الانسان المقهور المرأة نموذجا

فريدة بوفتاس

أن تأخد فرضية « حالة الطبيعة « مساحة كبيرة من نقاش فلاسفة الأنوار ،لم يكن أمرا عبثيا، ولا غريبا ، من طرفهم هم الذين ساهموا في إثارة قضايا سياسية، حاولوا من خلالها إعادة تنظيم الحياة السياسية داخل اوطانهم، التي رغم تباين نظمها السياسية ،ومشاكلها …إلا أنهم حملوا تصورات بديلة تهم المجتمع والانسان ،وتقضي بأن لهذا الأخير حقوقا طبيعية، على الدولة أن تحفظها له تحت راية القوانين الوضعية.
كان ثمة ضرورة للكشف عن أن الواقع المزري الذي يعيشه الأفراد، في ظل مجتمعاتهم، يجب تجاوزه عن طريق منحهم الحق في تأسيس نظم سياسية مبنية على التعاقد الاجتماعي ،الذي وحده سيكفل لهم/ن وجودا كريما .
لكن الأحداث التاريخية التي عاشتها البشرية (حروب، أزمات اقتصادية، سياسية، استعمار، ظهور أنظمة اقتصادية متعارضة، ومتنافسة) عرفت حربا باردة، وتجسدت بعيدا عن دولها، في حروب ساخنة أججتها ودعمتها في الخفاء، وهي تجدد اقنعتها باستمرار. ونيتها غير المعلنة في السيطرة على العالم، وعلى خيرات الدول التي حولها الى دول ضعيفة، متخلفة .
حسابات وأطماع سياسية حولت العالم الى ساحات قتال وأدخلت الانسان في لجة العنف والمٱسي، فسلبته حياته، كرامته، وانسانيته. وحولته الى ذات تعيش القهر .
ها قد اصبح القهر طبيعته الثانية، وأصبح محايثا له، قهر طال كل مكونات وجوده، (الاقتصادية، الاجتماعية ،الفكرية، النفسية..) حتى لكاد القهر أن يتحول الى ماهية له .
فما القهر ؟
يعرف ابن الاثير (معجم لسان العرب، لابن منظور ) القاهر هو الغالب جميع الخلق ، وقهر يقهرقهرا : تعني غلبه ويقال: أخدتهم قهرا، أي من غير رضاهم ، وأقهر الرجل: صار أصحابه مقهورين.
والقهر من خلال هذا التحديد اللغوي، يحيلنا على عدم رضى الفرد وهو يقهر ،اي وهو في حالة اغتراب قد يكون من طبيعة اقتصادية، دينية، سياسية… تلقي به في أحضان الإكراه، وتسلب منه حرياته جمعاء.
كيف تحول الانسان من ذات حرة إلى مجرد كائن مقهور ؟
هل القهر سيكون مصيره الدائم ، أم أن نزوعه إلى الحرية سوف يكون مخلصا له من هذا القهر ؟
ونحن نتحدث عن القهر، إلى أي حد يصح الحديث عن قهر الانسان، على اساس ان قهر الرجل مشابه لقهر المرأة؟
ألا يمكن ان نكون هنا مجانبين للصواب، ونحن نسوي بين القهرين، في الوقت الذي تختلف وضعية الرجل عن المرأة في أغلب المجتمعات البشرية ؟
في حديث الأستاذ الباحث مصطفى حجازي عن قهر الانسان، نجده يعتبر أن التخلف هو سبب هذا القهر، منبها إلى أن الأدبيات اهتمت بالتخلف الاقتصادي والسياسي، لكن ثمة إهمال للذهنية المتخلفة، وهذا ما استدعى تفكيره إلى تسليط الضوء على هذه البؤرة .
كما أعاب على الباحثين الذين ألبسوا الانسان العربي المقهور، نظريات قدت سلفا على الانسان الغربي، الصناعي، وليست ملائمة لنظيره العربي.
الانسان الغربي هو وليد نقلة حضارية كبيرة، لم يعش مثلها الانسان العربي، الذي تحكمه الثلاثية التالية :
العصبيات
الفقه الأصولي
الاستبداد
نعم،المجتمع العربي عرف استيرادا للحداثة، لكن البنى النفسية لم تتغير، لم تأخذ حظها، فكل المشاريع فوقية، لم تنبع من القواعد المنتجة. كما أن القوى السياسية هي الأخرى فوقية .
