التغطية الإعلامية لزلزال الحوز بين الواجب المهني والشرط الأخلاقي

بقلم سمير السباعي

 

تعد ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023م من اللحظات الوجودية النادرة التي يمكن للإنسان أن يعيشها في حياته وهو يسمع ويشعر بصوت اهتزاز قادم من أعماق باطن الأرض المغربية من على مسافات متفاوتة البعد عن البؤرة الزلزالية بمنطقة الحوز، قبل أن يقرر في لحظة ذهول الاستجابة لغريزة البقاء والهروب دون أن يكون هناك تفكير في وضع خطة لذلك طالما أن اللحظة حركها رد فعل غريزي بالدرجة الأولى.
صحيح أن القوانين الطبيعية التي أودعها الخالق سبحانه وتعالى هذا الكون تفعل فعلها في كل زمان ومكان، ويكون قدر بعض الأشخاص أن يكونوا شهودا بل ومعنيين بشكل مباشر في بعض الأحيان بمثل هذه الأحداث بعد أن يعيشوا على حين غفلة تجربة الموت، لكن ما يهم في مثل هذه اللحظات الطبيعية والإنسانية على المستوى الإعلامي أنها تشكل مادة صحفية بامتياز، نظرا لأنها تعتبر مصدرا لأخبار يمكن تناولها من مداخل متعددة.
إلا أنه وبما أن للخبر الصحفي ذلك الأفق الخدماتي، فالخدمة الإعلامية من قواعدها الأصيلة خاصة خلال مثل هذه النكبات الطبيعية أن تكون مقيدة بأخلاقيات المهنة بشكل يبعد الممارسة الصحفية المواكبة لهذه الأحداث عن أي تشويش أو ترويج لأخبار كاذبة مجهولة المصدر طالما أن هم بعض المنابر الإعلامية وليس جلها بطبيعة الحال إلا أن ترفع من نسب المشاهدة أو المقروئية لموادها دون اعتبار لحاجة خدمة المجتمع المتلقي والمنكوب على حد سواء في مثل هذه الظروف من خلال الحرص على تجنب ما أمكن النقل المتواتر والاستهلاكي لخبر سقوط الدور والمباني السكنية أو انتشال جثث الضحايا عبر شريط درامي من المشاهد لا ينتهي، بشكل يثقل إيقاع التلقي عند كثيرين خصوصا إذا اقترن الأمر بإعادة تكرار تمرير أو التقاط شهادات مؤلمة.
لا نجادل في أن من حق وسائل الإعلام البحث عن الخبر إن لم نقل صناعته بمنطق اليوم، لكن من الوظائف الفضلى التي يمكن أن تمارسها المنابر الصحفية بمختلف أجناسها وأشكالها خلال تغطيتها للكوارث الطبيعية عموما وتداعيات زلزال المغرب على وجه الخصوص هو الحرص أولا على إذاعة معطيات رقمية رسمية المصدر وأخبار عن المناطق الأكثر تضررا وأماكن وجود العالقين تحت الأنقاض والبنى التحتية والمعالم التاريخية المدمرة أو المقطوعة أو المهددة بالانهيار استنادا دائما لمصادر رسمية من عين المكان مع الحديث عن سيناريوهات الإنقاذ المنجزة على أرض الميدان، بالإضافة إلى تخصيص مساحات إعلامية لتقديم بعض الشروحات العلمية المركزة والمقبولة من متخصصين موثوق بهم للتفسير النسبي لما حصل على المستوى الجيولوجي دون الدخول في متاهات توقع سردي لهزات ارتدادية قادمة، إلا ما هو متوقع بقوة في المناطق المنكوبة بطبيعة الحال تحقيقا لخدمة الإخبار، على اعتبار أن المنطق العلمي سيظل عاجزا عن إعطاء تنبؤات ذات صدقية كبيرة في هذا الباب.
أضف إلى هذا أن عددا من المتتبعين يلاحظ حرص بعض وسائل الإعلام خاصة منها الأجنبية على تصوير وأخذ تصريحات مباشرة من طرف الأطفال الناجين من أبناء وبنات المناطق المنكوبة بشكل يتم استغلاله إعلاميا بطريقة سيئة قصد صناعة مشاهد مفترضة من البؤس والحرمان في تلك المناطق خدمة لأهداف إعلامية رخيصة، والتي قد تخدم أجندات خارجية لدول يحاول إعلامها ترويج المغالطات والضغط على المغرب، الذي يتعامل مع طلب عروض المساعدات إلى الآن من موقع الدولة ذات السيادة القادرة على تحديد الخصاص والأطراف المرغوب في التعاون معها، دون أن تكون المملكة المغربية هدفا لابتزاز سياسي رخيص.
ضمن نفس السياق يجد المتتبع للمشهد الإعلامي المغربي حاليا نفسه أمام تدفق غير مسبوق للتصريحات الإعلامية التي يدلي بها هذا المسؤول الحكومي أو الحزبي هنا وهناك، وبعض العاملين هناك على أرض الميدان في الحوز والمناطق المجاورة، بشكل جعل الشارع المغربي يرصد بعض التداخل الذي بدا واضحا في الأيام الأخيرة على مستوى وزراء حكومة عزيز أخنوش التي بدا عليها نوع من الارتباك في التعاطي مع الأزمة، منذ الساعات الأولى، قبل أن تكون المبادرات الملكية السامية حاسمة في تشكيل تعبئة رسمية للدولة وباقي الفاعلين وعموم الشعب المغربي، من أجل صناعة ملحمة تدبيرية للأزمة، وقد كان لتصريحات بعض الوزراء تأثير عكسي على ما يبدو في خدمة توحيد الخطاب الإعلامي للحكومة على اعتبار أن من الوزراء خاصة الذي يتحملون رئاسة المجالس الجماعية في بعض تلك الأنحاء من المناطق المنكوبة قد دخل في لعبة إعطاء تصريحات غير منتهية وغير منسجمة حسب ملاحظات كثيرين مع المساحات الحقيقية للاختصاص الواجب احترامها، بدليل أن بعض التصريحات التي تم الإدلاء بها من طرف مسؤول حكومي إلى قناة أجنبية بخصوص إمكانية قبول المغرب لبعض المساعدات من دول الجوار قد تم استغلالها بشكل كبير من أطراف خارجية للضغط على الدولة المغربية قصد القبول بمساعدات يظهر أن محركها هي حسابات سياسية رخيصة ولا علاقة لها بأي حس تضامني، وهو ما تحاول القرارات السيادية للدولة أن تعبر عنه وتضمن تمريره عبر قنوات رسمية أكثر مصداقية، وهي أساسا الديوان الملكي بالدرجة الأولى ووزارتي الداخلية والخارجية، وهي الجهات التي بدت إلى الآن منسجمة ورصينة في تعاطيها الإعلامي مع تفاعلات النكبة على المستوى الداخلي والخارجي، بشكل يؤكد أن القرارات السيادية للدولة المغربية خاصة في لحظات التعبئة الوطنية توجهها دستوريا وقانونيا وتاريخيا التعليمات الملكية السامية بما يضمن المصالح العليا للدولة وسيادتها أولا وأخيرا.
يبدو أن هذا النوع من الممارسة الإعلامية على مستوى تصريحات الدولة والعمل الصحفي لباقي الفاعلين الإعلاميين سيكون كفيلا بضمان أرقى درجات الخدمة الصحفية المطلوبة في مثل هذه اللحظات الإنسانية وذلك من أجل تقديم خدمة خبرية مجتمعية متعددة الأبعاد والأشكال.
ولا ننسى في هذا الإطار وسائل الإعلام والصحافة خاصة المغربية مطالبة بدورها بأن تكون ممارستها الصحفية خاصة هذه الأيام مقرونة بحس وطني كبير، بما يتناغم مع التعبئة الوطنية التي تعيشها بلادنا لا نقول لمواجهة وإنما لتدبير حكيم لتبعات هذا المصاب الجلل، بما في ذلك تقديم أخبار صحفية نزيهة تخدم الأهداف المرجوة من نشر للحقيقة بما في ذلك الجهود المبذولة على أرض الميدان مع رصد الاختلالات القائمة قصد تنبيه الجهات المعنية بها، مع ضمان أن تكون المواد الإعلامية حاملة لخطاب الأمل والتضامن الحضاري مع الضحايا والمنكوبين وذويهم في حفاظ تام لكرامتهم، خاصة الناجين منهم القاصرين والنساء، لمنع أي استغلال إعلامي بخيس لهم، بما ينسجم مع المهنية المطلوبة في العمل الصحفي المقرونة في جميع الحالات بالشرط الأخلاقي.
إعلامي و باحث
في التراث والتاريخ

الكاتب : بقلم سمير السباعي - بتاريخ : 20/09/2023

التعليقات مغلقة.