أوروبا تتبنى ميثاقا متشددا للهجرة واللجوء

باريس يوسف لهلالي

بعد عقد من الجدل والخلافات والمفاوضات الطويلة حول تدبير الهجرة الوافدة على حدود الاتحاد الأوربي، تمكن النواب الأوربيون من التصويت على ميثاق موحد للهجرة بهذه البلدان، أهم ما يميزه هو تشديد المراقبة على الحدود وإنشاء مناطق حجز خارج التراب الأوربي، وتقاسم المسؤولية بين البلدان الأعضاء. وحسب  الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود والسواحل «فرونتكس»، هناك حوالي 380 ألف شخص دخلوا حدود الاتحاد بشكل غير قانوني سنة 2023، وذلك بزيادة 17 في المائة مقارنة بسنة 2022.
أغلب المسؤولين الأوربيين اعتبروا الاتفاق هام وتاريخي، في حين رفضته المعارضة في أقصى اليمين واعتبرته مضرا بالهوية، في الوقت الذي اعتبرته أحزاب أقصى اليسار متشددا ولا يتوافق مع احترام حقوق الإنسان والقيم التي تتبناها أوروبا، وهو نفس موقف المنظمات التي تعني بحقوق المهاجرين.
غير أن القانون يتعارض مع مصالح وحاجة أغلب بلدان الاتحاد لليد العاملة بسبب شيخوخة سكانها وحاجتها الكبيرة لليد العاملة في مختلف المستويات في السنوات المقبلة لتعويض المتقاعدين وشيخوخة الهرم السكاني.
وقد تمكنت الكتل السياسية الأساسية في البرلمان من تمرير ميثاق الهجرة واللجوء الذي يعتبر إصلاحا شاملا تطلب إنجازه عقدا من الزمن، لتضارب المصالح بين البلدان الأعضاء. وعارضته أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتشدد.
مسؤولو المفوضية الأوروبية عبروا عن ارتياحهم لهذا التصويت، وعلى هذه الوحدة في الموقف تجاه ميثاق الهجرة، حيث أن تضارب مصالح بلدان الاتحاد تجعل اتخاذ القرارات مهمة جد صعبة خاصة أمام المعارضة الشرسة لبولونيا وهنغاريا لهذا الميثاق، باعتبارها بلدانا مصدرة لليد العاملة نحو باقي البلدان الأوروبية وتعتبر الهجرة الوافدة منافسة لمواطنيها بهذه البلدان.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أشادت بالتصويت قائلة إنه «سيؤمن الحدود الأوروبية… مع ضمان حماية الحقوق الأساسية» للمهاجرين. وأضافت «علينا أن نكون الجهة التي تقرر من يأتي إلى الاتحاد الأوروبي وتحت أي ظروف وليس المهربين والمتاجرين».في البشر حسب تصريح المسؤولة الأوروبية.
وقالت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيلفا جوهانسون، إن الاتحاد «سيكون قادرا على حماية الحدود الخارجية ويمكن من استقال أفضل للاجئين، وإعادة غير المؤهلين للبقاء بسرعة» إلى بلدانهم وإدخال «تضامن إلزامي» بين الدول الأعضاء.» وذلك في إشارة للضغط الذي كانت تتعرض له بعض الدول مثل إيطاليا واليونان اللتان تستقبلان أكبر عدد من الوافدين الغير النظاميين لقربهما من جنوب المتوسط مصدر الهجرة الوافدة.
نفس الموقف عبرت عنه الحكومات الأوروبية التي سبق أن وافقت على هذه الاتفاقيات التي يتضمنها ميثاق الهجرة الجديد. وبعضها اعتبره اتفاقا تاريخيا.
منظمات المجتمع المدني خاصة الحقوقية والعاملة في مجال حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين، أي حوالي 161 منظمة، لم يكن لها نفس الرأي، واعتبرت أن هذا القانون الذي صدر في الأجواء الانتخابية للبلدان الأوروبية يتضمن نوعا من تلبية مواقف اليمين المتشدد، من خلال بناء مراكز للحجز على الحدود يتم فيها حجز طالبي اللجوء في انتظار دراسة ملفاتهم، بل إن الميثاق الجديد يتضمن إرسالهم إلى بلدان خارج الاتحاد الأوروبي من اجل دراسة طلباتهم.