هذه الثلاثية المتحكمة في العلاقات المتعددة،وبشكل خفي بين أفراد المجتمع الواحد، حولتهم/ن الى إنسان قطيعي… وهكذا لن نكون أمام فرد يحمل شعور الانتماء للوطن، بل سنجد لديه شعورا أكبر بالانتماء لعصبية ما، يسندها الفقيه، ويحصنها المستبد.
إذا أخدنا بهذا التصور، يمكن أن نخرج بالخلاصة التالية: إن الانسان المقهور ضحية هذه الثلاثية و عصارتها.
قد لا نكذب هذه الأطروحة،لكن، لا بد أن نشير إلى أن ثمة إغفال لمسألة أساسية، ألا وهي الفروقات الموجودة بين الرجل والمرأة في هذه المجتمعات المتخلفة، وأقصد مثلا، المجتمع العربي الاسلامي الذي نجد له خصوصية تطبعه، وهو كونه مجتمعا تسوده ثقافة تستقي أهم مكوناتها من الفكر الديني، وتستمد أغلب القوانين المنظمة للعلاقات بين للافراد ، من الشريعة.
وكما أكد على ذلك علماء النفس الاجتماعي، ثمة ثلاثة مظاهر نفسية للثقافة :
نسق القيم
الإدراك
المعايير والتوقعات
«لتؤكد (نظرية المجال)، عند (كورت ليقين) ،أن الانسان يتحرك في مجال بيئته النفسية، التي يرى من خلالها اشباعا لدوافعه، ويشترك مع غيره علاقات، وبحكم نشأتهم في (ثقافة واحدة)، وهذه الثقافة تمنحه (المنظار الثقافي) الذي يحدد بدوره الخبرات والسلوك، ويرى الفرد بواسطته العالم كله .»
هذا المنظار الثقافي، في مجتمعات لم تعش ثورات ذهنية، فكرية حقيقية، حدد للمرأة أدورا وقيدها من خلال تصورات، لا ترى فيها سوى كائنا ضعيفا، ناقصا، عورة، يحتاج باستمرار «للحماية»، التي هي في عمقها وصاية مستمرة، يمارسها الأقربون والأبعدون. أي أن ثمة نسق قيم يتوارث، جيلا بعد جيل، ويتشربه الأفراد، ليتحول إلى دوافع في تكوينهم النفسي يساهم في تشكيل سلوكهم .
هذا النسق القيمي المتداول، إلى جانب تواطؤ، القانون المستند على ماهو فقهي-شرعي.
وأيضا غياب تمكين حقيقي للنساء (تمكين اقتصادي- اجتماعي)، كانوا جميعهم عوامل مباشرة، إلى جانب أخرى غير مباشرة، وراء قهرهن المضاعف، لتكون المرأة تعيش قهرين :
_قهر تشارك فيه الرجل بوصفهما معا يعانيان من تسلط الثلاثية المذكورة سلفا .
_وقهر خاص تعيشه المرأة، له تجلياته، النفسية، الرمزية الاقتصادية الاجتماعية والسياسية …
تلخص في إقصاء وتهميش، وعنف …
وضعية تزداد بروزا، كلما كان الانفتاح على ثقافات أخرى حققت تقدما كبيرا، وأنصفت الانسان عموما، والنساء على الخصوص، حيث تكون هناك فجوة بين الثقافتين، الحضارتين، وهذا ما أطلق عليه العالم ( أو غبرن)، التلكؤ الحضاري. حيث تعجز المجتمعات المتخلفة مسايرة تلك المتقدمة ،وهذا يكون وراء مشاكل وأزمات نفسية وغيرها .
كيف الخروج إذن من هذا المأزق الثقافي المؤدي للقهر المزدوج؟
هل سيكون ذلك بالمساهمة في إنتاج إنسان جديد، بعيد عن قيم مهترئة في أغلبها ،ويكون ذلك عن طريق التربية والتعليم ؟
أم سيكون عن طريق تحديث المجتمع بشكل حقيقي، بالقضاء على الموروث التقليدي ؟
هل سيكون بتبني رجل السياسة بمشروع مجتمعي متقدم ،بحيث لن يقتصر (التحديث). على ماهو مادي ملموس، بل لا بد من إعادة النظر في البنى الخفية المتحكمة في هذه العلاقات، قد لا تكون مكونات الثلاثية كلها مستهدفة، ولا متشابهة من مجتمع عربي اسلامي لٱخر،لكنها لن تخرج عنها. مع الوعي الحقيقي بأن لا تنمية حقيقية بدون تفكيك هذه البنى الخفية القاهرة.

الكاتب : فريدة بوفتاس - بتاريخ : 12/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *