أي دور للنقد السياسي في الممارسة السياسية ؟

عبد السلام المساوي

يعتبر النقد السياسي أداة هامة من أدوات العمل السياسي التي لا غنى عنها لتقويمه وتطويره، بالنسبة للمجتمعات والقوى والانظمة السياسية على حد سواء.
والنقد السياسي يعني اخضاع الواقع بمختلف معطياته للفحص والتحليل، قصد التعرف العميق عليه، وعليها، من جهة، وقصد بلورة مباديء وأسس تقوم عليها الممارسة المستقبلية من جهة اخرى.
وبطبيعة الحال، فإن النقد السياسي ليس على نمط واحد، كما ان نتائجه ليست متماثلة بالنسبة لمن ينخرطون فيه، وذلك لسبب هام وعميق، ولو انه يبدو على قدر كبير من البساطة، وهو ان تقديرات المحللين لوضع من الأوضاع السياسية تتميز باختلاف تصوراتهم الخاصة التي تتدخل في تلك التقديرات وحسب الأهداف المتوخاة منها.
وإذا كان ضروريا عدم تجاهل معطيات الواقع المدروس، في تحليل اَي وضع من الأوضاع، فإن للتصورات القائدة لفحصها والتفكير فيها اثرها غير القابل للتجاهل او الدحض. غير ان هذا الأثر لا يستوعب كل المعطيات، ولا يمكن بالتالي، زعم قدرته على الغائها، لان ذلك يعني الاخلال بأساسيات اَي تحليل او تقدير للوضع بشكل سليم. ولا ينتظر من التحليل الذي يتسلل اليه هذا الخلل غير مجانبة الصواب. وهو ما يؤدي بخطط العمل المبنية عليه الى التخبط وغير القابلية لتحقيق النتائج المتوخاة منها، على اعتبار ان الغاية البعيدة وراء كل تحليل سياسي او محاولة فحص معطيات الواقع هو المساهمة في تغييره بما ينسجم مع مصالح الفاعلين السياسيين المعنيين.
ويتضمن كل تقدير للوضع السياسي عناصر ينظر اليها باعتبارها عوامل إيجابية واُخرى تعتبر سلبية، حيث يركز الفاعل السياسي على تطوير العناصر الاولى بموازاة العمل على تقليص مضاعفات الثانية على مجمل الممارسة السياسية.
غير ان هناك من يحول مسألة فرز ايجابيات الإنجاز السياسي في مرحلة من المراحل، الى مجرد ذريعة لتبجيلها والثناء على الذات التي ساهمت في تحقيقها وعدم تجاوز ذلك الى العمل على تطويرها وتوسيع دائرتها لتشمل ميادين اخرى. الامر الذي يوحي بأنها أقصى ما يمكن انجازه راهنا ومستقبلا. وهو موقف يحكم عليها بالجمود والتقهقر في نهاية المطاف، لان الإنجاز الذي لا يتم تطويره بشكل مستمر يكف عن كونه انجازا مع مرور الزمن وبروز مستجدات فكرية وسياسية واجتماعية تفرض على الفاعل السياسي اخذها بعين الاعتبار لتطوير ممارسته وفتح آفاق جديدة امام تحقيق إنجازات تتلاءم مع مستجدات الوضع. ذلك ان انقطاع حبل التواصل بين إنجازات المراحل والحقب التاريخية التي يمر منها المجتمع يؤدي الى النكوص والسقوط في تصورات ماضوية تحصر الإبداع في مرحلة بعينها وتحاول تدجين الواقع ليتلاءم مع معطيات ماض تم تجاوزه حكما وعملا. وهذا هو الأساس المكين لكل التوجهات النكوصية المتطرفة التي تلغي مجرد فكرة التطور والانفتاح على المستقبل من قاموسها النظري والسياسي والعملي. وهو امر ينطبق تماما على التصورات الأيديولوجية المختلفة التي تعتبر نفسها ذروة التفكير النظري غير القابلة للتجاوز، بل والتي تعتقد ضمنا ان على الواقع الخضوع لما تعتبره مسلماتها النظرية، مع ان التحليل العلمي السليم يقوم على اخضاع تلك النظريات لمسبار التجارب الملموسة، على قاعدة معطيات الواقع الملموس وليس محاولة لي عنق هذه المعطيات لتتلاءم مع نظريات علمية مكتملة ومثالية مزعومة.
