الإصلاح حاجة مجتمعية والمجلس الوطني أفضل بديل للجمعية لحماية مهنة المحاماة

عبد العالي الصافي

هل نحن بحاجة لقانون جديد أم يمكن الاكتفاء بتعديل بعض النصوص؟ و هل نحن من نريد هذا القانون أم جهات معينة تفرض ذلك ، أي هل القانون المرتقب حاجة مجتمعية يجيب عليها التشريع كما هوالحال في جميع التشريعات الأخرى أنه استجابة لطلبات من جهات بعينها؟ وإذا كان هذا القانون قدرلابد منه ، فما هو الإصلاح الذي نريد وما هو الإصلاح الذي يراد لنا ولمهنتنا؟ ولماذا؟ ومن هي الجهات التي اعتبرت هكذا تشريع ضرورة ملحة دفعت بوزارة العدل إلى أن تسارع بعدي الزمان والمكان من أجل إخراجه في أسرع وقت؟ هل فعلا يريدون تعديلات شاملا أم أن إملاءات فرضت إدخال أشكال جديدة من ممارسة المهنة ، و هنا نتحدث عن المكاتب الأجنبية طبعا ؟ من يريد مجلس وطنيا هل الوزارة أم الجمعية ولماذا ؟ هل بأن هذه الأخيرة انتهت صلاحيتها وأصبحت متجاوزة أم أن الوزارة ومن معها يريدون مخاطبا وحيدا ومنصوص عليه في القانون؟
لماذا أصبح هذا الإصلاح راهنية بالنسبة للوزارة دون باقي المهن ولماذا الآن ؟ لماذا يحدث نفس الشيء في مصر والجزائر وتونس وفي نفس الوقت وبنفس السرعة؟
هل هي مجرد صدفة أم أن الأمر يجب ربطه بمحددات أخرى جغرافية وتاريخية و لكن أيضا التركيبة البشرية وتشابه إقتصادات هذه الدول ، خصوصا وأن الهيئات الدولية من قبيل الأمم المتحدة وكذا صندوق النقد الدولي والبنك العالمي و كذا الاتحاد الأوربي ومؤسساته تصنف هذه الدول في خانة واحدة بالإضافة إلى الأردن بطبيعة الحال؟
لنقوم لتسريح وتشخيص دقيقين لوضعية مهنة المحاماة بالمغرب ، يجب أولا أن نجيب عن كل هذه الاشئلة البسيطة في شكلها والمعقدة في مضمونها ، وأقترح كمقدمة أوكبداية جواب أن نستحضر مصدرها التاريخي سواء في التشريع أو حتى في القضاء دون الحديث عن الاقتصاد والسياسة وغيرها لأنه ليس موضوعنا ولكن لأن المقام لا يتسع ، لكن مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن فرنسا و دول أخرى من شمال البحر الأبيض المتوسط سبقتنا لهذا النقاش بأكثر من 10 سنوات بحكم الخانة التي تنزل فيها هذه الدول ، حيث تابعنا جميعا كيف اتخدت الدولة الفرنسية وعدة دول أخرى عدة قرارات مشابهة منها المجلس الوطني مثلا ، ورأينا كيف انتفضت المحاماة في أشكال نضالية متعددة وصلت إلى الامتناع عن العمل وتعليق البدل ، لكن في آخرالمطاف تم تنزيل» الإصلاح» رغم أنف الجميع ، والآن جاء دور محامي جنوب المتوسط من الرباط إلى القاهرة وعمان.
فإذا اتفقنا بأن «الإصلاح» قدر فإن المجلس الوطني سيكون أفضل حامي للمهنة و أحسن بديل يحل محل الجمعية التي لا يخفى على أحد مشاكلها وذلك راجع لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية ، الأولى ليست منتجة لذلك سنقتصر على أهم سبب موضوعي والمتمثل في كونها فقط جمعية في إطار ظهير 1958 وبالتالي فهي بمثابة نادي النقباء ليست له قانونا الصبغة التقريرية أو هو بلغة دستورية يمكن أن نسمي هيئة استشارية أو بلغة العلاقات الدولية منظمة تنسيقية أي تنسيق مواقف الهيئات التي تتمتع بهذه الصبغة وفقا للقانون ، لكن بصيغ أخرى يجب أن تدرسها نحن أهل الدار وليس كما تريدها الوزارة أو يريدها آخرون لا أدري.
