الجدية .. وصفة جلالة الملك لفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والأوراش الكبرى

عبدالإله طلوع (*)

وجه جلالة الملك محمد السادس خطابا إلى الأمة بمناسبة الذكرى 24 لعيد العرش المجيد، وتميز الخطاب الملكي لهذا العام بتشديده على الخصوص، على الجدية والتفاني في العمل، وركز الملك على دور الشباب كما أشاد بما حققه الشباب المغربي في كل المجالات، وأهم التحديات التي تواجه بلادنا في مجالات التنمية المستدامة وتطوير الطاقات المتجددة.
الخطاب جاء بعدة رسائل وتوجيهات مهمة تحمل في طياتها رؤى وتطلعات لبناء مستقبل واعد للمملكة المغربية، وهذه أهم النقط التي جاء بها الخطاب، والتي تبلورت حول موضوع مهم، ودائما ما كان الملك يشدد ويركز عليه هو دور الشباب، حيث أشاد بجدية وتفاني الشباب المغربي في كل المجالات، وأكد أنهم دائماً ما يبهرون العالم بإنجازاتهم الكبيرة، وأعطى مثالا مهما لنجاحات الشباب المغربي من خلال إنجازات المنتخب الوطني في كأس العالم الأخيرة بدولة قطر، والتي أثبت مدى حب الوطن والتلاحم العائلي والشعبي «..لقد أنعم الله تعالى على بلادنا بالتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب..».
واعتبر جلالة الملك أن هذا التلاحم هو «.. ما مكن المغرب من إقامة دولة- أمة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ..» وأضاف «.. أننا نحمده تعالى، على ما أنعم به علينا من عونه وتوفيقه، حيث تمكنا من تحقيق العديد من المنجزات، ومن مواجهة الصعوبات والتحديات.».
ويعكس هذا التركيز على أدوار الشباب ثقة عاهل البلاد في قدراتهم وأدوارهم المهمة في بناء مستقبل المغرب حيث قال جلالة الملك «… فالشباب المغربي، متى توفرت له الظروف، وتسلح بالجد وبروح الوطنية، دائما ما يبهر العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة»…
وعلى غرار ذلك، شدد الملك على ضرورة أن تكون الجدية مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات، وهي المجالات التي فصلها جلالته بالقول «.. الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
ووصف جلالة الملك، ملف الترشيح الثلاثي لتنظيم نهائيات كأس العالم 2030، بالترشيح غير المسبوق الذي يجمع بين قارتين وحضارتين، إفريقيا وأوروبا، ويوحد ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ويحمل طموحات وتطلعات شعوب المنطقة، للمزيد من التعاون والتواصل والتفاهم.
ومن جانب آخر، بسط الملك تحليلا للوضع العام القائم، وأشار في هذا الصدد، إلى أن تداعيات الأزمة التي يعرفها العالم وتوالي سنوات الجفاف، على المستوى الوطني، ساهما في ارتفاع تكاليف المعيشة، وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي.
واستكمالا لورش الحماية الاجتماعية، شدد جلالة الملك: «ننتظر الشروع، نهاية هذا العام، كما كان مقررا، في منح التعويضات الاجتماعية، لفائدة الأسر المستهدفة».
وعبر جلالته، عن أمله في «أن يساهم هذا الدخل المباشر، في تحسين الوضع المعيشي لملايين الأسر والأطفال، الذين نحس بمعاناتهم».
كما اعتبر الملك؛ أن هذه الخطوة، إن شاء الله، ستشكل ركيزة أساسية في نموذجنا التنموي والاجتماعي لصيانة كرامة المواطنين في كل أبعادها.
ومن جهة آخرى أشار الملك محمد السادس إلى مشروع الاستثمار الأخضر للمكتب الشريف للفوسفاط والمسار السريع لقطاع الطاقات المتجددة، حيث تُبرز مدى التزام جلالة الملك بتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة كوسيلة للتقليل من التأثيرات البيئية السلبية، وتعكس أيضاً حرصه على تطوير الصناعات الخضراء وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
ومن جانب آخر، خصص الخطاب الملكي حيزا هاما للحديث عن مجال تدبير الموارد المائية، إذ أكد الملك محمد السادس، أنه يتطلب المزيد من الجدية واليقظة، وشدّد «فقد حرصنا على بلورة البرنامج الوطني للماء لفترة 2027-2020».
ودعا جلالة الملك: «للتتبع الدقيق لكل مراحل تنفيذه، مؤكدين أننا لن نتساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والتدبير، والاستعمال الفوضوي واللامسؤول للماء».
وفي ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، يقول الملك محمد السادس إننا في أشد الحاجة إلى التشبث بالجدية، بمعناها المغربي الأصيل .
وحدد جلالته المبادئ الأربعة في:
* أولا: التمسك بالقيم الدينية والوطنية، وبشعارنا الخالد:
لله-الو طن- الملك.
* ثانيا: في التشبث بالوحدة الوطنية والترابية للبلاد.
* ثالثا: في صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك.
* رابعا: في مواصلة مسارنا التنموي، من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية.
وفي ما يخص علاقتنا بالجارة الجزائر، يقول جلالة الملك «إن عملنا على خدمة شعبنا، لا يقتصر فقط على القضايا الداخلية، وإنما نحرص أيضا على إقامة علاقات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة؛ وخاصة دول الجوار».
وأضاف عاهل البلاد:» خلال الأشهر الأخيرة، يتساءل العديد من الناس عن العلاقات بين المغرب والجزائر، وهي علاقات مستقرة، نتطلع لأن تكون أفضل.
وفي هذا الصدد، نؤكد مرة أخرى، لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء، وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا.
ونسأل، الله تعالى، أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين».
وفي ما يخص الدفاع عن الوحدة الترابية، شدد عاهل البلاد في خطابه على أهمية الوحدة الترابية للمغرب، وأكد أن المغرب سيظل يدافع بقوة عن وحدته الترابية، كما أبرز النجاحات التي حققتها الدبلوماسية المغربية في الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتعزيز التعاون الإقليمي، مؤكدا الدور الحيوي للمغرب في الدفاع عن سيادته ووحدته الترابية، وتشجيع المواطنين على توحيد الجهود للمحافظة على التماسك الوطني. الجهود للمحافظة على التماسك الوطني.

(*) دكتور في القانون العام والعلوم السياسية وباحث في الإدارة العمومية والرقمنة

الكاتب : عبدالإله طلوع (*) - بتاريخ : 01/08/2023

التعليقات مغلقة.