استنهاض الدول العربية بين الفعل والاقتباس

بقلم: محمد الصفى

ربما الحديث عن أهم العوامل الممكنة لاستنهاض الأقطار العربية يجرنا للحديث عن مرحلة كانت هذه الأقطار هي سيدة العالم شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وكانت كل الشعوب تضرب لها ألف حساب، سواء على المستوى العلمي أو الأدبي أو الإبداعي وحتى الحربي، ومن هذا المنطلق نقول أنه لا يوجد هناك منتصر دائم أو لا رقي دائم، إنها حركية التاريخ بكل فصوله التي تنبني على شكل هرم كلما وصلنا إلى قمته نشرع في النزول، نزول رهين طبعا بأسباب سجلها التاريخ بكل أسف للأقطار العربية التي لم تستطع المحافظة على هذه النهضة، أسباب تعود بالأساس إلى الصراعات حول الحكم و البذخ والانسلاخ عن المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية التي دعا إليها ديننا الحنيف الإسلام، مما جعل أمم أخرى تتقدم لما تمتلكه من هذه المقومات، لذلك أرى أنه أية أمة تريد أن تنهض فلا بد من توفرها على المقومات التالية: احترام حقوق الإنسان ومنح الحرية لشعبها الحرية التي تفك قيود العبودية والخنوع والظلم والاستبداد وتجعله يبدع وينتج وفق تحركات يغلب عليها الوازع الأخلاقي.
إضافة إلى إيلاء الأهمية البالغة للتعليم والبحث العلمي فكلما كان المجتمع متعلمًا ومتقدمًا في العلم كلما كان أقدر على تحقيق النهضة، لتبقى أهم عوامل اي نهضة هي التشبع بالقيم الإنسانية والحضارية من عدل وتعاون وتسامح وتعايش ورحمة وصدق وأمانة وغيرها كثير، فكلما كانت الأمة تمتلك قيما إنسانية حضارية في واقعها وحياتها كانت أقرب إلى النهضة والنجاح والتقدم.
قد نجزم أنه لا علاقة تربط تقدم أي مجتمع بلغته كيفما كانت عربية أو فرنسية أو إنجليزية بقدر ما يرتبط التقدم بمشكلة التعليم، بحيث أن العرب لم يولوا اهتمامهم باللغات الأجنبية من أجل تعلمها وترجمتها للعربية حتى يستفيد منها طلبتهم وتلامذتهم بحكم أن العامل اليوم أصبح قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا الحديثة، فنحن لا ننكر أن اللغة العربية هي لغة القرآن، لغة السنة، لغة التراث، لغة القانون، لغة الأدب، لغة المبادئ والأخلاق والقيم، لكننا كعرب لم نعرها الاهتمام هي الأخرى فلا نحن استفدنا منها واستخدمناها للرقي ولا اهتممنا باللغات الأخرى، وبقراءة مبسطة حول حصيلة البحوث العلمية المنجزة باللغة العربية نجدها جد ضئيلة إن لم نقل منعدمة في بعض الدول العربية، وحتى المنجز منها لا تتم ترجمته ليكتسي الصبغة العالمية وتعطي بذلك القيمة المستحقة للغة العربية ولشعوبها لكي يتبوؤوا مكانتهم ضمن الدول المتقدمة. فرغم ما يشهده العرب من انتكاسات خلال القرون الأخيرة على مستوى الرقي الحضاري فهو يشهد أسماء لها وزنها على المستوى العالمي في عدة مجالات كالطب والفلك والبحث الزراعي والهندسي وغيرها لكن للأسف نجد أغلبهم مجنس بجنسيات أجنبية مما يجعل أعمالهم تتبناها تلك الدول، بحكم أنهم لم يجدوا التشجيع الأنسب من دولهم العربية، من هنا يمكن القول أنه بالإمكان تحقيق استنهاض عربي دون اللجوء لاقتباس أو تقليد عناصر النهضة الغربية، لأنا أصلا كعرب أصحاب فضل كبير لما وصلت إليه الشعوب الغربية وذلك بشهادة رجالاتهم منهم الباحث جوتيه حيث قال «إن العرب علمونا صنع الكتاب وصنع البارود وعمل إبرة السفينة، فعلينا أن نفكر ماذا كانت نهضتنا لو لم يكن من ورائها هذه المخلفات التي وصلتنا من المدنية العربية..» كما قال ميجون: «لا ننكر على العرب بأن لهم الحظ الأوفر من هذه المدنية وهم واضعو أسسها، وقد أفرغوا هذه العناصر المختلفة في قالب متجانس متناسب فأوجدوا منها مدنية مطبوعة بطابع عظمتهم وسلامة ذوقهم» فهل نحن أقل شأنا من أجدادنا من قبيل الشريف الإدريسي الجغرافي الذي علم أوروبا علم الجغرافيا وبن خلدون واضع فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، والفزاري أول من استعمل الأسطرولاب من العرب، وعلي بن أحمد بن يوسف بن الخضر المشهور بزين الدين الآمدي مخترع طريقة الكتابة بالحروف البارزة الخاصة بالعميان، وعباس بن فرناس حكيم الأندلس الذي سبق الأوروبيين في الطيران كما أنه أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك الموسيقى ووضع الآلة المعروفة بالمثقال ليعرف بها الأوقات، وعبد الرحمن بن بدر من وزراء الناصر الأندلسي الذي كان أول من توصل لطباعة الحروف قبل مخترعه المشهور جوتنبرغ الألماني، أو الرازي وابن جابر أول من وضع أساس الكيمياء الحديثة، زد عليها اختراع أول ساعة دقاقة كبيرة ومعظم المستحضرات والأدوية المستعملة كالأشربة والدهون والمراهم والغول (الكحول) واللعوق والبنج و … ولولا العرب لما تحقق ما نحن فيه، فكيف لنا أن نقتبس من أناس تعلموا منا ؟

الكاتب : بقلم: محمد الصفى - بتاريخ : 30/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *