الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية‮: ‬من معركة الشرعية الديمقراطية إلى صناعة الأمل في‮ ‬التغيير الوطني

‬سعيد الخطابي ‮ ‬‭(*)‬

 

 

يعيش المغرب اليوم مرحلة دقيقة من تاريخه السياسي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬حيث تتقاطع الأسئلة الكبرى حول الديمقراطية والعدالة والكرامة،‮ ‬وتتجدد الحاجة إلى أحزاب وطنية حقيقية تمتلك الرؤية والمسؤولية،‮ ‬قادرة على قيادة التحول الديمقراطي‮ ‬وصناعة الأمل في‮ ‬مجتمع‮ ‬يطمح إلى الإنصاف والمساواة‮.‬
وفي‮ ‬خضم هذا المشهد،‮ ‬يظل الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية مدرسة في‮ ‬الوطنية والفكر الديمقراطي،‮ ‬حزب المبادئ لا المصالح،‮ ‬وحزب المواقف الثابتة لا الحسابات العابرة‮. ‬إنه ضمير وطني‮ ‬لا‮ ‬يموت،‮ ‬وذاكرة حية في‮ ‬قلب الوطن،‮ ‬جمع بين النضال السياسي‮ ‬والفكري‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬وأنتج قيادات صنعت الوعي‮ ‬الوطني‮ ‬وأرست ثقافة الحوار والإصلاح‮.‬
لقد ولد الاتحاد الاشتراكي‮ ‬من رحم المقاومة الوطنية ومن نضالات الشعب من أجل التحرر والكرامة،‮ ‬وظل وفيًا لتاريخه ومبدئيًا في‮ ‬مواقفه،‮ ‬يواجه العواصف بثبات ويرفض المساومة على مبادئه مهما كانت الظروف‮.‬
وحين عرفت بلادنا محطات من الخروج عن المنهجية الديمقراطية،‮ ‬كان الاتحاد أول من رفع صوته دفاعًا عن الإرادة الشعبية واحترام الدستور،‮ ‬وعن المبدأ الذي‮ ‬يجعل من صناديق الاقتراع أساس الشرعية،‮ ‬مؤكدًا أن الديمقراطية ليست مجرد عملية انتخابية،‮ ‬بل ثقافة ومسؤولية وفضاء لتداول السلطة في‮ ‬إطار من الشفافية والاحترام المتبادل‮.‬
لقد أدرك الحزب منذ زمن مبكر أن بناء الدولة الحديثة لا‮ ‬يكون إلا على أساس الثقة بين المواطن والمؤسسات،‮ ‬وأن الشرعية الحقيقية لا تُمنح إلا عبر صناديق نزيهة وحكامة ديمقراطية صادقة‮. ‬واليوم،‮ ‬وأكثر من أي‮ ‬وقت مضى،‮ ‬تحتاج البلاد إلى نَفَس وطني‮ ‬جديد،‮ ‬وإلى إعادة إحياء الأمل في‮ ‬السياسة،‮ ‬وبناء عقد اجتماعي‮ ‬جديد‮ ‬يربط الدولة بالمجتمع في‮ ‬مصالحة شاملة تُعيد الاعتبار للعمل السياسي‮ ‬وتفتح آفاق المشاركة الواسعة‮.‬
وبفضل خبرته التاريخية ونضجه الفكري،‮ ‬يمتلك الاتحاد الاشتراكي‮ ‬القدرة على قيادة هذا التحول،‮ ‬لأنه حزب وطني‮ ‬عميق الجذور،‮ ‬مؤمن بأن الديمقراطية ليست شعارًا‮ ‬يُرفع،‮ ‬بل مسارا‮ ‬يُبنى بالصبر والحكمة والنضال‮.‬
