التحيين والتفصيل.. عنوان المرحلة الجديدة في مسار الحكم الذاتي

فيصل العراقي

يشهد المغرب اليوم تحولًا استراتيجيًا في مسار قضية الصحراء المغربية، عنوانه التحيين والتفصيل. ويأتي ذلك بعد عقود من الترافع الدبلوماسي، والانتصارات المتتالية في المحافل الدولية.
يدخل المغرب مرحلة جديدة قوامها تحديث مبادرة المملكة للحكم الذاتي وتفصيلها المؤسسي، في إطار سيادة المغرب على أراضيه و أيضا الوحدة الوطنية.
من خطاب 31 أكتوبر إلى اجتماع الديوان الملكي:
لقد جاء اجتماع الديـوان الملكي يوم الإثنين 10 نونبر 2025 بأمر من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وذلك قصد ترجمة التوجيهات الملكية السامية التي أعلن عنها في خطاب 31 أكتوبر الماضي ، عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797.
لقد شهد الاجتماع حضور كل مستشاري جلالة السادة فؤاد عالي الهمة ، الطيب الفاسي الفهري، عمر عزيمان، إضافة إلى جانب وزيري الداخلية والخارجية، وزعماء الأحزاب المغربية الممثلة في البرلمان.
هذا الاجتماع الهام خصص لمناقشة تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، في إطار مقاربة تشاركية تعكس الرؤية الملكية المتجددة، والتي تجعل من القضية الوطنية الأولى مشروعا جماعيا تتقاطع فيه أدوار بين الدولة والأحزاب والمجتمع.
التحول المفاهيمي: من المبادرة إلى المنظومة:
حين أبدعت المملكة مبادرة الحكم الذاتي، قدمها للعالم سنة 2007 باعتبارها مقترحا سياسيا واقعيا وقابلا للتطبيق،
والذي حظي باعتراف الدولي بمصداقيته، وبعد قرار الأمم المتحدة الأخير الذي كرس هذه المبادرة كمرجع أساسي للحل، أصبح المغرب أمام مسؤولية تفصيل المبادرة وتحويلها إلى منظومة قابلة للتطبيق على أرض الواقع .
إن التحيين هنا يعني تحديث التصور المغربي بما ينسجم مع التطورات الإقليمية والدولية، كما يعني كذلك إبراز النموذج التنموي الذي حققته الأقاليم الجنوبية للمملكة.
أما التفصيل، فهو الانتقال من المبادئ العامة لمبادرة الحكم الذاتي إلى تحديد الأبعاد القانونية، والإدارية، والمؤسساتية لهذه المبادرة في إطار السيادة المغربية الكاملة.
المؤسسة الملكية كضامن للتوافق الوطني:
بلاغ الديوان الملكي أكد أن هذا الاجتماع يندرج في إطار الحرص الدائم لجلالة الملك على إعمال المقاربة التشاركية كلما تعلق الأمر بالقضايا الوطنية الكبرى.
إن المغرب في العهد الجديد ، لا تكتفي بالقيادة من الأعلى، بل تعمل إلى بناء الإجماع من الأسفل، وإشراك كل القوى السياسية والمؤسساتية في صياغة المستقبل المشترك للمملكة المغربية .
إن هذا اللقاء يعيد للأحزاب السياسية دورها الطبيعي كوسيط وطني مسؤول، ويمنحها فرصة المساهمة في بلورة تصور جماعي لمغرب الوحدة والسيادة.
المملكة المغربية ما بعد القرار 2797:
إن المتابعون يدركون أن قرار مجلس الأمن الأخير شكل لحظة مفصلية في مسار القضية الوطنية الأولى، بحيث رسخ اعتراف أغلب دول العالم بأن المبادرة المغربية، شكرا حلا واقعيا وعمليا ، وقابلا للتطبيق، مما كرس عزلة الأطروحات الانفصالية وعرابيها .
لذلك، فإن عملية “ التحيين والتفصيل” ليست برد فعل، بل هو خطوة استباقية نحو تحويل هذا المكسب الدبلوماسي الهام إلى شكله المؤسساتي الوطني، وهو شكل يجمع بين الشرعية السياسية والنجاعة التنموية.
بالمملكة المغربية لا تكتفي بإقناع العالم بعدالة قضيتها، بل تسعى إلى هندسة نموذجٍ مؤسساتي متكامل، يضمن كرامة الصحراويين، ويؤطر مشاركتهم في تدبير شؤونهم المحلية، في إطار الوطن الواحد.
المملكة المغربية: من الدفاع إلى البناء:
في العقود السابقة للمغرب المعاصر، كان لزاما عليه أن يعتمد استراتيجية الدفاع عن أراضيه.
و اليوم، بفضل القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس و رؤيته الواقعية ، يدخل مرحلة “بناء الوحدة”، وحدة عنوانها الكبير هو التحيين والتفصيل في هذا التحول العميق، تحيين في الرؤية السياسية، وتفصيل في البناء المؤسساتي.
وما بينهما، تواصل المملكة مسارها بكل ثقة نحو حل مغربي صرف ، يترجم على أرض الواقع ، لا على الورق.
إنه زمن المغرب الواثق، الذي لا ينتظر الاعتراف بسيادته على أراضيه ، بل يجسدها بالفعل والإنجاز.

الكاتب : فيصل العراقي - بتاريخ : 14/11/2025