و إذا اتفقنا على أن المجلس الوطني سيكون نعمة وليس نقمة وبذلك سينقلب السحر على الساحر، فإن أول الاختصاصات وأهمها والتي لا يجب أن تكون محل أية مساومة التنازل وهو احتكار اختصاص الترخيص والمراقبة والتأديب و كل الأمور المتعلقة بمهمة المجلس الوطني ، وبذلك سيكون المقتضى الذي ترغب الدولة في إضافته لقانون المهنة ، بل وعلى ما يبدو أن القانون يعدل فقط من أجل هذا المقتضى، – وبالمناسبة فإنه يبدو والله أعلم أن المكاتب الأجنبية تعديل لا مفر منه و هروب منه – ، و بذلك سيتمكن مجلس المحامين من منح أو رفض منح الترخيص للمكاتب وكذلك تبقى تحت عينيه وتكتبها يديه.
إلى هنا الأمر يبدو قابل للنقاش ، لكن يبقى سؤال الحماية أو السياسة الحمائية التي تنتجها الدولة في عدة قطاعات منها الفلاحة والحرف وغيرها مطروحة بشدة ، ذلك أنه لا يمكن للمحامي المغربي بالإمكانيات المادية والبشرية المحدودة جدا أن ينافس شركات متعددة الجنسيات بإمكانيات مادية وبشرية وتقنية ولوجستيكية وبنية تحتية هائلة، وبالتالي فإن الأمر يتطلب سياسة حمائية محكمة بما فيه التدرج الزمني والموضوعي في أفق فتح هذا السوق أمام السوق الحرة .
قد يلاحظ عزيزي القارئ بأني استعملت معجما ليبراليا صادما بعض الشئ و يتسائل هل المحاماة ستصبح تجارة وهي رسالة ومهنة النبل والتضحيات وحماية الحقوق؟
بالرجوع لعام 2006؛ حينما كان الرئيس الفرنسي الحالي إمانويل ماكرون وزيرا للاقتصاد بفرنسا مرر قانونا سمي قانون ماكرون وهو القانون الذي رفضه المحامون وباقي المهن القضائية ، أهم ما جاء فيه هو تحرير قطاع المحاماة بالدرجة الأولى حتى يصبح متاح للجميع ، وفي نظره أو حسبما جاء في طرحه ، أنه حينما سيفتح السوق ويخضع للمنافسة وستخضع مهنة المحاماة لقانون العرض والطلب الشيء الذي سيمكن كل المواطنين الفرنسيين الحصول على الخدمات القانونية والقضائية بأثمنة في متناول كل المواطنين وبالتالي سيتيسر الولوج للقضاء للجميع والدولة لن تعد ملزمة بتخصيص ميزانيات لهذا الموضوع ، أي أنه أراد أن ينقل المحاماة بشكلها الحالي المتعلق – حسب رأيه – والتقليدي إلى قطاع عصري متحرر كباقي القطاعات ولكي نصل الى هذه المرحلة يجب إضعاف حراس المعبد.
و قد يسأل سائل وما دخل فرنسا في وضعنا الذي نعيشه؟
الجواب بسيط للغاية ويتمثل في أن هذا الاصلاح مصدره المؤسسات المالية و الشركات متعددة الجنسيات التي ضاقت ذرعا بالانساق الحالية لمهنة المحاماة في بعض الدول وعلى الخصوص الفرنكوفونية منها ، وأن ماكرون كان ينفذ برنامجا عالميا ، وكما لاحظ الجميع لم يتراجع رغم كل الأشكال النضالية التي خاضها المحامون الفرنسيون آنذاك وقس على ذلك ما يحدث هناك على مستوى اصلاح التقاعد ، وهو صيغة أخرى من التغطية الاجتماعية التي هي آتية لا محالة ومن بين أهدافها انخراط المحامين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وبكلمة الليبرالية تصارع من أجل التسيد

الكاتب : عبد العالي الصافي - بتاريخ : 12/08/2023

التعليقات مغلقة.