صحيح ان النظرية العلمية الحقيقية هي وليدة محصلة التعاطي مع معطيات اكثر من واقع وعلى مدى زمني ما ومن هذه الزاوية فإنها قد توفر إضاءات معينة بالنسبة لمن يقارب واقعا ينتمي الى دائرة مشمولات تلك النظرية غير ان فعل الإضاءة شيء والاكتفاء بها كما لو كانت كل الواقع شيء مخالف تماما. ذلك ان الإضاءة تساعد على التعرف على الواقع في حين ان اخضاع الواقع القسري لمقتضيات نظرية من النظريات لا ينتج غير تعميق الجهل بالواقع. وهو النقيض الفعلي لكل ممارسة سوية.
وفِي المقابل، فإن فضيلة الاعتراف بسلبيات الواقع والتوجه المبدئي نحو تجاوزها وتقليص مضاعفاتها، غير المفيدة للمارسة السياسية قد تتحول عند البعض الى مجرد ذريعة للإعلان عن افلاس كل ممارسة سياسية تتوخى التقدم ومواكبة تطورات الواقع الذي تتحرك ضمنه مختلف القوى المتنافسة، بغض النظر عن كونها تدفع الممارسة الى الامام أو تعمل على انشدادها الى الماضي.
ان هذا التصور لا ينظر الى سلبيات الممارسة باعتبارها مكونات طبيعية ضمن اَي ممارسة سياسية سوية، بل يتجه الى اعتبارها الجوهر الذي على اساسه يمكن تقويم الممارسة، كما لو ان المعطى الدائم فيها هو ما هو سلبي، وان ما هو إيجابي لا يمكن ان يكون الا عرضا او عنصرا هامشيا فيها. وهذا هو الذي يميز تيارا واسعا من الذين يبخسون العمل السياسي أَيَا كان مجاله والقوى التي ساهمت في مختلف مراحل انجازه. وهذا الموقف هو أساس كل الممارسات الفوضوية التي تطفو على السطح، هنا وهناك، في مجتمعاتنا والتي حاولت قوى إقليمية ودولية استغلالها بكل ما أوتيت من دهاء وقوة لتسويغ مختلف أشكال تدخلها في الشؤون الداخلية للمجتمعات والدول التي ترى ان مصالحها السياسية والاستراتيجية تمر عبر مثل هذا التدخل بواسطة قوى داخلية وكيلة تارة، وتارة اخرى من خلال التدخل المباشر، كلما تبين لها عجز تلك القوى عن اداء المهمة الموكولة اليها وبالشكل الذي تراه ملائما لأهدافها المحددة .
انطلاقا من هذا الموقف العام من النقد السياسي، يمكن تسجيل خلاصتين أساسيتين هما:
اولا، ان النقد الذي يعتبر الإيجابي من المعطيات والانجازات على ارض الواقع نهاية مطاف التحليل والتقدير السياسي، وحالة مثالية من الإنجاز، ليس لها ما بعدها، هو نقد منقوص وغير منتج. ليس لكونه يتجاهل الجوانب السلبية التي تعج بها معطيات الواقع فحسب، إنما لكونه يرفع ما هو منجز الى حالة من الثبات والجمود بحيث يستعصي على التحول والتغير الذي هو السمة الوحيدة « الثابتة» في كل واقع وتحليل. وهو يؤدي في الواقع الى تعطيل العمل السياسي.
ثانيا، ان النقد الذي يغض الطرف، بشكل إرادي او غير إرادي، عن كل ما هو إيجابي في الواقع والانجازات التي حققتها الممارسة السياسية، لمختلف قوى المجتمع، بل ولا يتردد في تبخيسها، بشكل منهجي، تحت دعاوى وذرائع مختلفة، ليس مجانبا للصواب فحسب، بل انه يتحول مع تعميم رؤيته التبخيسية لتشمل كل محاولات التأثير الإيجابي في الواقع، الى سد منيع امام كل مقاربة واقعية وعقلانية ومسخ الممارسة السياسية واختزالها في نوع من الفوضى والعدمية القاتلة للابداع.

