الأعوان العرضيون… جيش الظل في الحملات الانتخابية
بقلم: نورالدين زوبدي
في كثير من الجماعات الترابية، لم يعد ملف الأعوان العرضيين مجرد مسألة إدارية أو مالية عابرة، بل تحول إلى بؤرة فساد ناعمة، تُوظَّف فيها الموارد العمومية لإرضاء الخواطر وبناء الولاءات، وتُحاط لوائح المستفيدين منها بسرية تامة، وكأنها أسرار دولة لا يجوز الاقتراب منها.
لقد وجد بعض رؤساء الجماعات في هذا الباب المالي فرصة ذهبية لتوسيع شبكات الزبونية والمحسوبية. فبدل أن يُستخدم التشغيل العرضي لتغطية الحاجات المستعجلة للمرفق العام، أصبح وسيلة لتكريم الأنصار ومكافأة من شاركوا في الحملات الانتخابية، أو حتى أولئك الذين احترفوا “التطبيل” في الفضاءات الرقمية.
والأخطر من ذلك، أن فئة من هؤلاء الأعوان لا يزاولون أي مهام فعلية داخل الإدارات، بل يُستغلّون في ضيعات خاصة أو يُكلفون بأعمال منزلية لدى مسؤولين جماعيين. وبعضهم يُجبر على تقاسم أجره الشهري مع من “منحه” الوظيفة، في علاقة مشبوهة تتأرجح بين الابتزاز والمَنّ.
لكن الصورة الأكثر قتامة تظهر خلال الفترات الانتخابية، حيث يلجأ بعض الرؤساء إلى تشكيل مليشيات موازية من الأعوان العرضيين، تتكوّن من منحرفين، ومدمنين على المخدرات، وأصحاب سوابق قضائية، توكَل إليهم مهمة منع المرشحين المنافسين من دخول أحياء بعينها، أو التحكم في المزاج الانتخابي عبر شراء الأصوات بالمال الحرام. وغالبًا ما تكون هذه الأحياء الهشة، هي التي تحسم نتائج الاقتراع.
وفي هذا السياق، يصبح إجراء الانتخابات التشريعية أو غيرها من الاستحقاقات في ظل هذا الوضع المهتز ضربًا لمبدأ تكافؤ الفرص، واستغلالًا صارخًا للموارد العمومية. فلا يُعقل أن يُمنع مترشح من استعمال إمكانيات الجماعة، بينما يُسمح لآخر باستغلال حشود بشرية ممولة من المال العام، تُسَخَّر في الحملة، وتُصوّت بتوجيه، وتمارس البلطجة، وتُشوه صورة التنافس الديمقراطي بكل أشكال الإفساد الممكنة. إن توظيف الأعوان العرضيين كدروع بشرية انتخابية ليس فقط انحرافًا أخلاقيًا، بل خروج فاضح عن القانون.
هكذا يتحول الأعوان العرضيون من مجرد عمال مؤقتين إلى جيش احتياطي يُستدعى عند الحاجة، ويُستغل كأداة للاختلاس عبر تشغيل “الأشباح”، أو لتصفية الحسابات السياسية خلال الانتخابات. وهو ما يفرض اليوم تقنين هذا الإطار التشغيلي، وإخضاعه للمراقبة والشفافية، بدل تركه مفتوحًا أمام التوظيف السياسي والانحرافات الإدارية.
ما يزيد الطين بلّة، هو أن لوائح هؤلاء الأعوان أصبحت خطًا أحمر، يستحيل اختراقه. مجرد طلب الاطلاع على الأسماء قد يُقابل بالعداء والتهديد، وكأننا أمام سر عسكري لا يحق للمواطنين أو حتى للمنتخبين المحاسبة بشأنه. فهل تحوّلت الشفافية إلى جريمة؟ وهل أصبحت مراقبة المال العام خصومة سياسية يُراد إسكاتها؟
تتقاطع هذه الانزلاقات مع برامج تشغيلية أخرى، من قبيل “أوراش”، حيث لوحظ تداخل غامض بين المستفيدين من كلا البرنامجين، ما يثير تساؤلات جدية حول المعايير، وجدّية التتبع، وفعالية الرقابة.
إن الوظيفة العمومية ليست غنيمة، ولا ينبغي أن تكون امتيازًا لمن يُتقن لعبة الولاء، أو يحسن الاصطفاف خلف الرئيس. إن المال العام أمانة، وتشغيل الأعوان يجب أن يُبنى على الحاجة الفعلية للمرفق، لا على حسابات انتخابية ضيقة.
لقد حان وقت فتح هذا الملف بشجاعة، وكسر طوق الصمت، وفرض ربط المسؤولية بالمحاسبة. أما استمرار هذا العبث، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من تقويض الثقة في المؤسسات، وتفريغ العمل الجماعي من محتواه النبيل.
الكاتب : بقلم: نورالدين زوبدي - بتاريخ : 19/08/2025

