الأشكال التقليدية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمنطقة الريف الشرقي

بشرى أعراب

في ما يخص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، يمكن أن نشير إلى أن فكرة التضامن والتعاون تعتبر إرثا تقليديا منذ القدم. فالمجتمعات التقليدية في هذه الربوع، والتجمعات القبلية في مناطق أوسع جغرافيا، عرفت ما يسمى اليوم بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بما تحمله هذه الكلمة من معنى لأشكال الحياة التعاونية والتضامنية في عدة مواسم فلاحية بالأساس التي يعيشها المجتمع المحلي على غرار، الزراعة والحصاد، جني التمور وجني الزيتون، وغيرها من الأشغال التي تحمل سمة التعاون بين مختلف الأفراد، والتي تؤكد وتدعم البعد التضامني داخل المجتمع التقليدي.حيث تعتبر قيمة التضامن من بين القيم الحضارية الضاربة جذورها في تاريخ المجتمع المغربي ومن أكثرها استمرارية. إذ تمتد جذورها إلى الأصول القبلية الأمازيغية من حيث الانتماء والتعاقدات الاجتماعية العفوية، لتتعمق أكثر مع انتشار الإسلام الذي أكسب العادات التضامنية عمقها الإيماني الروحي، بينما استمر بعدها التعاقدي من خلال التشريعات والأحكام الفقهية.ولعل أوضح المؤشرات الدالة على هذه القيمة ما نجده من عادات في حاضر المغاربة موروثا عن ماض ممتد مثل “التويزة” و”أكادير” و”العكوك” و”الخطارات” و”الشرط” و”الوزيعة” …
يتواجد الأمازيغيون في شتى نواحي العالم، ولكنْ يتمركز وجودهم أكثر في الجانب الشمالي من القارة الإفريقية، رغم تعَرُّب الريف الغربي، احتفظ الريف الشرقي والأوسط بلغته الأمازيغية التي تعرف باسم الريفية.ويمتدّ الريف الشرقي والأوسط الناطق بالريفية على مساحة حوالي 40.000 كيلومتر مربع ويسكنه حوالي 4 ملايين ونصف المليون من الناطقين بالأمازيغيّة الريفية، وتتميز هذه المنطقة بتنوعها الجغرافي، وإطلالها على البحر المتوسط والانخفاض النسبي لدرجات الحرارة مقارنة ببقية المغرب.
تتجلى اهم الأشكال التقليدية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بهذه المنطقة في التقاليد والعادات التي تجسد أوجه التضامن والتكافل الاجتماعيين. فبعضها يدخل في خانة المشترك مع باقي مناطق المغرب . فنجد مجموعة من العادات والتقاليد تجسد بشكل واضح التضامن الاجتماعي والاقتصادي من بينها مثلا، « الفتوح » عند ازدياد المولود في الريف تتميز بمراسم وطقوس يسودها نوع من التضامن، حيث أنه عند سماع النسوة المحيطة بحمل السيدة تتجمع عليها من نواحي القرية، لإعانتها وتقديم يد العون لها حتى تشفى وتضع مولودها، عندئذ تزين بالحناء ويعتنى بها في جو دافئ داخل بيتها، وعند مخاضها تأتي القابلة التي تعينها نفسيا ومعنويا بنصائح لأجل أن تبقى محافظة على سلامة الرضيع. فتأتي امرأة من الجماعة تحمل في يدها كتلة تراب تسمى بورس فترمى الكتلة أمام أعين الحاضرات وتردد قول اذكوجن اسنديفن فترد الحاضرات ويتغيمي اروى ذيجينو، وهذا الفأل يمكن من تهدئة الوالدة معنويا بحيث يقول معناه ستذهب الجروح ولن يبقى منها شيء، ثم تقوم القابلة بتمريضها وتكمل عملها بجمع كل الفتائل والثياب التي تم فيها الوضع وأخذها لغسلها في الواد. في نفس اليوم يقام عزف موسيقي تقليدي،يأتي الشيوخ الموسيقيون المعروفون في جل الأوساط الريفية بـامذيازين، يقدمون عرضا موسيقيا أمام مسكن المولود بالتي  ازمار و اواشاون الة النفخ ذات القرون وضرب الدف، يختمون بدعاء لأهل المسكن وبطول عمر المولود تسمى تمبايعت، حينها يخرج أهل المولود لتقديم رعوايذ،  وهي هدية للفنانين وكانت غالبا قالب سكر وعملات نقدية.