لا وجود بيننا لمغربي عدو للمرأة

لم يعد الحلال بينا والحرام بينا ، بل استشكل على الناس أمر دينهم بفعل تأثير هذه الايديولوجية الاخوانية . فلا شك ان مواقع التواصل الاجتماعي فتحت المجال امام الشيوخ والدعاة للاستخفاف بعقول الناس وإيمانهم بعد أن جعلوا الدين أكثر تعقيدا وتشددا .
فلم يعد أحد يستفتي قلبه ، بل يستفتي الدعاة والشيوخ ذوي الخلفية السلفية والإخوانية الذين يوجدون بمواقع التواصل الاجتماعي .
إن معضلة الأمة الاسلامية تكمن في خضوعها الطوعي لوصاية الفقهاء والشيوخ والدعاة على عقولها وقلوبها ، أي رضيت لنفسها ان تتنازل عن عقلها وتقبل بأن يفكر الشيخ والفقيه نيابة عنها . فهي تسلم بكل ما يقوله الدعاة والشيوخ باسم الدين وترفض اخضاعه للنقد والمراجعة .
والعيب ليس في الأمة ولكن في الأنظمة السياسية التي حكمتها طيلة 14 قرنا الماضية ، والتي حاربت العقل والمنطق والفلسفة ومكنت الفقهاء والشيوخ من عقول وضمائر الناس ، حيث يفضل الشخص استفتاء الفقيه بدل الطبيب .
معروف عن التيار السلفي تركيزه على القضايا السخيفة وخاصة تلك التي ترتبط بالغرائز الجنسية .
فما يشغل شيوخ هذا التيار هو المرأة والجنس والأعضاء التناسلية ، لهذا نجد شيوخه ودعاته يبدعون في الفتاوى الشاذة ، التي تلبي انشغالاتهم الجنسية . فما يراه هؤلاء الشيوخ والدعاة هو عورة الناس .
وشاءت الظروف ان تمتد موجة السلفنة والأخونة لتغزو المغرب وتشغل المواطنين بفتاوى السخافة والشذوذ .
وبالمناسبة نحيي المواطنين الذين يتصدون لمثل هذه الفتاوى بالتنكيت والسخرية ويجعلون الشيوخ إياهم موضوعا للاستهزاء .
ويظهر من المواضيع التي تشغل شيوخ السلفية مدى تمكن عقد الكبت الجنسي منهم وسيطرتها على تفكيرهم وأبصارهم .
فهؤلاء لا يرون في المجتمع غير عورات الناس التي جعلوا منها مصدر « الفتن « .انهم يسقطون شذوذهم وعقدهم الجنسية على الانسان والجماد معا ، كأن يفتي أحدهم بحرمة نوم المرأة بجانب الحائط او بزناها اذا سبحت في البحر او المسبح لأن الماء يتسرب الى فرجها .
لقد شغل ويشغل هؤلاء الشيوخ والدعاة المواطنين بقضايا سخيفة وتافهة بدل الاهتمام بقيم المواطنة والافتاء في مواضيع تتعلق بتصرف المواطنين في الفضاء العام ورمي النفايات في الشوارع والاماكن العمومية او بالغش في المواد ورفع الأسعار ….
فهذه المواضيع وغيرها هي التي تفيد في بناء مواطن سوي متشبع بقيم المواطنة ، ويحافظ على نظافة الشوارع والبيئة .
فلينظر الشيوخ ، اذا كان لا بد من تدخلهم في شؤون الناس ، الى تصرفات هؤلاء المشينة والمضرة بالمجتمع والبيئة معا .
فبدلا من النظر الى عورة المارة في الشارع فلينظر الشيوخ الى تصرفات المارة مع اشارات المرور والنفايات .
لكن الايديولوجية السلفية والاخوانية لا تسمح للشيوخ والدعاة بالاهتمام بقيم المواطنة وتربية الأجيال عليها .
