الجمعيات ومحددات الفعل المدني والاجتماعي والتربية على المواطنة

جلول ذهيبي(*)

إن من أهم وظائف جمعيات المجتمع المدني في شموليتها، تكمن في إشاعة ثقافة مدنية، ترسي في المجتمع احترام قيم النزوع للعمل التطوعي وقبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخر، وإدارة الخلاف بوسائل سلمية في ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمي مع الالتزام بالمحاسبة العامة والشفافة، وما يترتب عن هذا كله من التأكيد على قيم المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، وهذه القيم هي في مجملها قيم ديمقراطية/ 1 .
إنه من الظاهر، أن الفعل المدني، يسعى في مفهومه الشامل إلى تنمية الثقافة المدنية لدى الأطفال والمراهقين ليصلوا إلى مرحلة الشباب، في وضعية تسمح لهم بالمساهمة في بناء وتنمية مجتمعهم بشكل شامل ومستديم. فالتنظيمات الجمعوية، نجدها من خلال التركيز على الفئات الاجتماعية المذكورة، تعمل على تخطيط أفضل الطرق التي توجه هؤلاء الأفراد نحو تحقيق الغايات النبيلة، المتمثلة أساسا في زرع الثقة في النفس وتنشئتهم على مبادئ التكافل والتضامن الاجتماعي، وتبادل الأفكار والتجارب، ومنحهم فرص الإدلاء بآرائهم في جو من التفاهم والتثمين، وتكوينهم من أجل تلبية احتياجات المجتمع، وخاصة منها الجوانب المتعلقة بالخدمات الاجتماعية,
إن الخدمة الاجتماعية في اطار العمل الجمعوي، نشأت مع بداية القرن الماضي إلا أنها تمت وانفصلت عن الرعاية الاجتماعية التي ظهرت في الأزمنة القديمة وحتى العصر الحديث، حيث برزت العديد من المحاولات لتعريف الخدمة الاجتماعية، سواء من طرف المفكرين الأجانب أو العرب؛ وكل منها / المحاولات / سعت إلى تحديد بعض خصائص هذا العمل، والتي يميزها عن غيرها من الأعمال الأخرى، حيث تبلورت في نهاية الأمر في اكتمال مقومات عمل الخدمة الاجتماعية، متضمنة المساعي والأهداف التي يسعى هذا النشاط تحقيقها، كمؤسسات الممارسة والاعتراف المجتمعي ومكانة الخدمة الاجتماعية / 2 .
إن الخدمة الاجتماعية على هذا النحو، ترنو إلى تحقيق علاقات اجتماعية بين الأفراد ومحيطهم الاجتماعي وذلك عبر دعم قدراتهم وتعزيزها وتطويرها داخل الهيئات والتنظيمات الجمعوية. فالعمل الاجتماعي في مفهومه العام، هو فلسفة اجتماعية وأخلاقية، ذلك أن جذور الخدمة الاجتماعية تستمد فلسفتها منذ القدم من الأديان السماوية والحركات الاجتماعية والطبيعية، والخبرات العلمية للمهنيين الاجتماعيين, لذلك نستطيع القول، إن فلسفة الخدمة الاجتماعية، سبق ظهورها كهمزة وصل من قديم الأول على الركائز الأساسية للمجتمع / 3 .
واستنادا إلى ما تم التطرق إليه، يتأكد أن التنظيمات الجمعوية لها دور مهم في إدراك الأفراد خاصة منهم الأطفال واليافعين والشباب لواجباتهم وتعظيم شعورهم بقيمة الثقافة المدنية والخدمة الاجتماعية والعمل التطوعي، وتنظيمهم واستثمار طاقاتهم وإبداعاتهم، والتسامي برغباتهم وتنشئتهم وتعويدهم على:
ـ الإيمان العميق بالقيم والمثل العليا والمبادئ السامية.
ـ الإصرار على حب العمل الجماعي والتطوعي، الذي يتوافق مع قدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم، والعمل على صقلها وجعلها في خدمة تكوينهم الفردي والاستعداد لخدمة محيطهم ومجتمعهم.
ـ بعث مبادئ الجدية والحماس والاعتزاز بالنفس والكرامة.
ـ تمكينهم من مقومات الانضباط السلوكي والأخلاقي خلال العمل داخل الجماعة.
من ناحية أخرى ومن أجل بلورة مفهوم المواطنة على أرض الواقع، وتربية الأفراد على مبادئها وأسسها ذات القيمة الفكرية، فإنه بإمكان المجتمع المدن الممثل عبر الجمعيات أن « يضطلع بدوره الحيوي في تعبئة الطاقات لخدمة الصالح العام، وترسيخ الثقافة الديمقراطية بما يعني من حرية ومسؤولية ، وتنظيم ومشاركة وتعدد واختلاف وحوار وتسامح واحترام الرأي الآخر، وتقوية الشعور بالمصلحة العامة والانتماء الوطني وروح التطوع والعمل الجماعي المنتظم، والحد من النزعة الفردية والأنانية وتحقيق الاندماج والتعاون بين أفراد تجمعهم والرغبة في خدمة المجتمع / 4 .
إننا نستخلص إذن أن وجود الجمعيات، يؤدي إلى تحسيس وتوعية الأفراد من الأطفال واليافعين والشباب، بأن لديهم قنوات مفتوحة للتعبير عن آرائهم وحاجياتهم بكل حرية. وعلى هذا النحو، فإن الوظيفة الجمعوية تساهم في تقوية الشعور بالانتماء والمواطنة لدى الفئات الاجتماعية؛ الشيء الذي يجعلهم قادرين على المبادرة والالتزام بواجباتهم الجماعية وتعلم كيفية صيانة حقوقهم والانخراط في عملهم التطوعي، بغية تحقيق المصالح المجتمعية المشتركة.
إن غرس مبادئ المواطنة في نفوس الفئات الاجتماعية وخاصة منهم الأطفال واليافعين والشباب، يعد من المهام الأساسية الموكولة للجمعيات، إذ من شأن البرامج والأنشطة التي تنفذها وتخططها الهيئات الجمعوية في هذا السياق، أن يؤثر في الحالة النفسية لدى هاته الفئات، ويشعرهم بالانتماء إلى الجماعة التي يستمدون منها هويتهم، ويشجعهم هذا الفعل كذلك، على المشاركة مع الآخرين في مختلف الأنشطة الجماعية، وفق الشروط العامة للمجتمع. وهكذا فإن المواطنة اتي تحاول الحركة المدنية تنشئة الأفراد عليها، تمثل مجموعة من الحقوق والمسؤوليات التي تربط هؤلاء الأفراد، مما يشجعهم على الاهتمام بالشأن العام، وإبداء الآراء ووجهات النظر حول القضايا والانشغالات الكبرى التي تهمهم.

(*) باحث في قضايا الطفولة والشباب

 

الكاتب : جلول ذهيبي(*) - بتاريخ : 14/06/2025