لقد جسدت القيادة الحالية للحزب،‮ ‬بزعامة الأستاذ والسياسي‮ ‬إدريس لشكر،‮ ‬خلال السنوات الأخيرة معنى الصمود والانفتاح والمسؤولية‮. ‬فقد قادت الحزب في‮ ‬ظروف سياسية معقدة،‮ ‬ونجحت في‮ ‬الحفاظ على وحدته الفكرية والتنظيمية،‮ ‬في‮ ‬وقت اختارت فيه بعض الأصوات طريق الانفعال أو الانقسام‮. ‬أدار لشكر المرحلة بعقلانية،‮ ‬رافضًا منطق التهور،‮ ‬ومؤمنًا أن الإصلاح لا‮ ‬يُصنع بالصراخ،‮ ‬بل بالعمل المتواصل من داخل المؤسسات‮.‬
ومن منطلق الثقة في‮ ‬التاريخ والإنجاز،‮ ‬نقولها بصوت واضح وصادق‮: ‬إن كان هناك من بديل عن أستاذنا إدريس لشكر،‮ ‬ابن هذا الحزب الأبي‮ ‬الذي‮ ‬خبر المعارك،‮ ‬فليتفضل‮. ‬فالتاريخ لا‮ ‬يرحم من‮ ‬يفر من المسؤولية،‮ ‬والحزب لا‮ ‬يُدار بالرغبات،‮ ‬بل بالكفاءة والخبرة والتجربة‮. ‬لقد استطاع لشكر ورفاقه أن‮ ‬يعيدوا للحزب إشعاعه الفكري‮ ‬وحضوره السياسي،‮ ‬وأن‮ ‬يفتحوا أبوابه أمام الطاقات الجديدة،‮ ‬رابطين الجسور بين الحزب والمجتمع‮.‬
واليوم،‮ ‬يقود الحزب نحو مرحلة تجديد الرؤية والمضمون،‮ ‬حيث لا مكان للجمود،‮ ‬بل انفتاح على كل الكفاءات والإرادات الصادقة التي‮ ‬تريد الخير للوطن‮.‬
ولا‮ ‬يمكن الحديث عن الاتحاد دون التوقف عند منظماته النوعية التي‮ ‬تمثل رافعات فكرية ونضالية حقيقية‮.‬
فالمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات تمثل اليوم قوة رائدة في‮ ‬الدفاع عن المساواة والكرامة،‮ ‬تناضل من أجل العدالة بين الجنسين،‮ ‬وتمكين النساء سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا،‮ ‬لتبقى المرأة الاتحادية عنوان الالتزام والعطاء،‮ ‬والصوت النسائي‮ ‬الوطني‮ ‬الذي‮ ‬يجمع بين الفكر والممارسة ويمنح الحزب عمقه الإنساني‮ ‬والاجتماعي‮.‬
أما الشبيبة الاتحادية،‮ ‬فهي‮ ‬القلب النابض والوجه المشرق للحزب،‮ ‬تمثل الجيل الجديد من المناضلين الذين‮ ‬يؤمنون أن السياسة مسؤولية لا امتياز،‮ ‬وأن الإصلاح لا‮ ‬يتحقق إلا عبر مشاركة الشباب الواعي‮ ‬القادر على التجديد في‮ ‬الفكر والممارسة‮.‬
لقد أعادت هذه القيادة الشابة للسياسة معناها الحقيقي،‮ ‬وكسرت جدار العزوف،‮ ‬ورفعت شعار الفعل بدل الكلام،‮ ‬لتؤكد أن الاتحاد الاشتراكي‮ ‬لا‮ ‬يزال قادرًا على إنتاج الأمل من رحم الصعاب‮.‬
وفي‮ ‬المجال النقابي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬تواصل الفيدرالية الديمقراطية للشغل بقيادة الأخ‮ ‬يوسف إيدي‮ ‬مسارها كقوة رافعة للحزب في‮ ‬الميدان،‮ ‬حيث تمكنت من ترسيخ نهج نقابي‮ ‬متوازن‮ ‬يجمع بين الدفاع عن الحقوق المشروعة للعاملين والانخراط في‮ ‬البناء الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬الوطني‮. ‬جعلت من الحوار سلاحًا،‮ ‬ومن المسؤولية أسلوبًا،‮ ‬لتؤكد أن العمل النقابي‮ ‬الحقيقي‮ ‬ليس صدامًا بل شراكة في‮ ‬خدمة الوطن والعدالة الاجتماعية‮.‬