ان الشيوخ اياهم لا ينظرون بعقولهم وضمائرهم ولكن بغرائزهم واعضائهم التناسلية.والذين يحتقرون المرأة هم :
الإرهابيون ، الداعشيون ،شيوخ الفقه التكفيري ،أصحاب الدمار الذي ينزل من بين شفاههم قبل ان يسقط في روع أتباعهم ، ليتحول الى لهيب يحرق الأخضر واليابس وما بينهما أينما حل وارتحل . المتسببون في الدمع المتختر على شفاه الفتيات اللواتي قتلن تحت زخات الرجم الجبان …الذين يئدون حياة النساء تحت الخرق التي غطتهن من أخمص القدمين الى غرة الرأس ..
الذين يدعون إلى تحطيم الاثار الفنية وتكسير الآلات الموسيقية وخنق الغناء المخنوق في حناجر الشباب التواق للحرية .
الذين يحفزون الشباب على الانتحار ، على تهزيء العلم وصناع المعرفة ، على تبرير ضرب النساء والتفنن فيه ، على منعهن من السياقة « درءا « لأفاعيل الشيطان الذي لا يعشعش الا في وجدانهم المكفهر ، على قتل المخالفين واحتقار معتنقي الديانات المخالفة ، على تحريم الغناء والموسيقى ، على ترهيب الشباب من الحياة و يتلاعبون بمشاعر الناس وبفطرتهم الدينية لتنميطهم في شكل رعايا تحت سطوة شيوخ التكفير والموت .
نواجهكم ساخرين متهكمين ، ونواجهكم بلغة الإبداع المترجمة لألم الانسان وجرح الوجود ، انتم من دعاة الخراب والدمار ، شيوخ الحقد والإرهاب …
من المسؤول عن اهدار الأرواح التي حصدها الموت على حين غرة وفي غفلة من أصحابها ؟
تفتون كأنكم ترجمان الله على الأرض ، لا يفهمه الا انتم ولا يشرح كلامه الا أمثالكم
ولم تسألوا أنفسكم لحظة واحدة عن اثار الفقه الأسود المدمر على السامعين ؟
ذلك الفكر الذي تنشرونه اليوم ، الفكر الضال المضل المدمر الكاره المخيف المنهك الممقت الذميم المختل الجديب الممحل القحيط السحت الكريه ، المسمى « فكر التكفير « ؟
تكذبون على الدين ، وتفتون لنا بغير علم . ( تقدحون من رؤوسكم ) وانت تحدثوننا عن الله ، والرسول ، والصحابة كل مواعظكم تدليس، وفتاواكم كذب، وقصائدكم رقص ، ودموعكم نفاق…
متأكدون أن النبوغ المغربي سيدع لنا طريقة ما للتخلص من هذه الكائنات الداعشية وتطهير عقولنا من خرافات وأصنام الفكر القرسطوي ، وشبه مؤمنين بأن في نهاية هذه القصة الأليمة أخبارا سارة للغاية ، تنهي اتجار شيوخ الفقه الأسود بالدين ، وتدخل بنا الى مغرب ديموقراطي وحداثي، وتنسينا كثير الفظاعات التي كان سببها دعاة الفتنة والتخلف …
حاشا ان يكون هؤلاء الداعشيون ممثلين للدين الاسلامي او مدافعين عنه ، او حتى منتسبين له …
هؤلاء الذين تطاولوا على المرأة قاطرة الحرية والحداثة والديموقراطية .