«اروري»  بعد ولادة الرضيع صبح الازدياد، تتجمع النساء كل واحدة منهن تقوم بعملها التضامني والتطوعي، فتحلب الأبقار والأغنام ويؤتى بحليبها إلى منزل المولود خاصة، تتناول الواضعة أول حليب الشاة بعد الإنجاب إن صودف، اللبأ المعروف أيضا بأول حليب بعد الولادة ويسمى محليا ادخس، هو غني بالبروتينات والذي اكتشف علميا بأنه يزيد من الجهاز المناعي للإنسان ويكون هذا أول أكلات الواضعة، وبعدها تبدأ الوليمة الأولى المخصصة لاستقبال المولود الجديد أولها الزغاريد ويوقد الفرن، وتقدم إلى الوالدة وجبة خاصة من الشعير المعروف بزمبو، وهو نوع من الشعير الذي يمرر فوق النار وتضاف إليه الأعشاب البرية، فيطحن وبدقيقه يخلط بالماء الدافئ ليصبح مرقا بنكهات خاصة يضاف إليه الزبدة المتخمرة طبيعيا، ويطهى قدرا من البصارة تسمى تمراقت، ويعجن الطحين لتهييئ خبز انكور الأفرنة الريفية ثفقونت.رفتوح اليوم الثالث بعد ولادة الرضيع، تنطلق أيضا وليمة في اليوم السابع تعرف محليا برفتوح، يعجن الدقيق ويتم تهييئ الخبز ويذبح الديك بالإضافة إلى البيصارة والعسل، وهذه الوليمة المتوسطة تخصص للجيران وأصحاب الدرب، ثم يهيئ أهل الرضيع التسمية أو العقيقة في اليوم السابع تازفت استقبال الهدايا وطقوس التحنيط للرضيع، في هذا اليوم السابع تخرج الأم بصفة نهائية من بيت الإنجاب، وقد ضمدت جروحها واستردت عافيتها، لتأتي نساء من المختصات في تحنيط الرضيع الذي يسمى تصونط يعني اللف والدوران، فيقمن بتهيئة القماش ليلف به الرضيع ويسمى بتزرى هو خيط من الصوف يلف بحيث يصبح طويلا ثم يشد في وسطه كيس يعد تميمة خاصة لإبعاد العين والأرواح الشريرة، يتضمن ملح صدفية بحرية ثغرات وعملة فضية تعشاشت وثدمامت وهي جوهرة حرة، وبهذا الخيط الصوفي الذي يمر ملتويا على كل الجسم الصغير من القدمين إلى الكتفين، ويقوم هذا اللف والتحنيط على تقويم مفاصل الرضيع إلى أن تنمو بعض الشيء بحيث يمكن لأمه أن ترضعه وتأخذه كجسم غير ملتوي ليحافظ على استقامة مفاصله. يسمى اليوم السابع باسم تازفت، تقدم الهدايا للرضيع وإن كان أهل أمه ميسورين فهم أول المتقدمين بإرسال ذبيحة كبش أو عجل ويسمى أيضا اواذي، يأتي أهل الزوجة بعجل أو كبش يزين بالحناء مرفوقا بموكب نسائي يضربن الدفوف ويرددن الأغاني ذات السياق حول مباركة المولود والمدح لأهل أبيه وأهل أمه المكرمين، وتقبل هدايا المولود التي تسمى أيضا رعوايذ أي الهدايا، فمنهم من يقدم عملات نقدية ومنهم من يقدم لباسا وغير ذلك. دون أن ننسى أن المرأة الريفية ابتكرت مهدا لرضيعها من نفس لباسها ريزار بالمناسبة كان لباسا شعبيا للمرأة الريفية وهما ثوبان طويلان يلفان حول الجسم يشد الطرف الأول حول الكتف الأيسر، ويسمى هذا الشد بتشضاط يبدأ من الطرف السفلي من الكتف