وعلى المستوى الدولي،‮ ‬يظل الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية رقمًا صعبًا داخل الأممية الاشتراكية،‮ ‬بحضوره الفاعل ومواقفه الواضحة في‮ ‬دعم قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان عبر العالم‮. ‬حمل الحزب قضايا المغرب إلى المنابر الدولية ودافع عن وحدته الترابية وقضاياه العادلة،‮ ‬مؤكدًا أن الاشتراكية الديمقراطية المغربية صوت معتدل ومسؤول‮ ‬يربط بين الانتماء الوطني‮ ‬والبعد الإنساني‮.‬
وفي‮ ‬أفق المؤتمر الوطني‮ ‬الثاني‮ ‬عشر،‮ ‬يتطلع الحزب إلى مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي‮ ‬والفكري‮ ‬والتنظيمي،‮ ‬مرحلة تستوعب التحديات وتستجيب لطموحات الأجيال الجديدة‮. ‬هذا الانفتاح ليس مجاملة لأحد،‮ ‬بل رؤية استراتيجية تهدف إلى تجديد النخبة الحزبية وتوسيع المشاركة وإحياء الفكر الاتحادي‮ ‬الأصيل في‮ ‬الميدان‮.‬
الاتحاد الاشتراكي‮ ‬اليوم لا‮ ‬يقف عند حدود النقد،‮ ‬بل‮ ‬يقدم البديل الواقعي‮ ‬المبني‮ ‬على التجربة والخبرة والمشروع‮. ‬إنه حزب‮ ‬يفكر بعقل الدولة،‮ ‬وينتقد بحب الوطن،‮ ‬يرفض العدمية ويدعو إلى البناء،‮ ‬ويؤمن بالعمل الجماعي،‮ ‬وبأن الإصلاح لا‮ ‬يتحقق إلا بتضافر الجهود‮.‬
إنه الحزب الذي‮ ‬يقف بثبات في‮ ‬وجه التيارات التي‮ ‬تريد إفراغ‮ ‬السياسة من مضمونها الأخلاقي‮ ‬والوطني،‮ ‬ويجدد إيمانه بأن الديمقراطية لا تستقيم إلا حين تكون السياسة في‮ ‬خدمة الناس لا في‮ ‬خدمة المصالح‮.‬
ومن رحم هذا التاريخ الطويل،‮ ‬ينهض الاتحاد من جديد ليجدد الأمل في‮ ‬مغرب العدالة والمساواة،‮ ‬مغرب لا‮ ‬يقصي‮ ‬أبناءه بل‮ ‬يحتضنهم،‮ ‬لأن المستقبل لن‮ ‬يصنعه اليأس،‮ ‬بل الأمل،‮ ‬ولن‮ ‬يبنيه الانفعال،‮ ‬بل الوعي،‮ ‬ولن‮ ‬يقوده المرتجلون،‮ ‬بل أصحاب التجربة والفكر والرؤية‮.‬
إن الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية سيبقى،‮ ‬كما كان دائمًا،‮ ‬ضمير الوطن وسند المواطن،‮ ‬الحزب الذي‮ ‬لا‮ ‬يساوم في‮ ‬المبادئ ولا‮ ‬يتراجع أمام الصعاب،‮ ‬بل‮ ‬يواصل المسير بخطى ثابتة نحو مغرب ديمقراطي‮ ‬عادل،‮ ‬منفتح على العالم،‮ ‬وفيه مكان للجميع‮.‬
وكل المناضلين والمناضلات الاتحاديات واعون بكل‮ ‬يقين أن لا إنقاذ لهذا البلد الأمين سوى الإيمان المطلق بالدفاع عن اختيارات الدولة الاجتماعية،‮ ‬لأنها السبيل الوحيد لترسيخ العدالة وضمان التوازن وبناء مغرب‮ ‬يتسع لكل أبنائه تحت راية واحدة ومصير مشترك‭.‬

‭(*)‬الكاتب الإقليمي‮ ‬لحزب الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية بالحسيمة

الكاتب : ‬سعيد الخطابي ‮ ‬‭(*)‬ - بتاريخ : 11/10/2025