هؤلاء قادة الفتنة ورموزها لا تليق بهم غير الصرامة والحزم ، فقد خرجوا عن جماعة المسلمين ولا يجب أن ندعهم يخرجون بالبلد من دائرة الأمان الى جحيم الوباء ..الجماعات المتاجرة بديننا وجه لوباء اخر أخطر بكثير من كورونا يتهددنا منذ القديم…
علينا ان نستفيد من المرض الذي عبر ويعبر العالم اليوم ، ومثلما تعلمنا جميعا أن النظافة مهمة لقتل أي وباء ، يجب ان نستوعب ان تنظيف بلدنا ضروري للقضاء على فيروس العنف والارهاب هذا الذي يجعل الدواعش يسيؤون الى المرأة…
ان التساهل مع هؤلاء الجهلة وهؤلاء الارهابيون أمر لم يعد ممكنا لذلك وجب الضرب بيد من حديد ، ان وباء الجهل والارهاب أسوأ وأخطر وأشد ضراوة من أي وباء اخر يشتغل العلماء الحقيقيون اليوم على البحث له عن مصل أو لقاح …
لقد صبرنا طويلا على هاته الجهالة المستشرية في قومنا ، والتي تسللت الى بيوتنا وأضاعت ذوق أبنائنا وبناتنا ، وها هو اليوم هذا الوباء المرعب المسمى كورونا يعطينا فرصة التخلص منها إلى الأبد ، والتخلص من أثارها الوخيمة والمدمرة …
ان المغرب يحضن شعبا طيب الأخلاق والأعراق ، وان هذا الشعب يحب الجمال ، شعب متفتح ومنفتح …متسامح ويومن بانسانية المرأة وفعاليتها…
الذين يحرضون على الكراهية والتمييز والعنف ضد النساء والفتيات وعلى الحد من حريتهن بالفضاء العام ….. ظلاميون وارهابيون ، اعداء الوطن واعداء الشعب ، أعداء الورد والجمال…هؤلاء المجرمون لا يهمهم الوطن ، لا يهمهم ابناء وبنات هذا الوطن …هؤلاء المجرمون يتاجرون بالدين …هؤلاء المجرمون ينشرون الجهل ويزرعون الموت …هؤلاء المجرمون يزرعون الفتنة والرعب …هؤلاء المجرمون يزرعون الحقد والكراهية …هؤلاء المجرمون اعداء الانسانية …هؤلاء المجرمون خطرهم أخطر من جائحة كورونا …من هنا وجب تطهير هذا البلد من الخطرين …
متأكد انه لا وجود بيننا لمغربي عدو للمرأة…
الشعبوية ….

« الراقصة والسياسي »

يعتقد البعض، وهو اعتقاد مغشوش، أنه كلما تعمق في قاموس الإسفاف والبذاءة، كلما ترك الانطباع عند من يوجه إليهم رسائله، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، بالمستوى الأعلى من القوة التي يتمتع بها وربما ذروة الصدق التي بلغها في معالجته لقضايا الخلاف. لكن الحقيقة التي يستعصي عليه إدراكها ان اللجوء إلى هذا القاموس هو الدليل الذي لا يخطيء على ضعف الحجة وانعدام القوة والقدرة على مجابهة التحديات الفكرية أو السياسية المتولدة عن موضوع الجدل الذي دفع هؤلاء دفعا لأن ينهلوا من قاموس البذاءة والإسفاف أدواتهم الدفاعية وأسلحتهم الهجومية المثلومة بالتعريف.
ليس هناك ما يعادل في عمليات الجدل والإقناع والدفاع عن الحقائق والمواقف قاموس الصدق وتوازن المقاربة على قاعدة احتمال الصواب والخطأ.
وهي على كل حال تنم عن نضج في التفكير وصدق في النوايا تسمح بمقارعة الحجة بالحجة كما قواعد النقد والنقد الذاتي التي يستدعي بعضها البعض الآخر في كل حوار أو مناظرة يستحقان هذا الاهتمام
ان الشعبوية اصبحت عملة سياسية رديئة لا يقبلها سوق التداول السياسي ولا تغري بالمتابعة ولا تحقق مكاسب ولا تخفض أسعارا ولا ترفع أجورا ولا تقلص بطالة ولا تحارب فسادا ولا تصلح خللا ، بل تقود فقط الى الخراب السياسي والهروب من المشاركة في الشأن العام . والدليل ان المغاربة عانوا من ويلات الشعبوية والشعبويين لقادة الحزب الحاكم السابق طيلة العشر سنوات دون فائدة تذكر اللهم ما حققه أولئك الشعبويون من إصلاح لأحوالهم الشخصية .
