ومن كورونا .. نستخلص العبر
بوشعيب حمراوي
لن يتجادل اثنان في سرد مخاطر فيروس كورونا المستجد، وما قد يلحقه من أضرار جسيمة للبشرية. حتى لو كانت بعض تلك المخاطر واهية، من نسج خيال هواة صناعة الإشاعات والأكاذيب وتمييع الحياة. وجدت لها مناخا وأرضا خصبة داخل منصات التواصل الرقمية. حقيقة (كوفيد 19) أقرتها منظمة الصحة العالمية، التي سجلته في خانة الأوبئة العالمية. هذا(الضيف)الخبيث القاتل القادم إلينا طوعا من الصين، منتحلا صفة عابر سبيل. آت من بلد بعيد كان أجدادنا يحثوننا على طلب العلم حتى ولو كان فيه. صنف جائحة بعد أن تمكن من اجتياح البسيطة، وترعيب كل البشر. فأصبح كابوسا مزعجا يقلق راحة الشعوب في نومهم ويقظتهم. وأفقدهم توازنهم البيئي، وألبسهم العطالة والقصور في كل مهامهم اليومية. وأرغم الأنظمة والمنظمات العالمية على اعتباره من أولويات انشغالاتها. وفرض عليها معاملته كخصم لذود، يستوجب هزمه، الحذر والاحترام و التقدير، وعدم الاستهانة بقوته وخطورته. ويفرض تعبئة الشعوب وتجنيدها.
رغم كل ما يمكن أن يقال عن هذا الداء، من طرف العقلاء والجهلاء. والمتطرفين دينيا وعرقيا.. علينا الانتباه إلى ما يرسخه لدينا حاليا من عبر ودروس، لم يكن بالإمكان تعلمها في المدارس والمساجد، ووسط زحمة ولهفة الظفر بمكاسب وامتيازات ومصالح على حساب بعضنا البعض.
لأول مرة في هذا الكون الذي تحكمه الطبقية والعرقية والعنصرية.. يخرج إلينا كائنا حيا ليعلمنا قيم الديمقراطية والمساواة ومقاربة النوع في التعامل مع البشر.. كائن لا يقيم أدنى وزنا أو اعتبارا للأجناس والأعراق والفئات العمرية. يفتك بالغني والفقير. وبالوزير والغفير.. لا يأبه للسلطة والجاه والثراء .. لا يؤمن بالحدود المرسومة بين الدول. ولا بطبيعة الأنظمة وجبروتها، والمستويات العلمية والثقافية والسلوكية للشعوب.. لا تهمه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. ولن يوقفه (فيتو) الدول الخمس المستبدة.
لأول مرة، نرى كيف أصبح الوطن غاليا، بنعم الأمن والاستقرار التي يعيشها الشعب المغربي. وكيف ظهر (الهرم المقلوب) للهجرة. وباتت قبلة المغرب حلما، ليس لأشقائنا المغاربة المهاجرين فقط. بل لكل شعوب الدول الأوربية والخليجية الموبوءة. فرنسيون وإيطاليون وصينيون وغيرهم .. يودون لو نبتت لديهم أجنحة، لتمكنوا من التحليق إلى المغرب. خوفا من الإصابة بفيروس حر طليق، موضوع مذكرة بحث دولية من قبل علماء وخبراء الكون.
لأول مرة نرى كيف أن هناك مسؤولين سامين وقادة شعوب، يودون لو تم إعفاؤهم من مهامهم. أو حتى وضعهم في الحجر الصحي مسبقا. حتى لا تتسبب مجالساتهم واحتكاكاتهم في إطار مهامهم اليومية، في إصابتهم بالداء. بل لا نستبعد أن يكون هناك من يودون لو تم سجنهم مؤقتا إلى حين انصراف (الضيف الصيني).
كورونا الذي فتح لنا الاستفادة من العوالم الافتراضية، بانطلاق تجربة التدريس والتكوين عن بعد . وهي فرصة لإعادة برمجة أطفالنا على حسن استعمال الانترنيت والكف عن ضياع الزمن في التفاهة والميوعة.
لا ننكر أن هذا الوباء مكن الشعوب من فرص مراجعة ذواتها، والحد من الحركية المفرطة التي حولت مواطنيها إلى مجرد آلات مبرمجة للإبداع والاستهلاك، بأرواح بشرية وقلوب متحجرة وعقول تشتغل بمنطق الربح والخسارة، والتنافس إلى حد التناحر والإقصاء. مكننا الداء من الانتباه إلى أشياء جميلة مهملة ومهمشة، داخل البيت والأسرة والمحيط. وأتاح للكائنات البشرية فرص ارتداء جلباب الإنسانية، والإنصات لبعضها البعض. ومعرفة مدى حاجة الإنسان لأخيه الإنسان.. وأعاد القلوب والعقول إلى رشدها في التلاحم والتآخي والتضامن.
