ولاء الصحافي يجب أن يكون لوطنه أولا
عبد السلام المساوي
1_ من القطاعات التي يعرف القاصي والداني أنها تضررت من أزمة كورونا المستجد، قطاع الصحافة في العالم بشكل عام، وفي المغرب بشكل خاص.
ليس هناك مجال للتباكي على حال صحافتنا. فنحن نعرف أن الوقت غير ملائم وأن هناك قطاعات أخرى، ومواطنين آخرين تضرروا بشكل أكبر من حال العاملين في المجال الإعلامي، لكن وجب أيضا الحديث عن هذا الميدان الذي يتحدث أهله عن الجميع ولا يجدون في الغالب الأعم من يتحدث عنهم، إما أنفة أو تعففا أو عدم رغبة في وصفهم بالأنانيين الذين يهتمون بحالهم دون حال الآخرين.
قطاعنا الإعلامي في المغرب يعاني هشاشة قديمة، هذه مسألة مفروغ منها. وعدد قليل جدا من المقاولات المغربية استطاع الصمود في وجه تراجع سحب وطبع وبيع المطبوعات الورقية منذ سنوات عديدة، إلى درجة أن مسألة البقاء على قيد الحياة أصبحت اختبارا حياتيا يستحق عليه من خاضوه ولم يهونوا ولم يستسلموا تحية كبرى لا يعرفها من لا يتابعون التفاصيل الدقيقة لهذا المجال ويكتفون بترديد الكلام العام الجاهل الذي لا يدري أي شيء.
اليوم هذه الهشاشة ازدادت إليها هشاشة إضافية، والكل من صانعي هذا المجال الإعلامي يطرح السؤال بجدية عن الآفاق المقبلة.
إنها فرصة حقيقية لدخول صحافتنا الوقت القادم والالتحاق بعالم الصحافة التي تصل الناس عبر الوسائط الرقمية بطريقة محترفة لا علاقة لها بالرائج حاليا من محاولات تذكر فتشكر لكنها ليست «رأس السوق» وليست أقصى ما نحلم به لمجالنا الإعلامي. هذا الجزء من المسؤولية ستتحمله المقاولات الإعلامية المهيكلة، وستشتغل عليه بعد مرور الأزمة من أجل الوصول إلى مقاولات إعلامية عصرية تستعين بالوسيط الرقمي للوصول إلى الناس بالخبر الموثوق الرصين المكتوب مهنيا والمبحوث عن تفاصيله ومصادره الحقيقية بطريقة احترافية.
يبقى الجزء الآخر من المسؤولية، وهو مسؤولية الحكومة في ضمان استمرار مقاولاتنا الإعلامية في مد صناعها بأجورهم وكل مصاريفهم ومصاريف بقائها إلى أن تمر هاته الأزمة، وهذا دور لاشك ولو لوهلة واحدة أن حكومتنا ستتحمل فيه نصيبها.
هذه باختصار الصورة العامة، دون تهويل مرفوض وكاذب من طرف من يريدون التخلص من المشتغلين لديهم بادعاء الأزمات الكاذبة والسابقة لأوانها، ودون تنصل من المسؤولية لا يجب أن نسمح به في لحظة الناس هاته.
الإجماع الوطني الحاصل حول مواجهة هذا الداء يجب أن توازيه روح الوطنية لدينا جميعا تسير جنبا إلى جنب قرب الروح الإنسانية التي تصنع الفوارق كلها في نهاية المطاف.
2_بمناسبة المناوشات الدائرة هاته الأيام بين بعض المحسوبين على جنسيات عربية أخرى وبين بعض المغاربة حول صورة بلادنا في الأنترنيت وفي وسائل الإعلام التابعة لهاته البلدان، أثيرت مجددا مسألة ارتباط بعض من الإعلام المغربي بالأجانب والتمويل الأجنبي لهؤلاء المغاربة.
المسألة غير هينة، وغير سهلة، ويلزمها قليل من الكلام الهادئ والرصين لأن الموضوع ساخن ولا يتحمل تناوله بالنزق الذي يسببه البوليميك والانخراط فيه.
ذلك أنه عندما تقرر وسيلة إعلامية ما، سواء من خلال مالكها الوحيد أو من خلال ملاكها المتعددين، أن تصبح ناطقة غير رسمية باسم بلد أجنبي، تقطع خطوة كبرى جدا في الانفصال عن المحيط الوطني الذي نشتغل فيه.
المسألة اختيار؟ نعم، والمسألة تندرج في تصور كل واحد للمهنة، ولارتباطات المهنة؟ نعم مرة أخرى. لكنها بالفعل خطوة غير هينة. وفي الغالب الأهم يؤدي المرتبطون هذا الارتباط الأجنبي في نهاية المطاف ثمن هذا الارتباط عندما تعود العلاقات بين البلدان إلى سابق عهدها ويجدون أنفسهم على رفين اثنين:
على رف المهنة، التي لم يعودوا مهتمين بممارستها إلا بقدر المصالح المادية والمكتسبات الزائلة التي تسمح لهم بتحقيقها؛
وعلى رف الوطن، الذي يشرع في النظر بريبة لمن يؤجر صوته أو قلمه، والكاميرا التي يصور بها لهذا البلد أو لذاك.
في الأوقات الحساسة من تاريخ الإنسانية أو وقت الحروب أو غيرها يسمى الأمر خيانة عظمى وله عقوبة أكبر من الكبرى، في الأوقات العادية يمكن تناول الأمر بقليل من برودة النفس (وفق ما يسمح به المقام الانتماء للوطن إلا برودة النفس)، ويمكن اعتباره ضريبة من ضرائب هذا التطور الإعلامي الذي نحياه.
سوى أننا ملزمون بقولها: ولاء الصحافي يجب أن يكون لوطنه أولا. ومهنة الصحافة ليست مهنة عادية. هي تقترب في كثير من تفاصيلها من المهن الحساسة التي يسمح لها بالخروج والتنقل في الحالات الاستثنائية لأنها تمارس دورا يقترب كثيرا من دور الجندية ودور الأمن ودور حماية الوطن في جبهة أخرى هي الجبهة الإعلامية.
البعض ينسى أو يتناسى، والبعض يبرر اللجوء لمد اليد للأجنبي تحت يافطة مراكز البحث أو تمويل المشاريع والدورات التكوينية، والبعض يعلنها مدوية بشكل واضح ووجه مكشوف ويقول «لقد بعت والسلام»، لكن الأمر يبقى على خطورته الأولى: لا مجال للولاء المزدوج، ولا ثقة في أصحابه، تماما مثلما لا ثقة في الذين يضعون على سبيل الاحتياط جنسيات بلدان أخرى، ويتحدثون لنا عن المغرب وباسم المغرب، فقط حين تكون الأشياء طيبة لهم، أما حين البأس فيقولون لنا أنهم ليسوا معنا ولم يكونوا معنا أبدا في يوم من الأيام.
للتأمل ليس إلا بكل هدوء، حسبما يسمح به مقام الانتماء للوطن، وهو مقام لا يتقبل إلا قليل الهدوء.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 09/05/2020