والحقيقة القاسية أن الشعبوية أضحت موضة العصر ومن الأمراض التي تفتك بجزء من نخبتنا الحزبية ، حتى أصبح العمل السياسي مع مرور الزمن من اختصاص فئة قليلة من المنبريين ، اي زعماء بعض الأحزاب الذين يحترفون اطلاق الكلام على العواهن أمام المنابر الإعلامية والسياسية وبيع الوهم للشعب ، ومنهم من يقول الشيء ونقيضه ويتناقض مع نفسه من لحظة الى أخرى ، لكسب صوت هنا أو هناك ….
والنتيجة ان الشعبوية كما العدمية ، كلتاهما تمثل عجزا عن إنتاج بديل سياسي واقعي بأرقام واضحة وأجندة زمنية محددة ، وتعكس سياسة الهروب الى الامام في وجه تقديم أجوبة للطلب المجتمعي ، فيأخذ الحل شكل اللجوء الى خطابات غارقة في التزييف من دون بدائل حقيقية للمجتمع والدولة .
المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس الى بوليميك فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال ، لقد سئم الراي العام من مسرحيات السب المتبادل والاتهامات المتبادلة بين بعض زعماء الأحزاب . والرأي العام يسجل ويتابع في هذه اللحظة من من الزعماء يتقن فن السب والوقوع في التناقضات ، ومن منهم ينتج خطابا سياسيا متماسكا معبر عن مشرع مجتمعي ..
المغاربة محتاجون لاجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد ، وليس الى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكنه لا يغير أحوالهم نحو الأفضل.
« البطل الشعبوي « كسر الطقس وخرج عن النص ؛ أبى إلا أن يقف فوق الخشبة ليصرخ ، وينتشي بصراخه متحركا ذات اليمين وذات الشمال « مشيرا « بيديه ( ومخرج عينيه ) ، ومستعرضا تناقضاته وهلوساته ، وتخيلنا أننا أمام « بهلواني» ونسينا أننا أمام « زعيم « سياسي …
وقف « الزعيم « على الخشبة ليصرخ ؛ انتبهوا « الزعيم « يخاطبكم ! وانطلق يخطب بشعبوية متفوقا على كل الشعبويين من قبل ومن بعد….. ينسى الزعيم أن من يهذي لا يفكر ، وان تأثير الهذيان عابر ومؤقت في الزمان والمكان …
الشعبوي لم يخلق ليكون زعيما !
منذ مدة والشعبوي يتدرب لكي يخرج من النكبة والمحنة
منذ مدة وهو يتفقد ذاته ان كان فيه أثاث الزعامة …فخرج علينا بالتهجم على هيئة الدفاع …
لكنه للاسف لم يخلق لهذا الدور ….فمهنة المحاماة عصية على الاختراق والاغتصاب ….
يحاول ان يكون شعبويا وديماغوجيا ، الا انه يفشل في ذلك ..
فيحاول ان يكون ديموقراطيا ، الا انه يفشل في ذلك …
يسعى إلى أن يكون مناضلا ، لكن يبدو وكأنه يمثل ، ويفتعل هذا الدور ، ولا يؤمن به في قرارة نفسه …
ومهما بذل من مجهود ، فلا أحد يصدق انه مناضل …
وكلما جرب ان يبدو حقوقيا وينتفض ، تفضحه انتهازيته وحماقته …تفضحه صورته التي كونها الناس عنه ….
لن يهتم به أحد مهما صرخ …لن يسمعه احد مهما رفع صوته….
عبثا يريد تبييض صورته وسيرته….
وها نحن نحمد ربنا اناء الليل وأطراف النهار على هذا المكروه السياسي العظيم ، وعلى هذا الابتلاء الحزبي العابر …
وها هو الآن تحول الى « حلايقي « ، ويريد البقاء على رؤوسنا الى نهاية الزمان ، ويريد البقاء زعيما الى ان ينقرض ….
تراه يتصور انه يستطيع الاساءة الى مهنة المحاماة بهلوساته وهراءاته …
لا نعتقد ذلك ، ولا نظنه . فمن قلب عناد المحاميات والمحامين ، يسرنا ان نبشره ؛ مهنة المحاماة قاطرة النضال الديموقراطي ورافعة النضال الحقوقي ، بالأمس وغدا …
وكفى الله خلقه الآدميين شر الاضطرار إلى التمييز يوميا بين المناضلين والمهرجين …
ان هذا البلد العظيم يستحق ما هو اجمل بكثير من كل هؤلاء الوافدين ..
