أخيرا، بنكيران،أضاع البوصلة، وكسر الميزان…

لمحمد العمري

يقول المثل المغربي: «المندبة كبيرة، والميت فار»!
معنى ذلك، أو أقرب معانيه إلى ما نحن فيه، هو أن الأمر يتعلق باحتمالين: إما أن الغرض من المندبة شيء آخر غير موت الفار، وإما أن من يندبون الفار في ذاته غيرُ أسوياء. والمعنى الأول أقرب إلى ما نحن فيه.
– المندبة هنا دعوى «1»، و- الفار حجة «2»، فهل هناك تناسب بينهما؟
إليك البيان:
=1- المَنْدَبَة/الدعوى نوعان: أ- مندبة في الدين، و ب- مندبة في السياسة والأخلاق.
1- أ- تتمثل مندبة الدين في اعتبار ما يجري من «استماع» و»مشاورات» بشأن تعديل بعض الفصول من مدونة الأسرة تهديدا للإسلام، أو لإسلامية الدولة، كما يحلو له، وخروجا عن توجيهات إمارة المؤمنين. والخلاصة عنده: «هادشي فيه الشرع، والشرع فيه أحكام مقدسة». انتظر لترى ماذا سيفعل «الفار» ب»المقدسة»!
1- ب- أما المندبة السياسية فتترعرع وتتفرع في الهجوم، غير المتحفظ، على كل من يخالفه الرأي من السياسيين والحقوقيين.
اتهمهم بالكذب، والبلاهة، والجنون، ومعصية الله!!! …إلخ.
والحال أن المقام مقامُ رأي، مبني على فهم واختيار.
ولم يتورع عن ذكر من نعتهم بهذه النعوت بالاسم. على رأسهم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وآمنة بوعياش رئيسة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ونبيلة منيب، أمينة عامة سابقة لحزب سياسي…إلخ.
والخلاصة عنده، بحسب لفظه، أن هذه الجماعة: «تتلاعب بمستقبل المغرب!».
هذه هي المندبة الكبيرة، وإليك خبر الميت، أي الفار…
‐—–ه2=الفار/الحجة : أ-فار في الدين، وَ ب- فار في السياسة.
تحفيز:
لا شك أن من شاهد هذه المندبة، واستوعب رعبَ هذه الدعوى، سينتظر أن تكون الوقائع/الحجج/المبررات من باب المس بحرية الاعتقاد، أو هدم الصوامع والبيع والصلوات والمساجد، حتى لا يذكر فيها اسم الله. شيء أكبر طبعا من تعطيل «قطع يد السارق»، وتحريم الرق، و»ملك اليمين»، و»العقوبات الجسدية» …إلخ.
لا شيء من ذلك ولا مما هو قريب منه.
2 – أ – الفأر في الدين
إليك أهم الكبائر! التي بنى عليها بنكيران دعواه. سترى كيف جففها – هو نفسه – وحولها إلى غبار. لدرجة أنه لم يعد يفكر في منعها، بل كل ما يطلبه إحداث ثقوب فيها …
2- أ- 1- الثقب الأول:
قالوا تعدد الزوجات ممنوع!
جوابه حرفيا:
نعم «ممنوع تعدد الزوجات»، أين هو تعدد الزوجات؟ «لا يتعدى %0.6!»…
هكذا مَخَّضَ – هو نفسه – الجبلَ ثم ولَّدَه فارا !!!
هذه إحدى تقنيات عبد «الإله الخطيب» في لَفِّ جمهوره وتعليبه وتحويله إلى فرقة هاوية للدقة المراكشية. التصفيق.
هكذا، أعلن أنه مع المنع صراحة …
إذن، ماذا يريد؟
الجواب: يريد ثقبا، الثقب الذي خرب «سد مأرب»
«وخرب حفرُ الفار سد المآرب»!
يريد فتح ثغرة في جدار المدونة، يريد حالة استثناء، لا يحكمها القانون، بل توضع في يد القاضي. وحملها الإنسان…
2- أ- 2 – الثقب الثاني : تزويج القاصر.
