدنا فيها، رغم كل الضجيج الذي وظف الرداءة في التحليلات السطحية المنشورة هنا وهناك، أن الدفاع عن القضية ينبغي أن نذهب فيه إلى حيث يشتغل الخصم ضدنا، وأن الحق ينتزع ولا يكتسب، وأن حضور الجبهة في نفس فضاء اشتغالنا، هو حضور لن يحد من عزيمتنا وصمودنا، لأننا أصحاب قضية، رغم كل التلميع والأضواء التي ألقيت على خصمنا، والذي استعمل فيه تجار سوق قضايا الشعوب، ترسانة من الخطابات والتأويلات والأكاذيب ودموع التماسيح، الآتية من زمن قلنا إننا طوينا صراع رماله، وهي نفس الدموع التي وظفها خصومنا، لتسيل قهرا أو توظيفا مفبركا، من عيون الأطفال والنساء، في مشهد تكرر حتى الملل من مسلسله، الذي جعل من حضور المدعو «إبراهيم غالي» والوفد المرافق له، لقمة إفريقية أوروبية بأبيدجان، أضحوكة الموسم لدى الخصوم والأصدقاء، الذين يكتبون اليوم وبالبنط العريض أن «جنوب إفريقيا أدركت أن أطروحة الجزائر وسياستها في القارة الإفريقية أصبحت متجاوزة، وأن الاستمرار في هذا المحور أصبح من الماضي، لذلك استدارت نحو المملكة المغربية لترسيخ علاقات سياسية واقتصادية متينة مع المغرب، الذي مافتئ يبهر الدول الإفريقية والعالم بسياسته التنموية والتطلع نحو المستقبل»، و»أن جنوب إفريقيا أدركت أيضا أن المغرب قوة اقتصادية مهمة في القارة، وأن ببقائها خارج السياق ستزداد الضغوطات عليها وسيتم تهميشها وعزلها» و»أن الوضع في الجزائر والأزمة التي يتخبط فيها الاقتصاد والغموض الذي يلف مستقبل البلاد، كلها مؤشرات جعلت نظام جاكوب زوما يراجع أوراقه، ولو أنه تأخر بعض الوقت، للعودة إلى رشده والابتعاد عن اسطوانة تصفية الاستعمار الجزائرية التي أصبحت متجاوزة».
وهي المراجعة التي تعزل اليوم الموقف الجزائري، وتجعل من صنيعتها تغرد خارج السرب، لكونهما لم يلتقطا الإشارة القوية عندما اجتمعت العديد من الدول حول الدفاع عن مشروع الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب من أجل طي صفحة هذا الملف المعمر طويلا، وأصبح اجتراره، مأزقا يضع حبلا في عنق جارتنا التي ينبغي مساعدتها عاجلا للخروج من ورطة، تعب الجزائريون، كما عبرت عن ذلك نخب منهم، من استمرار تكرار أسطوانتها التي لم تعد تطرب حتى عشاق «حفاري القبور».
الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 07/12/2017