مهنة المحاماة عقدة تسكن الشعبوي ، عقدة ترقد فيه وتستيقظ في كل مناسبة وفي كل محطة مفصلية من مسار بلدنا التواق الى الديموقراطية والحداثة …
المحاميات والمحامون هم من كشفوا هشاشة الشعبوي ، ومن وأعلنوا أن الشعبوي مجرد ديكور وممثل فاشل في مسرحية يخرجها غيره …
ليس صدفة ولا عبثا أن يحقد الشعبوي على المناضلين …يخاف من الشرعية والمشروعية …يخاف من التاريخ الممتد في الحاضر والمستقبل
المغرب لم يكن أبدا بلد التافهين …
المغرب بلد أمير المؤمنين …
المحاميات والمحامون هم الكابوس الذي يزعج الشعبوي في الحلم واليقظة…
للتاريخ صناعه ؛
سقط القناع عن الشعبوي…
والنزاهة الفكرية موضوعة فوق طاولة النقاش ، ايضا ، إذ كيف يمكن أن تحدثني بأقاويل متناقضة ، وكيف يمكن أن تقنعني بسلوك يتناقض مع شعاراتك الانتخابية ، دون أن تكون قمت بالضروري من المراجعات والقراءات النقدية لذلك العبور من الاخلاقوية الى الانتهازية…
وليست حكاية التناقضات في لغو الكلام وحدها ما يدفع إلى التحليل النفسي والفكري والأخلاقي لظاهرة الشخصيات في شخص الشعبوي ، ففي مسار الشعبوي كثير من التمزقات الداخلية للانعتاق من التلف….
يظهر بالواضح والمكشوف أن الشعبوي ، لا تهمه مصلحة هذا الوطن ولا مصلحة أبنائه ولا مهنة المحاماة ، كل ما يهمه هو مصلحته الخاصة….
مغربي صادق أو منافق انتهازي …التاريخ هو الفيصل بين يحب الوطن من أجل الوطن وبين من يدعي « حب الوطن « لأنه طريق للاثراء اللامشروع….
الشعبوي يستبلد المغاربة ، يكذب عليهم ويعتبرهم بدون وعي ولا ذاكرة ؛ يشوه الحقائق ويؤول تاريخ النضال السياسي بالمغرب تأويلا سيئا ، تأويلا قذرا ؛ انها عقدة « المناضل « التي ترقد في شعور ولا شعور الشعبوي .
التاريخ يشهد ان المحاميات والمحامين، كانوا ومازالو ، مناضلين…انهم اصحاب قضية …ناضلوا ، رافعوا ودافعوا لتبقى الراية مرفوعة …كرامة المواطن هي العنوان والعدالة سيدة الميدان….
لا احد يجادل ، الان وغدا ، ان قطاع المحاماة لعب رياديا وتاريخيا في المحطات المفصلية والحاسمة من تاريخ بلادنا ، انخرط بقوة ، بوعي وارادة، في الحركة الوطنية ودافع باستماتة لتحرير البلاد وتحرير الانسان.
وفي قمة الزمن الاسود والقمع الهمجي الأعمى يفتك بالبلاد ، والديموقراطيون يعيشون المحن ، والمؤسسات والوحدة الترابية قد اصبحت في خطر ، كان قطاع المحاماة قاطرة استراتيجية النضال الديموقراطي ، وراهن على ان انتصار الديموقراطية والتقدم الاجتماعي ، انتصار العدالة القانونية والاجتماعية ، يقتضي الانخراط الواعي ضمن دينامية مجتمعية وتاريخية يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي ، بما يعنيه ذلك من قطع مع اساليب القمع والظلم ، الاستيلاب والاستغلال…
يسجل التاريخ ، يسجل تاريخ النضال الوطني والديموقراطي ، ان المحاميات والمحامين ، لعبوا دورا طلائعيا وقياديا في التوعية والنضال ، النضال من أجل الحرية والعدالة والنضال من أجل ارساء دعائم وأسس دولة الحق والقانون ….

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 05/01/2023

التعليقات مغلقة.