ابن كيران والبحث عن زعامة زائفة!

اسماعيل الحلوتي
لا أحد اليوم من المغاربة وغيرهم من شعوب العالم الحر يرضى بغطرسة إسرائيل واعتداءاتها على سيادة بعض البلدان العربية وسلامة أراضيها، كما هو الشأن بالنسبة للعدوان الغادر الذي استهدف مقر وفد حركة حماس المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة، فضلا عما يتعرض إليه الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية في الضفة وقطاع غزة تحديدا، الذي تحول الجزء الأكبر منه في الثلاث سنوات الأخيرة إلى أنقاض ورماد بفعل نيران القنابل والصواريخ، حيث لم يعد يسلم من همجيتها لا بشر ولا شجر ولا حجر، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وكافة الأعراف والقوانين الدولية، خاصة ما يتعلق باتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين في المناطق المحتلة…
فلا أدل على رفض الاعتداءات الإسرائيلية والتضامن مع الشعب الفلسطيني أكثر من المظاهرات، التي ما انفكت تشهدها عديد المدن والعواصم عبر العالم للتنديد بعربدة العدو الصهيوني على قطاع غزة، ومنها المغرب، تونس، أستراليا: إسبانيا، إيطاليا، السويد، نيوزيلندا، بريطانيا، فرنسا وغيرها كثير، حيث الأصوات تتعالى والاحتجاجات تتوالى، مطالبة بالوقف الفوري للمجازر البشرية والجرائم الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في حق مواطنين عزل، فرض عقوبات على إسرائيل ودعم الشعب الفلسطيني بإدخال المساعدات الإنسانية إلى أهل غزة، على غرار ما يقوم به عاهل المغرب محمد السادس، دون إغفال محاكمة قادة الاحتلال الصهيوني على ما اقترفوه ويقترفونه من جرائم حرب بشعة.
وإذا كانت إسرائيل تواجه انتقادات شديدة اللهجة حتى من بعض قادة البلدان غير العربية والإسلامية، بسبب ما تقدم عليه من تجاوزات للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية في تعاملها مع الفلسطينيين وغيرهم من الشعوب العربية والإسلامية، من حيث انتهاكات حقوق الإنسان التي تشمل الاعتقال التعسفي، التعذيب، قتل العمد للمدنيين وتدمير الأراضي الزراعية والمدارس والمستشفيات والمرافق المدنية، التهجير القسري وخاصة في القدس والضفة الغربية، الاستيطان غير القانوني وما إلى ذلك من تجاوزات… فإن عبد الإله ابن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، يأبى إلا أن يتمادى في تجاوز حدوده واختصاصاته المرتبطة بالشأن الحزبي والسياسي، والتطاول على المؤسسات والوزراء وحتى قادة البلدان العربية، من خلال خرجاته الإعلامية الشاردة. إذ أنه وبعد أن سبق له أن أشعل فتيل الانتقادات على مواقع التوصل الاجتماعي عندما سمح لنفسه بالتطاول على المؤسسة العسكرية، في كلمة له خلال اجتماع الأمانة العامة لحزبه ذي المرجعية الإسلامية يوم السبت 31 ماي 2025، قال: “إن مشاركة فيالق مكونات من الجيش الإسرائيلي فوق أرضنا في مناورات عسكرية، هو أمر لا يجوز شرعا ولا ديمقراطيا” وأضاف بأن “هؤلاء الإسرائيليون يقتلون إخواننا ولا يجوز لنا أن نشاركهم في أي شيء، وأملنا أن تسارع بلادنا إلى وقف كل أشكال التعاون أو العلاقات مع هذه الدولة المارقة”
ها هو يعود يوم السبت 13 شتنبر 2025 ليشن هجوما عنيفا على كافة الأنظمة العربية، متهما إياها بالخذلان والتقاعس عن حماية شعوبها في مواجهة ما وصفه ب”عدوان إسرائيل المتصاعد” وذلك في كلمة له إبان اجتماع الأمانة العامة لحزبه، حيث قال بفصيح العبارة “إن الشعوب العربية لم تعد تشعر بالأمان داخل أوطانها” ثم أضاف دون أن يخجل من نفسه بأنه “لم يعد يرى مانعا في أن تقصف إسرائيل حتى مقر الحزب” في إشارة إلى ما اعتبره غياب الحماية الفعلية من حكام المنطقة، وكأننا به يريد أن يضع نفسه في مستوى الراحلين إسماعيل هنية أحد أبرز قادة حركة “حماس” الفلسطينية أو حسن نصر الله الأمين العام ل”حزب الله” اللبناني اللذين اغتالتهما إسرائيل في غارتين متقاربتين: الأول في 31 يوليوز 2024 داخل العاصمة الإيرانية طهران، والثاني في 27 شتنبر 2024 في الضاحية الجنوبية لبيروت.
فهل يعقل والحالة هذه أن يأتي اليوم الأمين العام الحالي للحزب الذي سبق لسلفه ورئيس الحكومة الأسبق سعد الدين العثماني أن وقع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني في 10 دجنبر 2020 أمام أنظار العالم، وقررت الأمانة العامة للحزب دعم قرار الملك محمد السادس، معتبرة أن ملف “الصحراء المغربية” مقدم على “القضية الفلسطينية”، ويخاطب بلغة مباشرة ونبرة حادة دون أن يرف له جفن ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية، العرب الذين كانوا على موعد مع انعقاد القمة العربية الاستثنائية بالدوحة يوم الإثنين 15 شتنبر 2025 لإدانة العدوان الإسرائيلي على قطر، مطالبا إياهم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وسحب سفرائهم، ويقول: “إذا لم تحمونا من إسرائيل، ما بقات بيعة” مؤكدا “أن فقدان الشعوب لشعور الحماية من حكامها” لا يعني سوى “سقوط الميثاق والبحث عن بدائل أخرى”.
من هنا يتضح أن الاستمرار في الحديث عما يأتي به ابن كيران من حماقات ومهاترات، ويقوم به من تطاول على المؤسسات وهجومات غير محسوبة العواقب منذ إعفائه من تشكيل الحكومة في مارس 2017 لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت، لاسيما أن الرجل لم يعد لديه ما يخسر إثر تقدمه في العمر وفقدان البوصلة والمصداقية، لاسيما بعد حصوله على معاش استثنائي بقيمة سبعة ملايين سنتيما شهريا، مقابل خمس سنوات من القرارات الجائرة في حق الشعب المغربي، الذي ما زال يؤدي فواتيرها مكرها.
الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 18/09/2025