وقالت منظمة العفو الدولية إن الاتحاد الأوروبي يدعم اتفاقا «يعلم أنه سيتسبب بمعاناة إنسانية أكبر»، فيما حث اتحاد الصليب الأحمر الدول الأعضاء «على ضمان ظروف إنسانية لطالبي اللجوء والمهاجرين المتضررين». كما واكب هذا التصويت مظاهرات مناهضة لمضمونه.
أما أحزاب أقصى اليسار فقد اعتبرت أن الإصلاحات التي تم اعتمادها من طرف الأغلبية لا تتوافق مع التزام أوروبا بدعم حقوق الإنسان، واعتبرت ما وقع «يوما مظلما».
كما عارض نواب اليمين المتطرف إقرار القوانين العشرة التي تشكل الاتفاقية، قائلين إنها غير كافية لوقف المهاجرين غير الشرعيين الذين يتهمونهم بنشر انعدام الأمن والتهديد «بإغراق» الهوية الأوروبية، رغم أن اغلب المختصين اعتبروا أن الميثاق يلبي أكثر مطالب هذه العائلة السياسية المعادية للهجرة.
زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبين، حزب التجمع الوطني في فرنسا، هاجمت هذا القانون واعتبرت عبر تغريدة أنه في صالح المنظمات الغير الحكومية ويسمح لها بالتواطؤ مع المهربين والإفلات من العقاب». وهي تستهدف من تصريحها البواخر التي تستعملها المنظمات الغير الحكومية من أجل إنقاذ المهاجرين من الغرق.
ومن المقرر أن تدخل إجراءات الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 2026، بعد أن تحدد المفوضية الأوروبية في الأشهر المقبلة آلية تنفيذها، من خلال بناء مراكز حجز طالبي اللجوء أو إرسالهم إلى دول خارج الاتحاد، وفي إطار التضامن، سيتوجب على بلدان الاتحاد الأوروبي استقبال آلاف طالبي اللجوء من الدول التي تعد «على خط المواجهة» مثل إيطاليا واليونان في حال شعرت بأنها تحت الضغط نتيجة تدفق المهاجرين.كما يمكن أن تقدم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى المال وغير ذلك من الموارد إلى البلدان التي تعاني من الضغط، أو المساعدة في تأمين الحدود.
روما اعتبرت ما تم التوصل إليه هو «أفضل حل وسط ممكن» ، يأخذ في الاعتبار احتياجات إيطاليا ذات الأولوية»، والتي وقعت حكومتها اتفاقا مع ألبانيا التي تعهدت باستقبال من يتم طردهم من إيطاليا.
في هذا الإطار وقع الاتحاد الأوروبي مع تونس ومصر وموريتانيا اتفاقات مماثلة للذي وقعه مع تركيا في عام 2016 لوقف تدفقات المهاجرين.
الاتفاق على هذا الميثاق الجديد للهجرة والمثير للجدل، والذي انتقدته المنظمات الغير الحكومية، تم التوصل إليه من خلال إرضاء الأطراف المتطرفة من بلدان الاتحاد في نظرتها للهجرة، وهي بولونيا وهنغاريا، وهما بلدان ليس لهما وضع باقي البلدان الأوروبية، بل هي بلدان مصدرة لليد العاملة وليس لهما اقتصاد يحتاج إلى يد عاملة كثيرة مثل حاجة ألمانيا، اسبانيا، وايطاليا وبلدان أخرى في حاجة ماسة لليد العاملة مما يجعل القانون متناقض مع حاجيات اغلب البلدان الأوروبية .
بالإضافة فإن هذا الميثاق اعتمد مقاربة أمنية محضة للحدود دون أية مقاربة تنموية لبلدان الانطلاق، ودون تفكير في الحالات التي تقبل العودة إلى بلدانها الأصلية، وهو ميثاق يسعى لتعويل أوروبا إلى قلعة محصنة وسط جيرانها خاصة في الجنوب المتوسطي.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 22/04/2024

التعليقات مغلقة.