الأيسر إلى ما دونها يسمى اللف الآخر بازرج، والذي تشبك به حلي تسغناس من الطرفين، وهو حزام أصلي من الحرير الخالص والذي كانت تلبسه إحدى الجدات رحمها الله يسمى ابياس، وغالبا ما كان هذا الأخير هو اللباس الذي تتحلى به المرأة الريفية وتلبسه في المناسبات وخاصة الأعراس. كان عند الأمهات قديما ابتكار شخصي لمهد من نوع خاص يوضع فيه الرضيع منذ اليوم الأول وتتردد نساء القرية على بيت المولود يهنئن أهل الدار بالحدث السعيد وتضع كل واحدة ما طاب لها من النقود بجانب المولود وتسلم عليه راجية أمه أن تدعو لهن بالخير والهناء، وتسمى هذه العملية الراكوب أي التفاقد وهي أن الأم عندما تكون في مرحلة النفاس بمثابة مكرمة يغفر الله لها ذنوبها كلها بعد ذلك المخاض العسير، ويقال إن دعائها مستجاب لذلك تسارعن لزيارتها للدعاء لهن وتسمى هذه العملية ترزفت، كذلك في هذا اليوم السابع يستعد الجد أو الأب لذبح الأضحية فيختار الجد اسما لحفيده ويسميه باسمه دون أن تتدخل الأم أو الأب احتراما وتقديرا له، وإذا امتنع الجد كذلك احتراما لسعادة الزوجين بان يختار الاسم للمولود فتقام عملية تصغارت أي النصيب لمجموعة من الأسماء التي اختيرت من طرف جميع أفراد العائلة، فيقوم أحد الأطفال بأخذ إحداها ويسمى المولود بالاسم الذي صادفه. في المساء يتم الترحاب بجميع أهل الدوار ويتغنون فيه بالحياة والتضامن والفرحة بقدوم المولود الجديد، ومنذ ذلك اليوم تصبح الأم تمطرت المرضعة فتنسج الملابس لطفلها وتصنع له المهد لينام فيه وملابسه التي تنظفها له لا تتركها منشورة بعد الغروب مباشرة تحت النجوم مخافة أن يصاب الطفل بمكروه، كما لا يترك الطفل نائما مباشرة تحت السماء في مكان ليس فيه سقف مخافة أن يمر طائر اسود يؤذي الأطفال الذين لم تظهر أسنانهم بعد. أما شعره الذي نما في رأسه فلا يحلقه إلا احد أشقاء أمه، فيأخذه منه ويضعه في كيس مع قليل من الرماد ويعلق بملابسه الداخلية إلى أن يكبر، زعما أن هذه تكميشت تبعد الشر والبلاء على مرتديها. وعندما تبدأ الأسنان في الظهور تحمله إحدى فتيات الجيران التي لم تبلغ سن الرشد بعد وما زال أبوها على قيد الحياة تتجول به في القرية مع الأطفال، يرددون الأغاني تسمى هذه العادة سيور، وتقوم النساء بإعطائهم ما طاب لهن من سكر ولوز، ثم بعد ذلك ترجعه إلى أمه التي بدورها ترقص مع ابنها رقصة هلل رو مركبة من كلمتين تعني هلل وابكي، وعندما ينمو الشعر لدى الطفل المرة الثانية يحلق الشعر من الوسط وتترك جوانب الرأس وتسمى هذه الطريقة تالومت و تاكيوت ينمو الطفل ويكبر وكل ألعابه مستمده من الواقع المعيش ومن لوازم الحياة استعدادا لخوض غمار الحياة.كما أن الزواج التقليدي « أورار » في هذه المنطقة يعبر أيضا عن معالم التضامن الاجتماعي والاقتصادي ويتميز بمراسم وطقوس يسودها نوع التضامن، إذ أن حفلة الزفاف تدوم ثلاثة أيام على الأقل، وتمم في فصل الصيف خاصة، وذلك بعد الانتهاء من عملية الحصاد وجمعها على شكل أكوام دائرية وتخزين الغلة من الشعير والقمح في أكياس خاصة… وطلاء جدران المنزل بالجير الأبيض بمشاركة الجيران والأقارب، وتهيئ ما يتطلبه العرس من الفحم الخشبي للطهي من خلال إعداده بطريقة