قال ما صورته: (ما كاينش تزويج القاصرات، ما كاينش تزويج الطفلات! بنت 14 سنة ماشي طفلة! سيرْ وقف قدام بنت 17 سنة! شوف واش هي طفلة!؟ تتقولوا خاصهم يقراوا! قريوهم. حنا ما قدرنا نقريوهم…آش دخلكم فبنات البادية. نولد البنت ونصرف عليها ونكبرها، وملي نبغي نزوجها تقولوا : لا !…)
المهم واحد الفذلكة لا أول لها ولا آخر.
عموما
هو ضد تزويج الطفلة والقاصر، ولكنه مع إحداث ثقب في المدونة: أن يكون في 14، أو 16، أو غيرهما ، لا يهم، المهم أن يكون هناك ثقب. ثقب ينفذ منه المزورون.
2’ أ- 3- قضية حذف التعصيب
كلامه في هذه القضية يدل على أنه ما زال يحتفظ بمُسْكَة من العقل، وفَتيل من القلب.
لقد نسي الفهم السطحي المتحجر الذي اعتمده في المَندَبَة. ترك الآية المفترى عليها داعشيا جانبا («أأنتم أعلم أم الله؟») وشرع في التشريع من تجربته: متى يُعطَّل التعصيب ومتى يُفعَّله، دون خوف على ضياع ما هو قطعي!!
مبدئيا هو يرفض استعمال حق التعصيب في إخراج الأم وبناتها من منزل العائلة… وكنت سأشكره من قلبي على هذا الموقف. ولكنه لم يثبت عليه، بل ثقبه كعادته!
بدأ يشرح لنا كيف نعطل الحكم دون أن نبطله: إذا كان المنزل صغيرا نتركهم فيه إلى حين…!! وإذا كان كبيرا يباع ويقتسم مع الأغراب !!
مرجعه في تشريع ما يشرعه ادعاءات وحكايات لا تُبنى عليها أحكام حتى ولو كانت صحيحة، فما بالك بها إن كانت مختلقة. وحكايات الدينسيين ، ومنهم الوعاظ، مختلقة، بقولهم: اكذب له، وليس عليه! المهم عندهم أن الكذب حلال زلال.
وهكذا …إلخ.
إضافة:
4- سبق لي أن سمعته يعبر عن موقف إنساني إيجابي من قضية الإلحاق بنسب الأب. ونوهت بذلك في حينه.
ب- فارٌ في السياسة
في مقابل هجومه على الحقوقيين، والسياسيين اليساريين، غازل حزبين اعتبرها ملاحظين، هما حزب الاستقلال، وحزب الأحرار. وطالب حزب البام بإجراء استفتاء سري لفصل القاعدة عن القيادة.
وهو هنا يحاول استقطاب شوارد الحزبين، لاسترجاع الورقة التي سحبها منه الشعب حين أنزله من القمة إلى الحضيض. من 127 مقعدا برلمانيا إلى 13 مقعدا. يريد مُصوٍّتين في البرلمان، احتياطا.
هذا الفأر السياسي لا يُعوض «تبوريدة زمان»، حين كان يقول: الشعب هو للي بغانا!
الآن حتى وإن كان يعلم أن الشعب نفض يده منه، ومن الدينسيين أجمعين، فهو يعتقد أن مندبة الدين ستغطي على صورة الفار.
هذه مرارة أشبه بمرارة 2003. كان «شبيه الفقيه» المسمى «فلان» قد وعدهم جهرا بإفشال المدونة التي مُررت، حسب دعواه/هم، في سياق الأعمال الإرهابية. ولكن هيهات، حتى الفلان أصبح يتعثر في جبته.
بيت القصيد
بالمقارنة بين المندَبة والفأر (الدعوى والحجة) يتبين أن الغرض من الزوبعة أكبر بكثير من تلك الترقيعات الحقوقية التي لا يرفضها إلا مريض نفسيا، أو منحرف أخلاقيا. والدليل هو أن بن كيران نفسه، لم يرفضها، ولم يحتج بقطعية النصوص، بل استعمل فيها المقص …
وما ذهب إليه من تلفيق سيغضب الكتَّانِيَّين ومن إليهم من حماة العصب.ولو حوكم إليهم لأقاما عليه الحد.
نحن نتحاور داخل الوطن، تحت دستور.
دستور صوت عليه المسلم، والنصراني، والبهائي، واليهودي، واللاديني، والملحد…

الكاتب : لمحمد العمري - بتاريخ : 03/04/2024

التعليقات مغلقة.