وريه و خليه : الاتحاد مدرسة -القاسم الانتخابي
محمد الوحداني
كثر الحديث والنقاش حول القاسم الانتخابي، مقترح حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكان بالمناسبة أيضا درسا آخر من دروس كثيرة وبليغة لهذه المدرسة السياسية التاريخية، عبر القرون… ربما رفض البعض هذا التمرين الديمقراطي الحيوي، لحسابات حزبية ومصالح شخصية، وربما تفاجأ البعض الآخر لأنه لا يعرف القيمة الإضافية أوتناساها أو نسيها، لوجود مدرسة سياسية وفكرية متجذرة ليس فقط في التربة السياسية والفكرية للمشهد السياسي المغربي بل وأيضا الدولي … من قامة وقيمة الحركة الاتحادية.
التاريخ لمن لا يريد أن يتذكره أو يقرأه، لأنه في أحيان كثيرة يزعج البعض، إنه الحزب الذي كان دوما على الموعد وطنيا ودوليا، إنها الحركة الفكرية والسياسة والنظرية التي احتاج إليها المغرب في القرن الماضي، في منتصف القرن، من أجل بناء أسس دولة قوية ومؤسسات حكومية فعالة، واحتاج إليها حينما قال المرحوم الحسن الثاني: هناك معادلة صعبة و لحلها يجب أن يساهم في ذلك العقل الاتحادي من خلال المرحوم الشهيد المهدي بنبركة، الذي اغتاله التيار الثالث بعدها !
وهي الحركة السياسية التي احتاجتها الدولة في السبعينيات لتدشين المسلسل الديمقراطي وتمتين صلابة الجبهة الداخلية حينما تآمر الانقلابيون على الملك، وللدفاع عن الوحدة الترابية حينما كانت الصحراء المغربية تتلقى ضربات متوالية بسبب تحالف دولي وإقليمي، وهي نفسها الحركة السياسية والتيار الوطني الذي أعاد حينها التوازن المؤسساتي مع كل نزهاء الوطن في التيارات الديمقراطية في الأحزاب الأخرى، وماذا حدث بعدها، قام التيار الثالث باغتيال الشهيد عمر بنجلون، وبتزوير الانتخابات واعتقال المرحوم عبد الرحيم بوعبيد ومجموعة المكتب السياسي .
ولإرجاع الذاكرة للبعض، إنها الحركة السياسية التي كانت أيضا مدرسة في أواخر القرن العشرين مع مبادرة التناوب التوافقي بزعامة حزب الاتحاد، ومن خلال ما سماه رئيس الدولة آنذاك ” إنقاذ المغرب من السكتة القلبية ” بل تحملت وأدت الحركة الاتحادية فاتورة غالية حينما تحملت مسؤولية قيادة مرحلة التناوب التوافقي بزعامة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وصيانة انتقال سلس للسلطة من ملك راحل إلى ملك جديد، لأن التيار الثالث جعل من حزب القوات الشعبية مشجبا علق عليه فشله في تدبير شؤون المملكة لمدة خمسين عاما .
ورغم كل ذلك، كانت جماهير الشعب المغربي في مستوى الرهان التاريخي والوطني، وأعطت أغلبية أصواتها لحزب الاتحاد الاشتراكي، لكن التيار الثالث قام في هذه المرحلة أيضا باغتيال المنهجية الديمقراطية وأعراف الانتخابات وحرم الاتحاد من قيادة السفينة الحكومية لإتمام أوراشه الإصلاحية.
وبدأت معاول هدم صرح حزبي وسياسي كبير، في جميع جهات المملكة الشريفة، من أجل تعبيد الطريق لحزب معلوم…لكن الذي أسفرت عنه النتائج كان فقط القضاء على منافس قوي وشرس للحزب الحاكم الحالي حزب العدالة والتنمية.
هذا دون أن نغفل أن هذا الحزب لم يبتكر فقط حلولا لقضايا الانتقال الديمقراطي والتخلف والتنمية في المغرب، فهذه الحركة هي التي كان من بين مؤسسيها من كان منسق القارات الثلاث هو : الشهيد المهدي بنبركة، أثناء عصر كان الصراع الدولي فيه على أشده بين قارات العالم.
هذه الحركة هي التي أنجبت عقولا جبارة في التنظير والفكر، وأبدعت حلولا سياسية عبر تاريخ وجودها، استفادت منها كل شعوب العالم:
محمد عابد الجابري، وعبد الله العروي، وفتح الله ولعلو، وأحمد الحليمي، والكثيري مصطفى، ومحمد برادة، ومحمد جسوس…إلخ .
هؤلاء وغيرهم كثير ، لم يكن لفكرهم وتنظيرهم ولمقترحاتهم وحلولهم السياسية والانتخابية، ذلك البحث عن كراسي انتخابات عابرة، هذه الحركة في عمقها النظري وصيرورتها التاريخية، تؤسس لإصلاح وطني ونموذج للتنمية محلي وعالمي .