تقليدية تسمى ركوشت، وذلك من أجل منح هذه الحفلة ما تستحقه من الاهتمام. يخضع الزواج «لملاش» خضوعا عجيبا لعادات اجتماعية تضامنية ثابتة يستحيل الاستغناء عنها، من ‏هذا المنطلق يمكن أن نقول إنها تمر عبر خطوات هذا الزواج، التعارف أولا، يتعرف الفتى على فتاة أحلامه ثم الخطوبة يقوم الوالدين بخطبة الفتاة فالإعلان عن الزواج وهو عبارة عن مأدبة غذاء يستدعي فيها والد الفتاة شيوخ القبيلة كبار السن والفقهاء وأصحاب المقام للإعلان عن زواج ابنته جهرا. وهذا نوع من التضامن الاجتماعي والاقتصادي هناك أيضا مرحلة الفتوح وعند شيوع الخبر لدى الشباب الدوار، يقصدون منزل العريس ليفرضوا عليه دفع غرامة تسمى الفتوح، وهي عبارة عن حفلة شاي وحلويات تدفع لأصدقاء الأمس كفدية، يعتبر ذلك بمثابة خيانة لحلف العزوبة، تأتي بعد ذلك مرحلة تجديد العهد وما تحمله هذه المرحلة من معالم التضامن فبعد مرور بضعة أيام، تقوم الفتاة بصنع تيمباسست ‏هو نوع من الخبز الذي يصنع بالذرة تحملها والدتها إلى أم الفتى لتذوقها جماعة وهي بداية إعلان عن إشراك الملح ونوع من تجديد العهد.
التحضيرات المسبقة للعرس قبل أيام موعد العرس والذي يقام غالبا في فصلي الصيف حيث تجتمع النساء يوميا بمنزل العريس لتحضير الطعام ويتخلل هذه العملية أجواء احتفالية بهيجة بإلقاء أغان وأشعار والرقص بالمناسبة، نفس الأجواء تسود دار العروس التي تحاط بعناية تامة من قبل فتاة ترافقها طيلة أيام الزفاف، وهي حريصة على زينتها، ‏النكافة حاليا، هناك أيضا حناء الأم الحين نيماس، الحناء الصغير الحين أمزيان، ‏إذ يعج بيت العروس بالمدعوين من الجيران والأقارب وتتطوع النساء والفتيات للقيام بكل خدمة أسندت إليهن وكل ما تحتاجه العروس تسليت من غسل أو طهي أو خبز أو إحضار الماء أو ترتيب مكان الحفل وأخريات يتفرغن لتزيين العروس زينة خاصة، وعند الغروب يضاء منزل العروس ومكان الحفل ويغدو أهل العريس وأهل العروس ويجلس الرجال في المكان المخصص لهم، أما النساء فيدخلن المكان الذي فيه العروس وصديقاتها ويبدأن الغناء المصحوب بالإيقاعات وخاصة الطبول والبنادر، ويختم الحفل لذلك اليوم بوضع الأم الحناء لابنتها، بعد هذا تأتي مرحلة الدفوع استشي ‏تهيئ عائلة العريس أشكالا من الأطعمة وتصطحب خروفين أو أكثر إلى بيت العروس كدفعة أولى في موكب لا يخلو من مظاهر التضامن والبهجة، وعند استقبالهم وتناول الغداء يتم تحديد وقت الحناء الأكبر في بيت العريس الذي يقام في اليوم الذي يليه حني أمقران الحناء الأكبر ليلا، وهنا يقوم العريس بالذبح وفي هذا اليوم بالذات لا يطبخ اللحم في منزله بل يكتفي باستقبال المدعوين بالمأكولات وبعد تناول العشاء يتوجه إلى بيته الخاص ويلبس لباسا، ثم يتوجه إلى الجماعة التي يشكلها جميع أهله وأقاربه ‏بساحة أنغور الفناء الخاص للتجمع العائلي، ويجلس على وسادة فوق حصير أعد خصيصا له، ويؤتى بالحناء والمنديل توضع عليه القصعة تازوضا التي تحضر فيها الحناء ترافق هذه العملية بزغاريد النساء المتعالية والأغاني الخاصة، ثم توضع الحناء في يدي العريس ويصاحب بالأهازيج وطلقات البارود، الفتاة التي وكلت إليها مهمة وضع الحناء على يدي العريس عليها أن