كورونا المستجد علمنا بالملموس والواقع المعيش أنه، عند الشدائد، تكتشف الشعوب معادنها البشرية النفيسة، التي تضمن صلابة وقوة بنيانها وأسوارها. والشعب المغربي الذي تمكن من تخليد وجوده القوي والدائم والمستمر عبر عدة محطات تاريخية بارزة. يختزن كل أنواع القلوب والعقول النفيسة التي بإمكانها التصدي لكل وباء أو كارثة.
صحيح أن هناك بعض الطفيليات البشرية التي أدمنت على السباحة في البرك الافتراضية المتعفنة. والمهووسة بالركوب على معاناة ومآسي الإنسانية، من أجل زعزعة أمن واستقرار بلدانها. نجدها على منصات التواصل الرقمية، وبالمقاهي والشوارع، تصارع بكل الوسائل الدنيئة من أجل أن يفقد الشعب ثقته بمؤسساته. لكنها تبقى صراعات واهية، لن تهز شعرة واحدة من رأس واقع محسوم وموثق بين المغاربة (مملكة وشعبا). فلا أظنهم أقوى من وباء كورونا الذي أرعب العالم. وداعبه المغاربة مثلما يداعب مروضو الأسود، الأشبال.
قبل أيام، سطع نجم البعض منهم عبر منصات التواصل الاجتماعية الرقمية. شباب وشابات، أعلنوا في تدوينات وتغريدات، عن استعدادهم للتطوع إلى جانب مسؤولي الدولة، من أجل المساهمة في كل عمل ميداني من أجل التصدي للوباء. أطر تربوية مدرسية وجامعية انكبوا على إحداث مواقع تربوية لشرح الدروس والتحاور الافتراضي مع التلاميذ والطلبة. بعد إعلان الوزارة الوصية على التعليق المؤقت للدراسة والتكوين.
كثير من الشباب تمنوا لو كانوا ضمن المساهمين في استقلال المغرب، وتمنوا لو أدركوا صفة مقاوم ومحارب يدافع عن وطنه. وكثير منهم تمنوا لو أنهم شاركوا في المسيرة الخضراء المظفرة. والتي بفضلها استرجع المغرب صحراءه المحتلة. وكثيرا تمنوا لو منحتهم الدولة فرص إبراز وطنيتهم وتأكيد حبهم وتشبثهم بمغربيتهم. لهؤلاء أقول أن الفرصة الآن مواتية، للدفاع عن وطنهم الذي اقتحمه الغريب القادم من بعيد.
لديهم فرصة الدفاع عن وطنهم ، بدون حمل الأسلحة و القتل والتنكيل بالبشرية. ولا بقطع آلاف الكيلومترات من أجل طرد مستعمر. يكفيهم استشعار الخطر، ودعم جهود الدولة. والمشاركة في التجاوب والتحسيس واليقظة.. والمهمة طبعا وحيدة تتجلى في طرد هذا الوباء.
فليعلم المواطن المغربي أن الوقت لا يسمح بالاكتفاء بالتنبيه إلى قصور الأداء الحكومي. والذي يدركه الكل. وعليه تجاوز السلبيات، والانخراط الفعلي في مخططات الدولة (محلية، إقليمية، جهوية ووطنية). بتشكيل لجن وخلايا للدعم والتضامن. وعلى الحكومة أن تحصي هفواتها وقصورها. وتسارع إلى تصحيحها. كتلك التصريحات المستخفة لسعد الدين العثماني رئيس الحكومة التي تعتبر الداء (نزلة برد عادية و..)، وتبنيه عبر صفحتيه الرسميتين على الفايس والتويتر، بلاغات وزرائه، ومقالات وكالة المغرب العربي للأنباء. عوض إصدار بلاغات حكومية شاملة مكتوبة، وعن طريق ناطقها الرسمي. وحضور العثماني وترؤسه لتجمعات بشرية، كان من المفروض إلغاؤها (لقاء حزبي تواصلي بالعيون، احتفاء باليوم الوطني للمجتمع المدني..). وخرجته الإعلامية الأخيرة عبر قنوات المغرب، التي لم تأت بأي جديد يذكر. يضاف إليها حضور أحد وزراء حكومته اجتماع المجلس الحكومي المنعقد الخميس الماضي. والذي ثبت بعدها بيومين أنه مصاب بداء كورونا المستجد. وهو ما فرض تتبع الحالة الصحية لكل وزراء الحكومة.. وتبذير الزمن الحكومي المفروض تخصيصه لحماية ورعاية المغاربة.. فأرجو التركيز على ترسيخ اللمة من أجل وطن في القمة..
الكاتب : بوشعيب حمراوي - بتاريخ : 25/03/2020