من يختصر الحركة الاتحادية فقط في المكلفين بمهام انتخابية أو المنتسبين أو المتعاطفين، لا يعرف هذا الحزب ولا تاريخه ولا برامجه، أو لا يريد أن يعرفه، أو أنه لا مصلحة له في معرفته !
مناسبة كتابة كل هذا هو الرد بشكل هادئ، وبالحجة والبرهان على الذين يزايدون على مقترح الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، اتفقت معه أو اختلفت حول جدوى القاسم الانتخابي، ساءك مقترحه أو لم يكن في صالحك، يجب أن تكون لدينا شجاعة أن نقول إنه أكثر الحلول الممكنة والموفقة في المرحلة الحالية، لإعطاء شرعية مفقودة منذ سنوات لعملية التمثيل الانتخابي في هذا البلد….
كيف يعقل أن تتشكل رئاسة الحكومة في بلد يقارب الأربعين مليون نسمة، من حزب يحصل على مليون ونصف مواطن، في لوائح انتخابية مسجل فيها 15 مليون مواطن !
بمعنى أي شرعية انتخابية هذه ؟
رئاسة حكومة لا تفويض لها حتى من 2% من الساكنة الإجمالية للمملكة المغربية ! و لا حتى 10 % من عموم المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة!
هنا نحن في باب مناقشة الشرعية الشعبية لرئاسة الحكومة، وسنفتح بابا آخر لمقاربة مقترح حزب الاتحاد الاشتراكي حول القاسم الانتخابي: إن المسجل المقاطع أو العازف عن التصويت، هو مشارك سلبي من حقه المساهمة في صناعة الخريطة الانتخابية لأنه مساهم في أهم عملية انتخابية مؤسسة للفعل الديمقراطي والمشاركة السياسة أعني التسجيل وهو وعد بالمشاركة، لكن لأن العرض الانتخابي لم يلائمه، عزف عن المشاركة، وفي قانون العرض والطلب من حجز عرضا وتأخر عنه لا يعذر … مع تأكيدنا أنه كمسجل في اللوائح الانتخابية العامة معني بقرارات الحكومة المنتخبة طيلة مدة ولايتها .
فكيف يعقل أن يصرح الحزب بأنه يمثل كل المغاربة وأن له الشرعية الديمقراطية التمثيلية للمشاركين والمقاطعين، وفي نفس الوقت يحرمهم من حقهم في صناعة الخريطة الانتخابية والمشهد السياسي من خلال حل القاسم الانتخابي؟
ألم نقل إن الاتحاد مدرسة، ودوما يكون على الموعد وطنيا ودوليا ؟
إن تيارات ما تستفيد من المقاطعة، وهذا يعرفه الجميع، ولا يمكن أن يقاطع المسجلون الانتخابات، ويقاطع كذلك القانون والدولة العملية الانتخابية من خلال مقاطعة عملية إشراكهم في اختيار من سيسير البلاد ولاية كاملة!
ونقول لمن يزعجه هذا الدرس الاتحادي في الديمقراطية، إذا كانت لديك أغلبية من الشعب فلتصوت عليك وآنذاك لن يضيرك شيء من درس القاسم الانتخابي ! لأنه ببساطة لو كان ملايين المقاطعين لك ما قاطعوا التصويت عليك وهم مسجلون أصلا في اللوائح الانتخابية العامة، وكما نقول نحن المغاربة: اللي بغا يبوسك كيعرفك فمك فين . و أنا أقول اللي بغى يصوت عليك في المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة كيعرف الرمز ديالك !
ألم نقل لكم إن الحركة الاتحادية مدرسة ؟ وحكمة دروسها تجري في دماء أبنائها ؟ إن دروس الاتحاد دساسة .
وسأختم بقولي : حزبكم هو أحوالكم، وإذا كان حزبكم مجرد دكان انتخابي، فالاتحاد مدرسة فيها : التاريخ والفكرة والتنظير ومشروع المجتمع، والمكلفون بمهام انتخابية، والمتعاطفون، والغاضبون المجمدون، والراحلون العائدون… و فيها ما في المجتمع من أخطاء وسلوكات، لأنه ببساطة أيضا حزب القوات الشعبية، وأنتم تريدون لغاية في أنفسكم اختصار هذه المدرسة في المكلفين بمهام انتخابية! الانتخابات كتكون مرة في ست سنين، الاتحاد كاين كل يوم .
إذن أخرجوا لحزب الاتحاد الاشتراكي والحركة الاتحادية والمكلفين فيها بمهمات انتخابية نظراءهم: تاريخا وأفكارا ومقترحات ونساء ورجالا…، فهذا حزب المهدي والعروي والجابري وعمر واليوسفي وبوعبيد واليازغي ولشكر…إلخ وفيهم من مات وفيهم من ينتظر، لكن الاتحاد مدرسة لا تموت .
الكاتب : محمد الوحداني - بتاريخ : 18/03/2021