تلف الصحن داخل منديل وتعطيه لأهل العريس الاحتفاظ به في مكان أمين خوفا من استعماله لأغراض مشبوهة، ‏بعدها يؤتى بطبق من الحلفاء يوضع في داخله قالب من السكر ويغطى بمنديل أبيض تسمى هذه العادة الغرامت والغرض منها جمع المال من طرفي المدعوين كل واحد حسب استطاعته، وذلك مساهمة ومساعدة منهم للعريس، بعدها ينشط هذه المراسم شخص يدعى ابرح مهمته تشجيع الحاضرين على دفع المال بطريقته الخاصة. يوم العرس اورار ‏تذبح الذبائح عادة يكون عجل أو خرفان حسب إمكانيات العريس، ونفس الشيء في بيت العروس يقوم الرجال بطهي اللحم بالبصل والتوابل وطواجن الحمص، أما النساء فهن يخبزن الخبز أغروم ويغسلن الأواني ويتأنقن بأبهى  الحلي والحلل كأنهن عرائس بعدما قضينا أياما شاقة في التحضيرات للعرس.
في وقت الغداء يجتمع الضيوف على الموائد و يتناولون من أنواع الطعام ما طاب وحلا،  بعد الأكل يأتي دور الشاي ويتم حضور الطبول ليبدأ الحفل والفرجة من جديد ويشارك فيه الجميع ويتم استعراض المواهب الغنائية من قبل الشباب، بعدها تتهيأ عائلة العريس وأقاربه للرحيل إلى منزل العروس لتزف إلى بيت زوجها، أثناء الوصول تخرج العروس وهي تحجب كامل جسدها ويقودها أبوها خارج المنزل حيث موكب العريس في الانتظار، فيساعدها في امتطاء الفرس ويعود الموكب إلى دار العريس والطقس ‏نفسه لا يخلو من الحماس والتضامن. عادات دخول العروس بيت زوجها عند قدومها تجد في استقبالها أم العريس لابد أن تخطو خطوة بقدمها اليمنى عند الدخول، تغسل لها حماتها رجلها اليمنى وتقدم لها نوعا من النبات في اليد اليمنى وكذلك تهدي لها هدية وتسلم لها صحنا مليئا بقطع سكر القالب وأشكال أخرى من الحلويات تلقي بهم العروس خلفها للأطفال، وتتم سيرها نحو بيت زوجها، فتجلس في مكان خاص أعد سلفا لها، بعدها يتوجه إليها العريس حيث يقبل رأسها ويتم ذلك في جو من الغناء والابتهاج المقرون بالود والتضامن ويؤدي الشباب والرجال على السواء رقصات تقليدية. يترك العريس المجال للنساء ويخرج الى المكان المخصص للرجال، ويستعد الجميع لإحياء طقوس الرايزيق حيث يقوم الشباب المعروفون بصوتهم الشجي والقوي بتكوين صفين، المجموعة الأولى يتوسطها العريس موراي ومرافقه منذ بداية العرس يسمى لوزير، وهما يلبسان نفس الثياب يتمثل في جلباب أبيض وبلغة بيضاء اهاركاس والمجموعة الثانية من الخلف، يتناوبون على ترديد الشعارات بأصوات عالية تتخللها أصوات البارود، ويسمى هذا اليوم بيوم الدخلة أذوف. بعد مرور ثلاثة أيام على الزواج، يحتفل العروسان بيوم الغداء أمشلي تقوم فيه العروس باستقبال الضيوف الذين اتوا للاطمئنان عليها وعلى أحوال زوجها وتظهر في أحسن مظهر. وأخيرا نهاية العرس في اليوم السابع تيغللت،وهو اليوم الختامي لمراسم العرس يجتمع الأقارب والأحباب في بيت الزوجين لإحياء آخر مرحلة من مراحل طقوس الزواج، ويسمى تغللت، وهو حجاب يحجب سرير العروسين ولا يحق لأحد أن يزيله إلا من دفع أكثر من النقود حيث تنقسم اللعبة إلى فريقين، فريق خاص للمتزوجين وفريق آخر للعزب وتبدأ المراهنة، والفريق الفائز سيزيل المنديل في جو فكاهي متميز، إذ يظل الخاسرون في خدمة الفائزين حتى العودة إلى ديارهم.
هناك أيضا عادات إيجابية كعادة «تغنجا» وهي ليست مجرد تقليد بل إذا عمقنا النظر سنجد أن لها عدة تأثيرات في الحياة الاجتماعية وتساهم بشكل كبير في الحفاظ على الوحدة والتماسك والتضامن لدى أهالي المنطقة.
وهي اسم لعروس المطر تسلت انزار وتقام كل سنة لطلب الغيث، وتعد هذه العادة من أقدم الشعائر الاستسقائية وتهدف إلى استمطار السماء حين تكون الأرض والمحاصيل مهددة بالجفاف والتلف. في الريف تتمثل طقوس تغنجا في الطواف بمغرف أغنجا وصناعة دمية مكسوة بزي عروس يشترط أن تحمل من قبل فتاة في موكب يشارك فيه النساء من الخلف والأطفال في المقدمة يرددون بعض ألأدعية والأهازيج غثنا غثنا يالله سوا انزار ان شاء الله.
كما تسود عند الأمازيغ منذ القدم عادة اجتماعية تعرف بـ «الوزيعة» التي كانت تتم في المناسبات الدينية والمواسم والأفراح، ورغم هذا التقليد بدأ يشقّ طريق النسيان، إلا أن عادة التراحم بدأت تعود خلال شهر رمضان في المناطق التي يسكنها الأمازيغ، ويعود هذا التقليد الذي يجسد التضامن الاجتماعي مع حلول شهر رمضان.
وتعتبر «الوزيعة»أو«ثيمشراط» (وفق الأمازيغية)، تقليدا اجتماعيا تشتهر به منطقة القبائل الكبرى والصغرى، وتتمثل الوزيعة في اشتراك عدد من الميسورين في جمع مبلغ من المال بمشاركة من يستطيع من خلال مساهمة تكون محددة مسبقا لكل عائلة، ليتم شراء بقرة أو ثورأو أكثر، ويتم نحرها وتوزيع لحومها على كل الأسر بالتساوي، مع تخصيص حصص إضافية للعائلات الفقيرة التي لم تتمكن من المساهمة بالمال.
تعد الممارسات التضامنية والتعاضدية مترسخة في ثقافة بلادنا، ذلك أن أسسها تستمد مبادئها من القيم التقليدية المترسخة في المجتمع، باعتبار أن التنظيمات التقليدية (التويزة، الجماعة…) التي تندرج بدورها ضمن مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني هي حجر الأساس للتنظيمات المهنية الحديثة.
يجمع الاقتصاد الاجتماعي التضامني بالمغرب أنشطة اقتصادية عديدة تهدف بالأساس إلى محاولة الاستجابة لحاجيات الشرائح الاجتماعية الفقيرة قبل تحقيق الأرباح، وتتكون التنظيمات الحديثة العاملة في هذا المجال من الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات، والخيط الرابط بين كل هذه المكونات هو قيم التضامن وإعطاء الأولوية للإنسان على رأس المال خدمة لمشروع جماعي له أهداف ومنافع اجتماعية بالأساس.

باحثة في علم الاجتماع

الكاتب : بشرى أعراب - بتاريخ : 15/06/2022

التعليقات مغلقة.